Pages

Monday, 12 October 2020

أيّ النصفين يحكم خطاب الحريري؟

 ناصر قنديل

مَن استمع للرئيس السابق للحكومة سعد الحريري قبل أيام لاحظ بقوة أن مَن توقف عن متابعة الكلام عند نهاية الساعة الأولى استنتج أن البلد ذاهب لأزمة مفتوحة وأن حجم التناقضات الحاكمة للعلاقات بين القوى السياسية يفوق فرص الحلول المنتظرة. ومن بدأ الاستماع للحريري بعد الساعة الأولى خرج باستنتاج معاكس، مضمونه أن الرئيس الحريري يفتح الباب لتسوية سياسية للخروج من المأزق الحكومي وينهي الفراغ بحكومة تحظى بالتوافق، لذلك فإن السؤال الأهم مع بدء الحريري لمشاوراته التمهيدية للاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس مكلف بتشكيل الحكومة، هو أي من النصفين من خطابه هو الحاكم للنصف الآخر، فنصف التصعيد السياسي لم يكن في الهواء بل رسم شروطاً وإطاراً لمواقف إذا بقي حاضراً في التشاور حول فرصة التسوية فالتشاؤم سيد الموقف، خصوصاً أن الفرصة التي لاحت في النصف الثاني من الكلام تكون منطلقة من سوء تقدير، عبّر عنه الحريري بافتراض أن اتفاق إطار ترسيم الحدود جاء من موقع ضعف أصاب المفاوض ومعه المقاومة بنتيجة العقوبات، وبذلك يكون الحريري مرشح هذا الفهم الخاطئ للموازين، على قاعدة أن ما فشل بانتزاعه لحكومة مصطفى أديب صار انتزاعه ممكناً لحكومته.

يمكن للمتفائلين أن يعتبروا أن هناك إشارة خارجية أوحت للرئيس الحريري بالتقدم بفتح الباب للفرصة الجديدة، وأن كلامه التصعيدي وحديثه عن دور العقوبات لا يعبّران عن قراءته الفعلية للموازين. فهو يدرك أن الأميركي الذي رفع شعار لا تفاوض في ظل السلاح ولا حوار في ظل السلاح ولا حكومة في ظل السلاح ولا حل في ظل السلاح، ارتضى أن يكسر القاعدة بنفسه، رغم تورط الكثيرين بحمل شعاره تحت ضغط طلبه وتأثيره، وها هو يقبل دور الوسيط في التفاوض على الترسيم وفق ما يعلم الرئيس الحريري أنها شروط لبنان، التي فاتحه الأميركيون برفضها، ودعوه ليتولى الملف ويسهل التفاوض مقابل وعود ماليّة، ولذلك يعتقد المتفائلون أن الحريري يحاول التقاط فرصة تسوية يعتقد أن التفاوض على الترسيم فتح لها الباب برفع الحظر عن الحلول في ظل سلاح المقاومة، يمنحه الإمكانية لفعل المثل. وهذا هو معنى الاستعداد لفتح الطريق لتسوية تبدأ من حقيبة المال التي اعتقد الحريري مخطئاً أن بالمستطاع وضع اليد عليها بقوة المبادرة الفرنسية والتهويل بتحميل الثنائي مسؤولية الانهيار في ظل معادلة لا حلول في ظل السلاح، وبات ثابتاً أن المعادلة تغيرت مع بدء التفاوض، والسلاح حاضر في خلفية التفاوض كمصدر قوة.

يمكن للمتفائلين أيضاً أن يقرأوا في كلام الحريري عن الترشّح، سعياً لمقايضة عنوانها تفويضه بالملف الاقتصادي كما ورد في الخطة الفرنسيّة، بحيث يتم تسهيل إقرارها في الحكومة الجديدة، ومناقشة ما تجب مناقشته من الكتل النيابية في المجلس النيابي، مقابل التطمين السياسي بنسبة من الشراكة السياسية في الحكومة، تشكل ضمانة للفرقاء بعدم الاستثمار السياسيّ للحكومة لحساب فريق واحد، واعتبار المعني بهذا العرض هو الثنائي أولاً، على قاعدة التسليم بحق هذا الفريق بالقلق من الاستهداف، ودعوة الأطراف الأخرى لعدم المطالبة بالمثل على مستوى حجم التمثيل السياسي، مع قدر من المرونة في صياغة نقطة وسط تتيح ولادة حكومة، يفترض أن يغطي وجود رئيس الجمهورية ومن سيسمّيهم من الوزراء حاجة فريق رئيسي يمثله التيار الوطني الحر للتمثيل.

أي من نصفي الخطاب الحريري يحكم النصف الآخر، أمر ستكشفه مشاورات اليوم، خصوصاً لجهة الكشف عن عمق التفكير لدى الحريري في فهم تحوّل واحد شهده لبنان يبرّر عودته لترشيح نفسه، وهو ترشيح رفضه قبل شهر، وهو بدء المفاوضات، فهل قرأ الحريري في هذا التحول تراجعاً في وضع المقاومة فرضته العقوبات الأميركية؟ وفي هذه الحالة سيفشل حكماً؛ أم أنه يقرأ تراجعاً أميركياً عن معادلة لا تفاوض في ظل السلاح وتعطيله كل فرص التسويات الداخلية بسبب ذلك، وبعد فشله في فرضها واعترافه بالفشل، تتاح الفرص للتقدم لفتح الباب لتسوية، وفي هذه الحالة يمكنه إذا أحسن التصرف النجاح، وسيلقى التعاون والإيجابية.

التفاوض في ظل السلاح

بدأت حملة تهويل على الدولة اللبنانية من الجماعات التي تخشى أن يكون الموقف الأميركي بقبول دور الوساطة رغم وجود سلاح المقاومة وفي ظله تراجعاً عن سياسات الضغط وتسليماً بميزان جديد للقوى سيحكم التفاوض وغير التفاوض.

مضمون الحملة يقوم على الدعوة للتسليم بأن الأميركي والإسرائيلي يمنحان لبنان فرصة مشروطة من موقع قوة. فالتفاوض على الترسيم أمر شكلي لفرض حل وسط يشبه خط هوف وربط لبنان بخط الأنابيب الذي يضمّ مصر وكيان الاحتلال وقبرص واليونان وأن أي شروط لبنانية في شكل التفاوض وطبيعة الوفد وشروط الترسيم والتمسك بالسيادة على الثروات والشركات التي تتولى تسويقها وضمن أي أحلاف للغاز في المنطقة سيؤدي لضياع الفرصة.

يتجاهل هؤلاء أن التفاوض الممتد خلال عشر سنوات دار حول كل ما يظنون أنهم يكشفون النقاب عنه للمرة الأولى وأن الأميركي عندما رفض شروط لبنان كان يعتقد أن فرض شروطه ومن ضمنها ما يسوق له أصحاب الحملة يتوقف على الفوز بمعركته المفتوحة التي يخوضها على سلاح المقاومة واستعمل فيها كل ما يمكن من عقوبات وتفجير اجتماعي تحت الحصار المالي وتصنيع قيادة للشارع تضع شرط نزع السلاح في الواجهة وبناء جبهات سياسية واستقالات نيابية والدفع بدعوات مرجعيّات دينية تحت العنوان ذاته، وربما تفجير المرفأ وتفخيخ المسار الحكومي وعندما قبل شروط لبنان فعل ذلك لأنه فشل في معركة مصير سلاح المقاومة ومع الفشل سقطت شروطه المسبقة للترسيم.

ما يتجاهله هؤلاء يتجاهله آخرون يعتقدون أن ما يدعو إليه أصحاب الحملة سيتحقق ويشككون بأن يكون ما تحقق هو انتصار للبنان ناتج عن فوز المقاومة بمعركة حماية سلاحها ودوره في حماية الموقع التفاوضي، فيقع المتجاهلون ضحايا تسليمهم بفوبيا القوة الأميركية الإسرائيلية بينما توازن القوى الذي ولد من خلاله التفاوض يعبر عن تحوّل نوعيّ عنوانه، التفاوض في ظل السلاح.

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة



River to Sea Uprooted Palestinian   
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!

No comments:

Post a Comment