بعد نيّف وسنة وبعد 3 انتخابات عامة توصّل نتنياهو إلى تشكيل حكومة ائتلاف مع حزب «أزرق أبيض» ضمن فيه رئاسة الحكومة في الكيان الصهيوني لـ 18 شهراً تعقبها 18 شهراً أخرى يكون فيها رئيس حكومة بديلاً. فترة يظنها كافية لتصفية ملفاته القضائية التي إذا فعلت ووصلت إلى منتهاها فإنها تقوده إلى السجن بعيداً عن أيّ منصب رسمي.
في المقابل ضمن بني غانتس رئيس «أبيض أزرق» والذي فشل في تشكيل حكومة بمفرده بعيداً عن الليكود ورئيسه نتنياهو، الوصول لأول مرة إلى منصب «رئيس حكومة بديل» الآن ورئيس حكومة أساسي بعد 18 شهراً أيّ بعد انتهاء مدة رئاسة نتنياهو. ومع تشكل هذا الائتلاف الحكومي ذي الرأسين في كيان العدو تطرح أسئلة كثيرة حول الأداء الإسرائيلي في الإقليم بشكل عام وتنفيذ «رؤية ترامب للسلام» والمسماة «صفقة القرن» التي قد تستوجب من الثنائي الإسرائيلي الأميركي عمليات عسكرية تلزمها لإزالة العوائق من أمامها.
قبل مناقشة هذه الأسئلة والإجابة عليها، لا بدّ من استعادة مقولة قديمة تفيد بأنّ «إسرائيل» في كلّ مرة يتعاظم فيها مأزق داخلي أو يشتدّ بتصورها خطر خارجي أو يتزامن الاثنان معاً فإنها تلجأ إلى حكومة ائتلاف تسمّيها «حكومة وحدة وطنية» تذهب بها لمواجهة المأزق أو الخطر بفتح جبهة حرب تنسي جمهورها المأزق او تبعد او تعالج الخطر.
وصحيح أنّ تشكيل الحكومة الراهنة أملته ظواهر عجز أيّ من الطرفين عن تشكيل حكومته الخاصة رغم محاولات تكرّرت بعد 3 دورات انتخابية، إلا انّ الواقع الإسرائيلي من حيث التحديات الداخلية وما تتصوّره من مخاطر خارجية يوحي بأنّ مثل هذه الحكومة ذات الرأسين الأساسي والاحتياط المتناوبين على رئاستها هي حكومة تشكل مصلحة لـ «إسرائيل» الآن، في ظلّ ما تضخمه حكومة نتنياهو الراحلة من خطر خارجي محدق يتمثل حسب زعمها بالوجود الإيراني في سورية وبتنظيم المقاومة في جبهة الجولان بالتعاون والتنسيق بين سورية وحزب الله الذي بات يملك حسب الزعم الإسرائيلي 150 ألف صاروخ متفاوتة المدى فضلاً عن 1000 صاروخ ذات رؤوس الدقيقة. وهذه ترسانة تغطي كامل مساحة فلسطين المحتلة. وكلّ ذلك لا يعالج برأيهم إلا بالعمل العسكري الذي يجهض هذا الخطر بتدمير هذا السلاح.
أما التحدي الآخر ففيه أيضاً ما يستحق «جمع الكلمة» على حدّ قول أحد خبرائهم الاستراتيجيين حيث إنّ من مصلحة «إسرائيل» أن تبدأ بتنفيذ «رؤية ترامب للسلام» المسماة «صفقة القرن» بما فيها من ضمّ أرض وإطاحة حلم الدولة الفلسطينية، وصولاً إلى التصفية النهائية للقضية الفلسطينية كلياً بإسقاط حق العودة وتشكيل «دولة إسرائيل» نهائياً على أساس أنها «وطن قومي لليهود» أو كما جاء في قانونهم الأخير «دولة يهودية». ومن أجل ذلك وفي غضون 48 ساعة من إعلان الاتفاق على تشكيل حكومة ائتلاف اعلن نتنياهو انه «آن الأوان لتضمّ إسرائيل نهائياً مستعمرات الضفة الغربية وغور الأردن» التي تشكل مساحة 30% من الضفة الغربية.
إذن أمام حكومة الرأسين الإسرائيليين ملفان وتحديان كبيران، فكيف ستعالجهما أو كيف ستتصرف حيالهما؟
بالنسبة للموضوع الأول أيّ إيران وحزب الله، تتمنّى «إسرائيل» ان تواكبها الولايات المتحدة في قرار مشترك للذهاب إلى حرب تدميرية واسعة وخاطفة تفرض على إيران الخروج من سورية، وتدمّر ترسانة صواريخ حزب الله. فهل هذا في متناول يد حكومة الرأسين؟
في الإجابة نقول إنّ الزمن الذي كانت الحرب في المنظور الإسرائيلي بمثابة مناورة تحدّد هي وقتها ومدّتها ونطاقها وحجم المغانم التي تريدها، ثم تذهب إليها وتنفذها كما خططت أو بأفضل مما خططت، إنّ هذا الزمن ولى إلى غير رجعة حيث كانت الصورة الأخيرة لها في العام 1982 في لبنان، أما بعدها فقد رسمت صورة جديدة في العام 2006 وفي لبنان أيضاً حيث كسرت المقاومة التي يقودها وينظمها حزب الله كلّ معادلات «إسرائيل» وتصوّرات قادتها وحطمت مقولة الجيش الذي لا يُقهر، ثم كانت الحرب العدوانية على سورية وتطورات رافقت هذه الحرب لتعزز مقولة الردع الاستراتيجي المتبادل ومقولة ان «إسرائيل يمكن ان تطلق الطلقة الأولى إيذاناً ببدء الحرب لكنها لن تستطيع التحكم بشيء من مجرياتها».
فـ «إسرائيل» اليوم وفي مواجهة محور المقاومة المتماسك والمتكامل في قدراته العسكرية الميدانية تبدو عاجزة عن شنّ حرب تحقق لها ما تشاء وتتحمل فيها الخسائر التي تنزلها بها قوات العدو. نعم «إسرائيل» تملك القوة العسكرية التدميرية الهامة لكنها لا تملك القدرة الكافية لتحقيق الإنجاز العسكري الذي حدّدته أيّ إنهاء الوجود الإيراني في سورية وتدمير سلاح حزب الله، كما أنها غير قادرة على احتواء ردة الفعل على جبهتها الداخلية التي فشلت في الارتقاء إلى مستوى «شعب يعمل تحت النار» رغم كلّ الجهود التي بذلت من أجل ذلك. ونشير أيضاً إلى انّ الوجود الإيراني في سورية ليس من الطبيعة التي يعالج بها بحرب من دون ان تصل إلى مستوى احتلال شامل، فهو وجود مستشارين موزعين هنا وهناك يصعب تحديدهم وإحصاؤهم.
وفي ظلّ استبعاد لجوء «إسرائيل» بمفردها إلى شنّ حرب على الجبهة الشمالية تبقى مناقشة فكرة حرب الثنائي الأميركي الإسرائيلي ضدّ محور المقاومة، وهنا أيضا نقول إنّ أميركا وقبل 6 أشهر من انتخاباتها وفي ظلّ الظروف الدولية المعقدة وبائياً ومالياً واقتصادياً وعسكرياً بالنسبة لها ليست في وارد فتح جبهة في الشرق الأوسط وهي التي تتحضّر للمواجهة الأخطر في الشرق الأقصى الذي قد يفرض عليها حرباً مع الصين قبل ان تستكمل انزلاقها إلى بحرها.
وعليه نصل إلى استنتاج أول بن الحرب التي ترى فيها «إسرائيل» علاجاً للخطر الإيراني والصاروخي من حزب الله هي حرب ليست في متناول يدها ويبقى لديها أن تنفذ عمليات عسكرية استعراضية إعلامية في سورية ليست لها أي قيمة عملانية او استراتيجية لتؤكد جدية مواكبتها للخطر المزعوم، رغم انّ جلّ ما تدعيه كاذب ومنافٍ للحقيقة.
أما الأخطر في مواجهة المقاومة وسورية ولبنان فهو ممارسة أميركا وإسرائيل الضغوط في إطار الحرب الاقتصادية الإجرامية التي تشن عليهم، ولذلك تضع أميركا «قانون قيصر» الإجرامي موضع التنفيذ لخنق سورية اقتصادياً، وتثار مسألة الحدود بين لبنان وسورية لخنق لبنان والمقاومة. هنا على لبنان بشكل خاص أن يتوجه إلى الميدان الاقتصادي المشرقي عبر سورية، ويعتمد خطة التكامل الاقتصادي من نواة أربع دول (لبنان سورية والعراق وإيران) لتتسع إلى عمق اقتصادي دولي يصل إلى الصين، فتتعطل بذلك خطة الإجرام الاقتصادي او الإرهاب الاقتصادي التي تمارسها عليه لإخضاعه.
أما التحدي الآخر والذي فيه ضمّ مزيد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وغور الأردن فإنّ هذا الأمر يبدو لـ «إسرائيل» سهلاً ومتاحاً رغم «إشارات القلق» التي يبديها حيناً الجانب الأميركي متهما «إسرائيل» بالتسرع او بيانات الاستنكار الخجولة من هنا وهناك، ونعتقد ان ترامب الذي أعطى «إسرائيل» في رؤيته فوق ما تطلب لن يمنعها من هضم ما قدّمه لها، ولن تأبه «إسرائيل» لمواقف الرفض والاستنكار الإعلامي العربية والدولية لتتوقف عن عمليتها الإجرامية بضمّ الأراضي، لكنها حتماً ستنظر إلى ردود الفعل الأردنية والفلسطينية التي تؤثر عليها جدياً فيما لو اتخذت.
وعليه نرى أنّ وقف خطة «حكومة الرأسين» الإسرائيلية بصدد ضمّ الأراضي يتطلب موقفاً أردنياً فلسطيناً حازماً يؤذي «إسرائيل» كلّ على صعيده وفي نطاقه، فبإمكان الأردن لعب ورقة التنسيق الأمني وورقة التعاون الاقتصادي والمناطق الصناعية وحركة البضائع وأنبوب الغاز وغيرها من مسائل التبادل التجاري والسياحي والأمني مع «إسرائيل» وصولاً إلى وضع مصير اتفاقية وادي عربة على الطاولة، هنا تجد «إسرائيل» ان توسّعها في الأرض يؤدي إلى انحسار في المصالح وبالمقارنة ستضطر لاختيار المصالح فتتوقف.
أما الموقف الفلسطيني فيكفي أن يتمثل بأمرين اثنين: وقف التنسيق الأمني كلياً، ووقف تدابير القمع التي تمنع الشعب من إطلاق انتفاضته المباركة المتنظرة التي تهز الأرض في الضفة تحت أقدام المحتلّ، عندها نستطيع القول بأنّ هناك موقفاً جدياً يواجه العدوان الإسرائيلي ويوقف تنفيذ صفقة القرن فلسطينياً.
*أستاذ جامعي – خبير استراتيجي.
River to Sea Uprooted Palestinian
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment