د. جمال زهران
لا شك في أن الأزمة السورية، تتسم بأنها مركبة ومعقدة، وذلك لتعدد الأطراف المتداخلة فيها، وأن المحور الأساسي هو الدولة والجيش والقيادة السورية، التي استطاعت أن تكون القلب الذي يضخ الدم في الأزمة ويتحكم فيها. ومن يرى أن هناك ولو طرف واحد أياً كانت طبيعة هذا الطرف وقوته ومكانته وقربه أو بعده عن هذا القلب، يتحكم في إدارة الأزمة، بخلاف الدولة السورية (شعباً وجيشاً وقيادة)، فهو يرى الأمور بغير حقيقتها. ولذلك فقد كان الرهان من البداية على ذلك التحالف الوثيق الصلة بين مثلث هذا القلب وهو (الشعب والجيش والقيادة)، ومن دون هذا التحالف وهذا الصمود التاريخي في مواجهة تلك المؤامرة الكونية على سورية العظيمة المقاومة، لكان الانهيار من نصيبها، وربما أضحت مثل العراق، الذي تعرض للحصار حتى الحرب والاحتلال الأميركي البريطاني في أبريل 2003م. ولكن استطاعت سورية بكل مكوناتها الفاعلة المشار إليها، أن تتفادى هذا المصير، رغم ما تعرضت له من الدمار والنهب لمواردها البترولية والغاز والآثار ونهب المصانع السورية ونقلها من حلب إلى تركيا. وبعد عشر سنوات تقريباً تعود سورية إلى الحياة الطبيعية على مساحة أكثر من 70% من إجمالي مساحة سورية، ويعود الإعمار، ويسعى الاقتصاد السوري إلى أن يتعافى، وبدأ الشعب يستعيد مستواه المعيشي الذي تعرّض للتدهور مع ضرب العملة السورية وغير ذلك. كما أن سورية تمكنت من تفادي انتشار الوباء لفيروس الكورونا، حيث لم تتعدّ حالات الإصابة (125) شخصاً، والوفيات (6) أشخاص، وسط إجراءات احترازية متشددة، ونجحت سورية في ذلك، وعادت الحياة الطبيعية مرة أخرى والتعافي الكامل في الطريق بإذن الله، وقلوبنا مع الشعب السوري، إلى أن يستعيد عافيته تماماً.
وفي هذا المناخ الإيجابي الذي لا يريح العدو الأميركي وأداته الإقليمية، ذلك الكيان الصهيوني، نجد ترامب المتغطرس يصدر القرار التنفيذي لقانون قيصر ضد سورية، مؤكداً أن سورية لا بد أن تظل تحت الحصار، وشعبها تحت الإبادة المنظمة، متصوراً أن مثل هذه الإجراءات سوف تؤدي بهذا الشعب إلى الانكسار والإذلال والانبطاح، ويتناسى هذا المتغطرس (ترامب)، أن شعب سورية هو شعب أبيّ، يرفض الذل والانكسار، وهو شعب مقاوم، ولعل تاريخ هذه المنطقة يؤكد ذلك.
وقد سبق أن تناولت في مقال سابق، حجم العقوبات والحصارات التي تفرضها الدولة الأميركية على المنطقة والعالم، وفي مقدمتها سورية وإيران، بشكل يتسم بالبشاعة. ولا تتوقف هذه العقوبات على التعاملات الأميركية السورية، بل تمتد إلى إجبار الدول الأخرى على تنفيذ هذه الحصارات الجائرة، ومَن لا يلتزم من الدول، يتعرّض إلى عقوبات أحادية من أميركا، التي نصّبت نفسها مديراً للشأن العالمي ومتحكمة فيه، وجعلت من نفسها «أمماً متحدة» بديلة، وهو ما يتعارض كلية مع الشرعية والمشروعية الدولية. فلا يجوز فرض أية عقوبات على دولة، إلا بقرار من مجلس الأمن، وكذا الجمعية العامة للأمم المتحدة، وغير ذلك، يندرج تحت العلاقات الثنائية لدولتين أو أكثر، خارج المنظمة الدولية.
فقد بدأت الإجراءات «الأحادية» الأميركية ضدّ الجمهورية العربية السورية، عام 1979، عقب توقيع المعاهدة المصرية الإسرائيلية بعد اتفاقيتي كامب ديفيد 1978، والزيارة المشؤومة التي قام بها السادات لـ«إسرائيل» في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 1977. ثم تبعت ذلك، موجة ثانية من العقوبات عام 2004، لتعود بتواتر أعلى منذ عام 2011، المعروفة بقانون سورية!! من قبل إدارة الرئيس الأميركي السابق (أوباما)، وصولاً إلى تبني مجلس الكونغرس بغرفتيه (النواب والشيوخ)، لقانون قيصر في مطلع عام 2019، والذي حدّد له مدة خمس سنوات، من تاريخ دخوله حيز التنفيذ، ينتهي بعدها سريان هذا القانون الذي يفترض تنفيذ أغراضه كاملة. وقد صدّق الرئيس ترامب المتغطرس على قانون قيصر خلال الأسابيع الأخيرة، وسط الانتشار العالمي لفيروس كورونا، والعالم منشغل بهذه الأزمة الدولية غير المسبوقة، وبتأثير الصهاينة ورموزها المؤثرين في الانتخابات الأميركية التي أصبحت على مرمى أقلّ من خمسة أشهر، وقد يؤدي تصديقه على القانون لكسب رضا الصهاينة نجاحه في الانتخابات الرئاسية في الثلاثاء الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، لفترة ثانية!! وقد أصبحت المنطقة العربية «ملطشة»، الرؤساء الأميركيين (جمهوريين أم ديمقراطيين)، حيث يسعون إلى الانتقام من المنطقة وشعوبها ونظمها، خاصة تلك التي ترفض الخضوع والتبعية للمشروع الصهيو– أميركي، والمستمرة في مقاومة هذا المشروع الاستعماري. وفي المقدمة كما نرى، سورية ولبنان والعراق (إقليم الشام المقاوم) تلك المنطقة التي تتعرّض للانتقام الأميركي. ويستهدف هذا القانون إحكام الحصار على سورية وشعبها، وما لم يستطع السلاح الأميركي أن ينفذه، تستطيع أدوات المقاطعة والحصار الاقتصادي أن تنجزه تحقيقاً لاستراتيجيات أميركا الوهمية في المنطقة، كما ذكر ذلك (ريتشارد هاس) الأميركي في كتابه بعنوان العقوبات الاقتصادية الأميركية، أداة للسياسة الخارجية الأميركية.
ويمكن القول: ختاماً، إنّ قانون قيصر، مثل قانون سورية، مثل كل العقوبات الأميركية ضدّ سورية، سيكون مكانها سلة مهملات التاريخ، وستنتصر سورية وشعبها وجيشها وقيادتها على أميركا ورئيسها المتغطرس (ترامب) الذي أصبح سقوطه في الانتخابات الأميركية المقبلة مؤكداً. وقد انتصرت إيران التي كسرت الحصار الأميركي عليها وعلى فنزويلا، وأرسلت (5) ناقلات بترول لفنزويلا، وصلت سالمة وسط تهديدات أميركية بإعاقتها، ولم تستطع أميركا أن تنفذ تهديداتها مقابل تهديدات إيرانية مماثلة. ولذلك فإنّ معركة سورية، هي معركة كل أحرار العالم، عليهم أن يلتقوا على كسر العقوبات والحصارات الأميركية ضدّ أيّ دولة وفي المقدمة سورية وإيران وفنزويلا، وألا يخضعوا لأية ابتزازات أميركية، فهي عديمة القيمة إذا ما قورنت بإرادة وحرية الشعوب ضدّ الإمبريالية الأميركية. فهي عقوبات وحصارات خارج الشرعية الدولية للأمم المتحدة، ولا بد من إسقاطها بعمل جماعي عالمي، تسنده القوة بغطاء دولي من روسيا والصين في المقدمة. وعاشت سورية حُرة أبية مستقلة ومقاومة وعصية على السقوط والانحناء بإرادة شعبها وجيشها وقيادتها المتمثلة في الرئيس المقاوم الأول في الوطن العربي، (د. بشار الأسد).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.
مقالات متعلقة
River to Sea Uprooted Palestinian
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment