تعريف: تقع بلدة ترشيحا الفلسطينية في الجليل الغربي، على بعد عشرين كيلومتراً عن مدينة عكا الى الشمال الشرقي، كما تبعد ثمانية كيلومترات عن الحدود اللبنانية، مقابل بنت جبيل.
تقع ترشيحا على ارتفاع 600 متر عن سطح البحر وتحيط بها قرى: معليا/ فَسوطَهْ/ حُرْفيش/ البقيعة/ يانوح/ كُفُرْ سميع/ يانوح/ سُحماتا. وقد أقيم على أراضيها، بعد احتلالها، في شهر 10/ سنة 1948 / العديد من المستوطنات اليهودية وأكبرها مستوطنة معالوت الملاصقة، بل المتداخلة مع البلدة الفلسطينية حالياً، والتي تُدار عبر بلدية مشتركة مع ترشيحا.
كان عدد سكانها سنة 1948، قبل احتلالها من قبل عصابات الهاغاناه، 5700 نسمة، أما عدد سكانها العرب حالياً فيبلغ 4500 نسمة فقط، حيث يعيش الكثير من أهالي القرية المهجّرين في المخيّمات الفلسطينية في سورية ولبنان والشتات.
أما الآثار المسيحية والإسلامية في القرية فهي التالية:
1) كنيسة الروم الكاثوليك، التي بنيت عام 1945، وهي من أكبر الكنائس في الجليل.
2) كنيسة الروم الارثوذكس، التي بنيت بين أعوام 1905 و 1913 بدلاً عن الكنيسة القديمة.
3) كنيسة الروم الارثوذكس القديمة، غير الصالحة للاستعمال، والتي بُنيت سنة 550 م.
أما أهم الآثار الإسلامية في البلدة فهي التالية:
جامع الحمولة، الذي بني أواسط القرن الثامن عشر الميلادي.
مزار الشيخ مجاهد. ويقع على جبل المجاهد في أعالي البلدة.
الجامع الجديد. تم بناؤه في زمن عبدالله باشا، والي عكا، سنة ١٨٤٠. واستخدمت في بنائه الهندسة التي استخدمت في بناء جامع الجزار في عكا، الذي بني في الفترة الزمنية نفسها.
الزاوية الشاذلية. بناها الشيخ علي اليشطري، وهي بقيت لخدمة أهل الطريقة الشاذلية، واستخدمت كذلك كبيت ضيافة للزوار الذين يقصدون البلدة لسبب أو لآخر.
ترشيحا والنكبة
عند صدور قرار تقسيم فلسطين المشؤوم، في 29/11/1947، بدأ أهالي ترشيحا كغيرهم من أهل فلسطين، يبحثون عن السلاح استعداداً لتنظيم وتسليح أنفسهم للدفاع عن قراهم ومدنهم. وقد بدأت الأسلحة بالوصول الى فلسطين، من سورية ولبنان، ومن خلال أشخاص وطنيين وكذلك تجار السلاح، الذين كانوا يبيعون أسلحة من مخلفات الحرب العالمية الثانية.
تشكلت في ترشيحا سرية دفاع، من أهالي البلدة، أطلق عليها اسم: سرية ترشيحا، التي كان قوامها حوالي مئة مقاتل، وكان يقودها ضابط الصف، في الجيش البريطاني سابقاً، محمد كمال السعيد.
كما وصلت الى البلدة، بتاريخ 18/1/1948، قوة عسكرية، قوامها حوالى 350 مقاتلاً من فوج أجنادين التابع لجيش الإنقاذ، الذي شكلته الجامعة العربية. كانت هذه القوة، التي انضمّت الى سرية ترشيحا، تحت قيادة المقدّم العراقي: مهدي صالح ونائبه أديب الشيشكلي، الذي كان قائداً لكتيبة اليرموك الثانية، وأصبح لاحقاً رئيساً لسورية.
قررت قيادة هذه القوة، ومنذ وصولها الى البلدة، المبادرة الى شن هجمات وقائية أو استباقية، ضد مواقع قوات الهاغاناه اليهودية المتمركزة في المستوطنات المجاورة. وكانت أهمّ الهجمات التي شنتها قوات أجنادين وأهالي ترشيحا هي التالية:
أ) معركة قلعة جدين، التي تبعد خمسة كيلومترات الى الجنوب من ترشيحا، وشاركت فيها سرية ترشيحا وفوج أجنادين/ جيش إنقاذ/ وجمع من أهالي البلدة. نجح المهاجمون في الوصول الى المستوطنة وفرضوا الحصار عليها، تمهيداً لاقتحامها. إلا أن تدخل الجيش البريطاني لحماية المستوطنين قد حال دون استكمال المهمة. ولكن القوات العربية حافظت على الحصار مفروضاً على المستوطنة حتى سقوط ترشيحا لاحقاً.
ب) معركة كابري، والتي بدأتها قوات فوج أجنادين وسرية ترشيحا، وفصائل فلسطينية أخرى من القرى المجاورة. تم التخطيط للهجوم بهدف قطع الإمدادات، التي كانت تصل مستوطنة قلعة جدين من نهاريا. وبتاريخ 28/3/1948 وصلت إحدى قوافل الإمداد اليهودية، قادمة من نهاريا، الى منطقة السَدّْ بالقرب من بستان “أبو علي توسيس”، حيث وقعت في كمين محكم واشتبك معها الثوار العرب والفلسطينيين لمدة عشر ساعات متواصلة، بقيادة محمد كمال السعيد/ فلسطيني/ وخليل كلاس/ سوري/ واميل جميعان/ أردني/.
وقد أسفرت المعركة عن تدمير القافلة، ومقتل 46 من عصابات الهاغاناه، الذين كانوا يسيِّرونها، وكان من بينهم قائد القافلة بن عامي بحتر، وذلك على الرغم من تدخل القوات البريطانية لإنقاذ القافلة، والتي فشلت في ذلك بسبب التخطيط المحكم للعملية، من قبل الثوار، حيث كانوا قد أعدوا كميناً متقدماً آخر، باتجاه نهاريا، وذلك منعاً لتقدّم أية قوة إسناد للقافلة عندما تقع في الكمين. وهذا ما حدث بالضبط، عندما تقدمت قوة محمولة بريطانية لفك الحصار عن القافلة، وقعت في الكمين، الذي أسماه الثوار في حينه: كمين بن عامي. جدير بالذكر أنّ سلطات الاحتلال قد أقامت لاحقاً مستوطنة، في أراضي قرية أم الفرج القريبة، أطلقت عليها اسم مستوطنة بن عامي.
ج) معركة تين أبو شريتح، في 11/6/1948، والتي اندلعت إثر سقوط بلدة الكابري في أيدي عصابات الهاغاناه ومحاولة قوة منهم اختراق خطوط الدفاع عن ترشيحا، حيث قامت قوة من الهاغاناه، معززة بالمصفحات والأسلحة الثقيلة بشنّ هجوم من محورين، الأول هو محور معليا/ ترشيحا والثاني هو محور كابري/ ترشيحا. لكن يقظة الثوار والكمائن التي أعدّوها لمواجهة الهجمات اليهودية المحتملة قد أوقعت عصابات الهاغاناه في كمين محكم، دارت على أثر ذلك معركة انتهت بمقتل قائد الهحوم اليهودي، الكولونيل يعقوب، وفشل الهجوم. وقد أقامت سلطات الاحتلال مستوطنة، في منطقة تلك المعركة، أسمتها عين يعقوب.
د) الهجوم المضاد ومعركة تل الأحمر. بعد أيام قليلة، من إفشال محاولة التقدم اليهودية باتجاه ترشيحا، قرّر المدافعون عن البلدة، بقيادة الضابط العراقي مهدي صالح، شنّ هجوم مضاد، على مواقع الهاغاناه، بهدف فتح الطريق الى عكا، التي كانت لا تزال صامدةً ولم تسقط.
جاء قرار الهجوم المضاد إثر نجاح السرية اليمنية، التي كانت ترابط في مواقع التل الأحمر، بصدّ هجوم كبير على مواقعها، ليلة 18/6/1948، حيث كانت استطلاعاتها (السريّة اليمنيّة) قد حدّدت محاور تقدّم عصابات الهاغاناه المحتملة مسبقاً، وأعدّت لهم مجموعة كمائن وأوقعتهم فيها وانقضّت عليهم في قتال من مسافة أمتار وقضت على جميع أفراد تلك العصابات بالكامل. حيث كان صمود السرية اليمنيّة هو السبب الرئيسي في الحفاظ على بلدة ترشيحا وحمايتها من السقوط في أيدي عصابات الهاغاناه آنذاك.
لكن العصابات الصهيونية، وبمساعدة عسكرية بريطانية مباشرة، عبر القصف من البوارج البريطانية المرابطة قبالة ساحل نهاريا، الواقعة على بعد 15 كم غرب ترشيحا، واصلت ضغطها على ترشيحا كما واصلت حشودها العسكرية الكبيرة، استعداداً لدخولها وكسر مقاومتها.
حيث حشدت العصابات الصهيونية، تحت قيادة اللواء شيفا، كتيبتي مدرعات وكتيبة مشاة وكتيبة قوات خاصة، من لواء عوديد، وكتيبة قوات خاصة من لواء غولاني وأخرى من لواء كرمئيلي. وقد بدأ الهجوم الشامل، لهذه القوات على محاور ترشيحا جميعها، ومن بينها محور الجبل الأحمر الذي كانت ترابط فيه السرية اليمنية. بدأ هذا الهجوم بتاريخ 25/10/1948، ووصل ذروته يوم 27/10/1948، حيث شارك سرب من الطائرات الحربية الصهيونية، البريطانية الصنع من طراز بريستول ولانكستِر، في قصف مواقع المدافعين عن البلدة، ومن بينهم السرية اليمنية، بالقنابل الثقيلة والبراميل المتفجّرة عيار 200 ليتر. وقد استمرّت القوات المدافعة عن البلدة في صمودها الأسطوريّ حتى نفاد ذخيرتها بالكامل واستشهاد عدد كبير من أفرادها، بينهم متطوّعون يمنيّون، الى أن تمكنت قوات العصابات الصهيونية من دخول البلدة والسيطرة عليها بتاريخ 30/10/1948، وكانت بذلك آخر بلدة فلسطينية تمّ احتلالها من قبل تلك العصابات.
أيام مجيدة سطّر ملاحمها أخوة بالإيمان لفلسطين، اقترب وقت عودتها بحلة جديدة، ولكن هذه المرة بالنصر والظفر بإذن الله
وإعادة كل فلسطين إلى كل أهلها وعودتها إلى أمّتها.
بعدنا طيبين قولوا الله…
River to Sea Uprooted Palestinian
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment