نجاح حكومة مصطفى الكاظمي العراقية في نيل ثقة المجلس النيابي بها، وموافقة صندوق النقد الدولي على التفاوض مع حكومة حسان دياب لوقف الانهيار الاقتصادي في لبنان، مؤشران قويّان يرمزان الى مرحلة هدنة بين القوى الداخلية والخارجية في هذين البلدين لوقف التراجع المخيف فيهما.
لجهة القوى التي تستطيع تمرير حكومة الكاظمي بعد ستة أشهر من صراعات ومناكفات وعجز متتابع لسياسيين فشلوا في تشكيل حكومة، فهي داخلياً مجموعات الحشد الشعبي والأحزاب الموالية لرئيس المجلس النيابي الحلبوسي في الغرب العراقي وآل البرازاني الأكراد في الشمال. هؤلاء هم الذين يسيطرون على المجلس النيابي ويكملون عديده بهيمنة للحشد الشعبي لأن الدستور يمنح الشيعة نحو 60 في المئة من عدد النواب تبعاً للتوازنات السكانية.
أما القوة الثانية في الداخل العراقي فهي المرجعية الدينية العليا للشيعة التي تتدخّل كلما شعرت أن خطراً يتهدد الدولة العراقية أو الكيان السياسيّ. ولها نفوذها في مجلس النواب وبالتالي بين وزراء الحكومة، بشكل يمكن فيه اعتبارها ناقوس الخطر الذي يضرب حين يتأزم العراق.
هذا عن الجانب الداخلي، وهو جزء بسيط من الصراعات الخارجية العميقة في العراق التي بدأت منذ 1990 وتعمّقت مع الاحتلال الأميركي المتواصل لأرض الرافدين منذ 2003 وازدادت التهاباً مع نجاح الحشد الشعبي في تدمير القسم الأكبر من الإرهاب الداعشي والقاعدي والسيطرة على قسم وازن من العراق السياسي.
هناك اذاً صراع أميركي – إيراني عنيف على الاراضي العراقية يرتدي لباس احتدام في التنافس السياسي في بعض الأحيان، وقتال يتسربل بتبادل للقصف بين قواعد أميركية، ومقار داخلية متحالفة مع إيران، للإشارة فإن آخر الاعمال الأميركية كانت اغتيال القائد الإيراني قاسم سليماني وقائد الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس وهما يخرجان من مطار بغداد. وردّ الإيرانيون بقصف قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق.
بذلك فإن القوى المؤثرة على السياسة العراقية هي بناها الداخلية من أحزاب ومراكز دينية وحشد وتنظيمات والاحتلال الأميركي المتواصل الى جانب نفوذ إيراني عميق سببه تحالفه مع الحشد الشعبي والعلاقات الدينية التاريخية التي تجمعه بغالبية العراقيين.
هناك أيضاً نفوذ تركي وسعودي على بعض التنظيمات العراقية في الوسط الغربي، لكنها غير مؤثرة إلا من خلال الاحتلال الأميركي.
فما الذي استجدّ بعد ستة أشهر من العجز عن تشكيل حكومة عراقية وتأزم الوضع العسكري بين إيران والأميركيين ورفع الحشد الشعبي لشعار الانسحاب الفوري للقوات الأميركية المحتلة من العراق؟
فجأة وافق الأميركيون على تمديد استجرار العراق للكهرباء الإيرانية لنحو 120 يوماً أي أربعة اشهر كاملة، كما نالتا حكومة الكاظمي ثقة واسعة وهي التي كانت تتهيأ لاعتذار رئيسها عن متابعة التشكيل للعراقيل الداخلية والخارجية.
والطريف أن برنامج حكومة الكاظمي اورد ضرورة مجابهة الصعوبات الاقتصادية والأمنية والتحضير لانتخابات مبكرة ووضع برنامج عمل لتنويع الاقتصاد العراقي.
فلم ينسَ شيئاً، إلا الاحتلال الأميركي، فتجاهله وكأن لا احتلال ولا مَن يحتلّون.
هناك أمور مثيرة للدهشة الى درجة الذعر، وهو أن معظم قوى الحشد الشعبي وافقت بدورها على هذا البرنامج.
الأمر الذي يكشف أن حكومة الكاظمي هي تسوية سببها التعادل في موازين القوى بين حشد شعبي قوي جداً بتركيبة أحزابه، ومدعوم من إيران وبين احتلال أميركي لديه مؤيدوه في وسط العراق وغربه عند جماعة الحلبوسي ومن كردستان العراق، أما أسرار هذا التوازن فهي موجودة بتلويح الأكراد وبعض أحزاب الوسط بالانفصال وتشكيل اقاليم مستقلة في كل مرة يحاول فيها الحشد الشعبي دفع الأميركيين الى الانسحاب وهذه واحدة من مصادر القوة الأميركية في أرض السواد وهي واحدة من مصادر عجز الحشد الشعبي في أرض السواد.
لذلك، فإن تراجع أسعار النفط وخفض إنتاجه وما تسبّبوا به من انهيار اقتصادي بالاستفادة من الكورونا والتلويح بتقسيم العراق الى كيانات سنية وكردية وشيعية دفعت باتجاه هدنة مؤقتة لتمرير هذه المرحلة بأقل قدر ممكن من الأضرار.
لجهة لبنان فموضوعه مشابه، خصوصاً لناحية انهياره الاقتصادي المريع والانقسام الحاد بين قواه السياسية التي تتمحور بين الولاء للأميركيين والسعوديين وبين التحالف مع إيران وسورية.
ولأن الأميركيّين لا يمكنهم ترك بلد بأهمية لبنان يلعب فيه حزب الله رأس حربة المقاومة في الإقليم، والسماح لفوضى لن تؤدي إلا إلى خسارة الحلفاء اللبنانيين لأميركا وتراجع دورهم السياسي، فارتأت الدولة الأميركيّة العميقة أن التعامل مع حكومة حسان دياب من خلال الصندوق والبنك الدوليين والمؤتمرات الأوروبيّة هي لفرصة لتتوازن فيها مع القوة البنيوية العمودية لحزب الله في لبنان، وذلك في محاولة للتساوي معه في المرحلة الحالية وعرقلته في آجال لاحقة.
هكذا هو دائماً حال الدول البراجماتية النفعية التي تعطي كل مرحلة ما تستحق، والهدنة الأميركية في لبنان هي محصلة جهود بذلها حزب الله في قتال «إسرائيل» والإرهاب والدفاع عن الدولة السورية ما جعله مرهوب الجانب وقوياً الى درجة أن مهادنته في لبنان هي انتصار للطرف الآخر، لذلك فإن الأميركيين هم الذين نجحوا في إرجاء انسحابهم من العراق ويحاولون الإمساك بلبنان من خلال الصندوق الدولي، أما حزب الله فيعرف من جهته أن الأميركيين لا يوزعون هبات على أعدائهم، بل يهادنون بشكل مؤقت في محاولة لتكوين ظروف سياسية أفضل، لهم بالطبع.
والحزب بدوره يهادن من بعد ملحوظ ساهراً على حماية حكومة قد تكون هي الفرصة النموذجية للدفاع عن لبنان في وجه فوضى قد تؤدي الى تدمير الدولة وتفجير الكيان السياسي.
نجاح حكومة مصطفى الكاظمي العراقية في نيل ثقة المجلس النيابي بها، وموافقة صندوق النقد الدولي على التفاوض مع حكومة حسان دياب لوقف الانهيار الاقتصادي في لبنان، مؤشران قويّان يرمزان الى مرحلة هدنة بين القوى الداخلية والخارجية في هذين البلدين لوقف التراجع المخيف فيهما.
لجهة القوى التي تستطيع تمرير حكومة الكاظمي بعد ستة أشهر من صراعات ومناكفات وعجز متتابع لسياسيين فشلوا في تشكيل حكومة، فهي داخلياً مجموعات الحشد الشعبي والأحزاب الموالية لرئيس المجلس النيابي الحلبوسي في الغرب العراقي وآل البرازاني الأكراد في الشمال. هؤلاء هم الذين يسيطرون على المجلس النيابي ويكملون عديده بهيمنة للحشد الشعبي لأن الدستور يمنح الشيعة نحو 60 في المئة من عدد النواب تبعاً للتوازنات السكانية.
أما القوة الثانية في الداخل العراقي فهي المرجعية الدينية العليا للشيعة التي تتدخّل كلما شعرت أن خطراً يتهدد الدولة العراقية أو الكيان السياسيّ. ولها نفوذها في مجلس النواب وبالتالي بين وزراء الحكومة، بشكل يمكن فيه اعتبارها ناقوس الخطر الذي يضرب حين يتأزم العراق.
هذا عن الجانب الداخلي، وهو جزء بسيط من الصراعات الخارجية العميقة في العراق التي بدأت منذ 1990 وتعمّقت مع الاحتلال الأميركي المتواصل لأرض الرافدين منذ 2003 وازدادت التهاباً مع نجاح الحشد الشعبي في تدمير القسم الأكبر من الإرهاب الداعشي والقاعدي والسيطرة على قسم وازن من العراق السياسي.
هناك اذاً صراع أميركي – إيراني عنيف على الاراضي العراقية يرتدي لباس احتدام في التنافس السياسي في بعض الأحيان، وقتال يتسربل بتبادل للقصف بين قواعد أميركية، ومقار داخلية متحالفة مع إيران، للإشارة فإن آخر الاعمال الأميركية كانت اغتيال القائد الإيراني قاسم سليماني وقائد الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس وهما يخرجان من مطار بغداد. وردّ الإيرانيون بقصف قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق.
بذلك فإن القوى المؤثرة على السياسة العراقية هي بناها الداخلية من أحزاب ومراكز دينية وحشد وتنظيمات والاحتلال الأميركي المتواصل الى جانب نفوذ إيراني عميق سببه تحالفه مع الحشد الشعبي والعلاقات الدينية التاريخية التي تجمعه بغالبية العراقيين.
هناك أيضاً نفوذ تركي وسعودي على بعض التنظيمات العراقية في الوسط الغربي، لكنها غير مؤثرة إلا من خلال الاحتلال الأميركي.
فما الذي استجدّ بعد ستة أشهر من العجز عن تشكيل حكومة عراقية وتأزم الوضع العسكري بين إيران والأميركيين ورفع الحشد الشعبي لشعار الانسحاب الفوري للقوات الأميركية المحتلة من العراق؟
فجأة وافق الأميركيون على تمديد استجرار العراق للكهرباء الإيرانية لنحو 120 يوماً أي أربعة اشهر كاملة، كما نالتا حكومة الكاظمي ثقة واسعة وهي التي كانت تتهيأ لاعتذار رئيسها عن متابعة التشكيل للعراقيل الداخلية والخارجية.
والطريف أن برنامج حكومة الكاظمي اورد ضرورة مجابهة الصعوبات الاقتصادية والأمنية والتحضير لانتخابات مبكرة ووضع برنامج عمل لتنويع الاقتصاد العراقي.
فلم ينسَ شيئاً، إلا الاحتلال الأميركي، فتجاهله وكأن لا احتلال ولا مَن يحتلّون.
هناك أمور مثيرة للدهشة الى درجة الذعر، وهو أن معظم قوى الحشد الشعبي وافقت بدورها على هذا البرنامج.
الأمر الذي يكشف أن حكومة الكاظمي هي تسوية سببها التعادل في موازين القوى بين حشد شعبي قوي جداً بتركيبة أحزابه، ومدعوم من إيران وبين احتلال أميركي لديه مؤيدوه في وسط العراق وغربه عند جماعة الحلبوسي ومن كردستان العراق، أما أسرار هذا التوازن فهي موجودة بتلويح الأكراد وبعض أحزاب الوسط بالانفصال وتشكيل اقاليم مستقلة في كل مرة يحاول فيها الحشد الشعبي دفع الأميركيين الى الانسحاب وهذه واحدة من مصادر القوة الأميركية في أرض السواد وهي واحدة من مصادر عجز الحشد الشعبي في أرض السواد.
لذلك، فإن تراجع أسعار النفط وخفض إنتاجه وما تسبّبوا به من انهيار اقتصادي بالاستفادة من الكورونا والتلويح بتقسيم العراق الى كيانات سنية وكردية وشيعية دفعت باتجاه هدنة مؤقتة لتمرير هذه المرحلة بأقل قدر ممكن من الأضرار.
لجهة لبنان فموضوعه مشابه، خصوصاً لناحية انهياره الاقتصادي المريع والانقسام الحاد بين قواه السياسية التي تتمحور بين الولاء للأميركيين والسعوديين وبين التحالف مع إيران وسورية.
ولأن الأميركيّين لا يمكنهم ترك بلد بأهمية لبنان يلعب فيه حزب الله رأس حربة المقاومة في الإقليم، والسماح لفوضى لن تؤدي إلا إلى خسارة الحلفاء اللبنانيين لأميركا وتراجع دورهم السياسي، فارتأت الدولة الأميركيّة العميقة أن التعامل مع حكومة حسان دياب من خلال الصندوق والبنك الدوليين والمؤتمرات الأوروبيّة هي لفرصة لتتوازن فيها مع القوة البنيوية العمودية لحزب الله في لبنان، وذلك في محاولة للتساوي معه في المرحلة الحالية وعرقلته في آجال لاحقة.
هكذا هو دائماً حال الدول البراجماتية النفعية التي تعطي كل مرحلة ما تستحق، والهدنة الأميركية في لبنان هي محصلة جهود بذلها حزب الله في قتال «إسرائيل» والإرهاب والدفاع عن الدولة السورية ما جعله مرهوب الجانب وقوياً الى درجة أن مهادنته في لبنان هي انتصار للطرف الآخر، لذلك فإن الأميركيين هم الذين نجحوا في إرجاء انسحابهم من العراق ويحاولون الإمساك بلبنان من خلال الصندوق الدولي، أما حزب الله فيعرف من جهته أن الأميركيين لا يوزعون هبات على أعدائهم، بل يهادنون بشكل مؤقت في محاولة لتكوين ظروف سياسية أفضل، لهم بالطبع.
والحزب بدوره يهادن من بعد ملحوظ ساهراً على حماية حكومة قد تكون هي الفرصة النموذجية للدفاع عن لبنان في وجه فوضى قد تؤدي الى تدمير الدولة وتفجير الكيان السياسي.
River to Sea Uprooted Palestinian
File
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment