–
بين ذكرى اغتصاب فلسطين، وعيد المقاومة والتحرير عشرة أيام، ليس من الصدفة أن يقطعهما هذا العام يوم القدس، الذي جاء بمبادرة من الإمام الخميني رحمه الله، قبل أربعين عاماً، ليحفظ القدس في الذاكرة، تاركاً مهمة التحرير مهمة منفصلة، تستقوي ببقاء القدس حيّة في الذاكرة الجمعيّة عندما تتوفر ظروف العمل.
–
عيد المقاومة تذكير بأن الأمل بتحرير فلسطين مؤسس على أسباب ومعطيات واقعية، وكما يقول سيد المقاومة دائماً، إن عظمة النصر في أيار، انه سحب من التداول السؤال حول إمكان التحرير، لأن دليل الإمكان هو الوقوع.
–
تأتي المناسبات وتحتشد هذه السنة وقد تكفّل إعلان كيان الاحتلال، عن هويته كدولة عنصرية يهودية، بإسقاط فرص الحديث عن أي تساكن مع الاحتلال تحت شعارات مموّهة كالدولة ذات القوميّتين، أو دولة المواطنة. كما تكفلت بالتوازي صفقة القرن، بإقفال كل طرق التسويات ومسارات التفاوض، التي لم تكن يوماً إلا لإلهاء شعوبنا وأمتنا، عن خيار المقاومة كخيار وحيد للتحرير، واسترددنا في طريق سقوط خيار التفاوض والبحث عن التسوية، وحدة نضال الشعب الفلسطيني، فما عاد هناك أربعة شعوب، شعب يقيم شبه دولة في غزة، وشعب يريد بناء نصف دولة في الضفة، وشعب ينتظر ربع عاصمة دولة في القدس، وشعب منسيّ تمت التضحية بحقوقه، كشرط للتسوية والتفاوض، هو أهلنا في المناطق المحتلة عام 48 الذين ترك لهم أن يناضلوا لتحسين شروط العيش في الكيان وتحت الاحتلال والطريق هو الانتخابات التي تشرعن الاحتلال والاغتصاب. فعاد الفلسطينيون اليوم شعباً موحداً وليس واحداً فقط، حيث الحق واحد والقضية واحدة والهوية واحدة والطريق واحد وهو المقاومة.
–
أن تبقى فلسطين بوصلتنا، هذا هو العهد، لكن أن نسعى نحوها، فذلك هو الطريق الذي يسلكه كل داعم للمقاومة ومساند لصمود سورية، وتعافي مصر، ورفض نظريات ومسارات الانعزال عن فلسطين، تحت عنوان مبتذل للوطنية في الكيانات العربية، مثل لبنان أولاً وسورية أولاً ومصر أولاً والأردن أولاً والعراق أولاً، فوطنية كل عربي لا تصان في بلده، ما بقيت فلسطين تحت الاحتلال، وبقيت يد كيان الاحتلال هي العليا في منطقتنا، ولا أمن وطني لدولنا الوطنية خارج مفهوم الأمن القومي كما صاغه الرئيس الراحل حافظ الأسد ويواصل تثبيته الرئيس بشار الأسد، وعنوانه مواجهة تغوّل المشروع الصهيوني وعدوانيّته ودعم نضال الشعب الفلسطيني ومقاومته.
–
السؤال الذي يواجهنا كنخب ثقافية وإعلامية واجتماعية، حول نوع الدعم الذي يمكن تقديمه لفلسطين، يستدعي التفكير بمبادرة واقعية ومؤثرة في آن واحد، وقد استوقفتني قبل سنتين الفكرة العبقرية للإمام الخميني بإعلان يوم القدس، الذي كان يربط استقباله لقادة الدول بمدى قبولهم بتسهيل إحياء يوم القدس، فيما كان تشدّده موضع تساؤل حول جدوى إعلانه بالأصل. وها هو يوم القدس اليوم مناسبة تخرج فيها عشرات الملايين عبر عواصم العالم ترفع الشعارات وتهتف للقدس وفلسطين، وستبقى وتتعاظم وتزداد، حتى يحين موعد العمل العظيم، وتدق ساعة التحرير، ولو جيلاً بعد جيل، لأن الأصل هو الذاكرة، والأجيال، ومعركة الوعي وكي الوعي.
–
اختبرت خلال هاتين السنتين مبادرة عنوانها، التدرب على استبدال صباحاتنا التقليدية، والبلهاء بلا معنى أحياناً، مثلها مساءاتنا وسلاماتنا، بأن نقول صباح الخير ومساء الخير، أو نلقي السلام التقليديّ للمسلمين السلام عليكم، أو لدى المسيحيين، نهاركم سعيد، بصباح ومساء وسلام، تحمل كل المعاني النبيلة وتختصرها، فيكون سلامنا رمزاً للخير وللسلام والحب والحق، ويرمز لما يجب أن يبقى حياً في الذاكرة، ولا يرتب أعباء على مَن يتبنّاه، فهو ليس منشوراً سياسياً، ولا بندقية، ولا سلاحاً، إنه مجرد سلام وتحية.
–
صباح القدس عليكم وصباح القدس لكم، ومسّيناكم بأنوار القدس، وسلام القدس لكم ومنكم وعليكم وبكم، كلّها مفردات تصلح، وهي بسيطة وسهلة، وإذا انتشرت بين الملايين وصارت تقليداً شائعاً، فهي خير إسهام في معركة الحق نحو فلسطين، وفي الاختبار اكتشفت أنها ليست بالسهولة التي تبدو عليها، فهي سهلة من زاوية انعدام الخطر والتبعات من اعتمادها، لكنها ليست سهلة بتحويلها إلى عادة، ولا هي سهلة بتحمل بعض السخرية عندما نلقيها على بعض المتفذلكين الذي سيقولون حتى الصباح والسلام تقومون بتسييسه، ولا هي سهلة مع الأهل والأقارب والأصدقاء والأبناء، حتى تصبح عادة، ولا قيمة لها ما لم تصبح عادة، فوجدت أن تحدّي الصعوبة يحول هذا التحدّي إلى فرصة، حيث الشرح والبيان عن سبب الاختيار ومعانيه، وحجم المضمون الذي يختزنه، هو نشر للوعي، وخلال السنتين شاركني المئات من الأصدقاء والمتابعين الاختبار، وقد وجدنا فيه معاً خياراً، يؤكد هويتنا وبوصلتنا، واستنهاضاً لمعاني السمو والرقي في التخاطب، وقد صار أسهل بكثير من البداية وصارت شجاعتنا باعتماده أساساً في سلامنا وتحايانا أعلى بكثير، ولا زلنا نتدرب على المزيد ونسعى لامتلاك الشجاعة لتجاوز الإحراج، فاكتشفنا أنها معركة حقيقية ويومية.
–
أقترح مناقشة الفكرة، وإن شاركتموني تقدير قيمتها وأهميتها، فإن تعميم اعتماد القدس ركيزة سلاماتنا وصباحاتنا ومساءاتنا وتحايانا، تجسيد لمعنى مسؤوليتنا عن صناعة الوعي، وتجذير الذاكرة في أجيال يجب أن ترث من إلقاء الصباح وتحية المساء معنىً لا يتقادم عليه الزمن، تختصره القدس.
–
نكتشف كم كان الزعيم أنطون سعاده عبقرياً عندما وضع بنفسه وهو في الثانية والثلاثين من عمره نشيد الحزب السوري القومي الاجتماعي “سورية لك السلام” وصاغ تحية الحزب “تحيا سورية” قبلها بأعوام، ولا تزال هذه التحيّة وهذا النشيد يحفظان الذاكرة القومية من جيل إلى جيل، وما الضير أن تحيا سورية ويكون سلام القدس عليكم وصباح القدس لكم؟
فيديوات متعلقة
مقالات متعلقة
- ذكرى النكبة بين الأمس واليوم
- أرض المقدَّسات
- فلسطين في وداع «العروبة»
- بمناسبة الذكرى 72 لاغتصابها سنبقى في حالة حرب من أجل فلسطين
River to Sea Uprooted Palestinian
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment