لم يعد جائزاً ولا مقبولاً التمادي في الصمت على ارتكابات الفساد والتحاصص، وعلى إفقار الشعب وتجويعه وإذلاله وتركه وحيداً تتقاذفه ألسنة الطبقة السياسية وألاعيبها وفبركاتها ومكائدها التي لا تنتهي، والتي أفرغت الدولة من مؤسّساتها، والشعب من حقوقه، والخزينة من أموالها، ونتفت ريش البلد برمّته وعرّته من كلّ مقوماته الوجودية كوطن ودولة وشعب ومؤسسات، وحوّلته إلى متسكّع على أبواب السفارات والدول ومنظمات المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي ومؤتمرات الدعم والمساعدة والاستدانة من دون طائل لأن لا ثقة لكلّ هؤلاء بحكامه وطبقته السياسية، وهم الذين أفسدوا ونهبوا وطنهم ودولتهم وشعبهم وكدّسوا في خزائنهم وفي المصارف الخارجية أموالاً وثروات لم يحلموا فيها وبأرقامها العصية حتى على العدّ، ومن دون رحمة أو شفقة أو مسؤولية وطنية وأخلاقية حوّلوا الوطن إلى هيكل عظمي والشعب إما إلى فقير أو جائع أو مريض أو تائه أو مهاجر أو باحث عن بقايا طعام في أكوام النفايات أو متشرّد في الشوارع أو يطرق الأبواب مادّاً يده ومطأطئاً رأسه خجلاً وذلاً عله يحظى برغيف خبز او بعض القروش التي قد تسدّ بعضاً من رمق عائلته المتضورة جوعاً.
هذه الطبقة التي لم تعتبر أو تتعظ مما ارتكبته بحق الشعب الجائع والموجوع تواصل نهجها الإغراقي له وكأنها تنتقم منه على خطأ ارتكبها وشكل وصمة عار له لأنه ساهم بإعادة إنتاجها وجدّد ثقته فيها وهي التي امتهنت إضعافه وسرقته وإذلاله وأدمنت على قهره وتعذيبه من دون ان يرفّ لها جفن أو تندم على ما فعلته فيه من شرّ ومارست بحقه من ظلم واستبداد، بل على العكس تماماً فإنها تتفنّن في ابتداع إلهائه والإيقاع به كلما حاول الوقوف على رجليه باحثاً عن حقوقه المهدورة والمصادَرة، وآخر إبداعاتها إشغال اللبنانيين بالحكومة… هل تستقيل تحت ضغط الشارع الموجّه أو تحت الضغط السياسي والقصف المركّز من أكثر من جهة، أو من خلال توجيه النصيحة لرئيسها لينفذ بريشه قبل أن يُحمّل وحده المسؤولية عن كلّ النكبات التي حلت بالبلاد والعباد ومن أقرب المقربين ممن يعتقد أنهم حلفاء له، ومن دون ان يقدّم أحد بديلاً أو حلاً أو مخرجاً ربما يفتح كوة أمل أو بصيص ضوء بأنّ الآتي من الزمن قد يكون أفضل.
إنّ رئيس الحكومة حسان دياب يتحمّل جزءاً من المسؤولية لأنه اعتمد الصمت على ارتكابات الفساد والتحاصص ولم يجرؤ على إقرار القوانين التي سيكون لها مفعول السحر في تقويض أسس الفساد والفاسدين وقد تفرّغ لتشكيل اللجان وإطلاق الوعود وتكرار مواجهة التحدّيات والإصرار على عدم الاستقالة واستجاب من دون أن يدري الى ألاعيب من يستهدفه ويصوّب عليه بدخوله حلبة إطلاق المواقف والسجالات الإعلامية والسياسية التي لا طائل ولا جدوى منها ولا تنتج سوى الكلام وتعطل الفعل الذي ينتظره الناس. انّ استمرار سياسة الصمت والبلد ينهار والشعب يجوع والفوضى تعمّ من دون ضوابط عوامل سلبية جداً تنبئ بالخطر المستطير في ظلّ الترويج المقصود لأحداث أمنية قد تعيد الحرب الأهلية، ولم يعد الشعب يصدّق مقولة «ما خلوني اشتغل» التي استخدمها قبلاً الرئيس سعد الحريري والنائب جبران باسيل. ومن حقنا أن نسأل من هم الذين يعرقلون عملكم ويعطلون مشاريعكم ويمنعونكم من العمل؟ هل هم من الأنس أو الجنّ أم هم من الأشباح؟ ولماذا لا يعلن عن المعرقلين والفاسدين وعن المشاريع التي عرقلوا تنفيذها…؟
لم تعد هذه المقولة تخدم مطلقها في أيّ موقع كان وأصبحت مزحة سمجة غير مقبولة وغير مهضومة ولا تبرير لها سوى الهروب إلى الأمام ومن المسؤولية.
إنّ الفرصة متاحة أمام رئيس الحكومة ليسمّي الأشياء بأسمائها بصراحة ووضوح في وقت تشتدّ الحملة عليه لإسقاطه، والجميع بيوتهم من زجاج وعليه أن يتغداهم قبل أن يتعشوه، وليس لديه ما يخسره لأنه سيخسر كثيراً إذا ما نجحوا في إسقاطه بأيّ وسيلة، وإذا كان غير قادر على قول الكلمة الفصل وكشف ما في حوزته من حقائق ومعلومات، فليصارح الشعب اللبناني الذي وصل إلى الحضيض بحقيقة ما يعانيه ويتعرّض له ويقدم على اتخاذ القرار الشجاع بالاستقالة وترك جنّة الحكومة لمن يريدها ولمن كان شريكاً في إغراق البلد وإفلاسه وانهياره واذا ما كان يملك الإرادة والإصرار على المواجهة فليعلنها معركة استباقية مدعومة بسلاح الجرأة والشجاعة والقرارات الإنقاذية ومن دونها فالمعركة خاسرة ولو بعد حين.
ويحضرني كلام للأديب والكاتب الروسي فيودور دستويفسكي: لا حياة لمن يظلّ واقفاً على الضفاف، خائفاً من الأمواج والأعاصير. الحياة لمن يتحرك، يقدم، يقبل، يخوض، يتعثر، ينهض، يصبر، يكافح حتى يظفر أخيراً. أو نبقى حيث نحن. وقد سأل يوماً «أين نحن؟ في القاع! جيد… على الأقلّ لن نسقط مرة ثانية». والكرة في مرمى العهد والحكومة والفريق الموالي. المطلوب تحديد الخيار والمسار قبل سقوط الهيكل على الجميع.
مقالات متعلقة
- التوجّه شرقاً بدءاً بالعراق والصين… بين إيجابياته وصدمة التابعين لأميركا
- الحكومة تترنّح وتحتاج إلى قضيّة
- رئيس الحكومة اللبناني يجتمع مع السفير الصيني
River to Sea Uprooted Palestinian
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment