اكتمال مشهد الجياع في لبنان بالتحاق الطوائف «المغيبة» الى صفوفه، يوحي بواحد من أمرين: إما سقوط آخر الدفاعات عن النظام الطائفي واكتمال المشهد الوطني الذي يرفضه، واما انه افرازٌ من طبقة طائفية ماكرة تحاول استيعاب «ثورة الجياع» بأسلوب التماهي والاحتواء ومنعها من التوغل بعيداً في مواضيع التغيير السياسي البنيوي، وإنتاج نظام سياسي حديث.
ما يدفع الى هذا الاعتقاد هو أن احداً لا يصدق ان اللبنانيين الذين تبارزوا مذهبياً وطائفياً منذ خمسة أيام وكادوا يدفعون البلاد نحو حروب أهلية طائفية لمجرد تسجيلات تلفزيونية مشبوهة تشتم الاديان والأنبياء وزوجاتهم.
فكيف يصدقون ان هؤلاء اللبنانيين انفسهم بتنوعاتهم المذهبية يتظاهرون منذ يومين فقط متضامنين متكاتفين ومطلقين شعارات وطنية متناقضة بشكل عجيب مع ما كانوا يرددونه في السبت الطائفي المشؤوم، وكانوا ينتشرون في أماكن المناوشات الطائفية السابقة نفسها في وسط البلد قرب الخندق الغميق وبين الشياح وعين الرمانة والرينغ وبربور والطريق الجديدة والجية وخلدة وحواملها.
لذلك فإن ما هو قريب من المنطق، يتعلق بذلك الصعود العمودي المباغت للدولار الذي أسقط بناءات «وهمية» كانت الطبقة السياسية تعمل عليها مع حاكم مصرف لبنان لتهدئة اسعار السلع عند حدود دولار مقابل ثلاثة آلاف وثمانمئة ليرة لبنانية.
لكن صعوده الى مشارف الستة آلاف في يوم واحد، أوحى للنظام الطائفي أن القرار الأميركي بخنق لبنان يزداد شراسة.
فحاولت الفرار هذه المرة على غير نهجها السابق كانت تستنجد بالخارج المتنوّع والدين لتقسيم اللبنانيين والإمساك الشديد بالسلطة، وسياسة التوظيف العشوائي، اما اليوم فإداراتها مفلسة، والخارج الذي تعتمد عليه مضروب في تراجع اسعار النفط وتداعياته الخليجية والحصار على إيران والتراجع الأميركي الأوروبي.
هذا بالإضافة الى تراجع تأثير رجال الدين على الطبقات الشعبية التي بدأت تعتقد أن الله بريء من هذه الطبقة التي تعمل لترسيخ زعامات النظام الطائفي وارتباطاته الخارجية فقط.
هذا ما أرغم قوى الطبقة الطائفية على تحشيد أنصارهم بعناوين وطنية، لعلها تشكل لهم خشبة خلاص تسمح لهم بالمراوحة حتى وصول المدد والغوث.
لقد احتمى هذا النظام بحكومة زعم انها من المستقلين، لكنها تعمل على فضح سيطرته عليها بشكل يومي متدخلاً في الكبيرة والصغيرة من تعيين حاجب وحتى المدراء العامين ونواب الحاكم ومقرري السياسات الاقتصادية في غير ذوي الاختصاص بما يسمح بالسؤال كيف ان ذئباً بإمكانه أن يلد مصلحاً اقتصادياً او ادارياً؟
نحن اذاً في مرحلة احتواء للجوع ترقباً لنتائج حركات الخنق الأميركية في سورية او العراق وإيران. هناك بعض اللبنانيين يتمنى هذا الخنق توهماً منه بإمكانية انعكاسه بالإيجاب على حركة سيطرته على لبنان الطوائفي مقابل فئة اخرى ترى ان حلفها ينتصر إقليمياً الأمر الذي يبرر امساكها بلبنان او المشاركة في ادارته الطائفية.
هذان التياران الحاكمان يستندان الى مشاريع هيمنة على الطوائف والمذاهب مؤسسين لمعادلات دستورية وسياسية تمنع الاندماج السياسي بين اللبنانيين بشكل دستوري.
وهذا لا يمنعها من ترداد شعارات الإخاء والعدالة والوطنية في بلد كلبنان لم يصل إلى مستوى وطن فعلي، فالوطن يحتاج لمواطنين فيما تطغى الانتماءات المذهبية والطائفية على اللبناني وذلك بموجب الدستور الذي يتعامل معه على اساس مذهبي وفقط.
بالمقابل يوجد إفلاس لبناني كامل وديون باهظة وإقليم مشتعل باحترابات قاسية ترسل تداعياتها الى لبنان الى جانب سفراء أميركيين وسعوديين يتحركون وكأنهم من حكام لبنان.
فإذا كانت تحركات «السبت الطائفي» و»الخميس الوطني» من وسائل النظام الطائفي لإعادة تشكيل حكومة جديدة ترضي الأميركيين فهذا لا يتطلب توتراً شعبياً خطيراً جداً كاد يضع البلاد في أتون حروب أهلية داخلية.
بالإضافة الى ان تهدئة الوضع الداخلي اللبناني يحتاج الى تمويل الدولة. وهذا غير ممكن في مرحلة يبتدئ الأميركيون فيها بتطبيق مشروع خنق سورية بنظام أسموه «قيصر» وما يتسبّب به من خنق إلزامي للبنان والإساءة الى الاقتصاد العراقي.
فكيف يمكن اذاً الوصول الى هدنة اميركية – إيرانية عبر حزب الله في لبنان وحزب الله مستهدف في لبنان وسورية معاً، فإذا وافق الحزب على حكومة برئاسة الحريري بديلاً من حسان دياب فإنه يشترط بالمقابل رفع الحظر المصرفي عن أصدقاء الحزب وحلفائه، وإعادة ترميم علاقات المصارف اللبنانية بالخارج والإبقاء على الحدود السورية مفتوحة للحركة اللبنانية.
هذا يوضح أن الشروط الأميركية متناقضة مع مطالب حزب الله الى حدود أن التسويات بينهما تبدو مستحيلة، فالأميركيون يرون أنها فرصتهم لمعالجة تراجعهم في المدى السوري اللبناني العراق الإيراني، فيما يعتبر حزب الله انه مكلف بالدفاع عن بلده لبنان وجواره السوري وتحالفاته السياسية في إيران وانتماءاته العربية والعاطفية في العراق حيث موطن الإئمة.
لذلك فلن يرضى الحزب الا بهدنة تكسر قيصر مقابل إعادة الحريري والحلف الأميركي على أساسين: التعامل مع الصندوق الدولي، وفتح لبنان على سوق مشرقيّة تؤسس للبنان مزدهر لا يعتاش على التسوّل والإكراميات، بل من خلال بناء نظام اقتصادي يعتمد على الإنتاج ونظام الخدمات الاقتصادي وليس السياسي.
River to Sea Uprooted Palestinian
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment