Pages

Tuesday, 6 October 2020

استراتيجيّة التفاوض مع الأميركيّ والإسرائيليّ: الشروط مقابل التوقيت والحقوق مقابل الأمن

 

لبنان والمقاومة بين ملفي الترسيم والحكومة 

ناصر قنديل

تتيح أربع جولات من التفاوض غير المباشر خاضها لبنان مع كيان الاحتلال في زمن المقاومة، استخلاص قواعد يمكن أن تشكل الأساس في استراتيجية التفاوض، وهي قابلة للتحوّل إلى أسس لمدرسة جديدة في التفاوض، المتعدّد الأطراف، واللامتوازن على صعيد أوراق الضغط والقوة، ومن خلال مراقبة هذه الجولات التي تمتدّ منذ تفاهم نيسان عام 96 والتحقق من الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 وصولاً للقرار 1701 كتتويج لنتائج حرب تموز 2006 وانتهاء باتفاق الإطار للتفاوض حول ترسيم المناطق الاقتصادية، يمكن تتبع خط ناظم مكرر في هذه الجولات، يصلح للتحوّل إلى منهج تفاوض لقوى المقاومة، خصوصاً عندما يتزاوج وجودها المقاوم مع وجودها في ممارسة السلطة في الكيان السياسيّ الوطنيّ.

تشترك هذه الجولات التفاوضية في كونها غير مباشرة، وفي أنه يحضر خلالها الأميركي مباشرة ومن خلال الأمم المتحدة الخاضعة لسيطرته، منهجية واحدة تحدد خلالها المقاومة وفريقها السياسي المفاوض، الذي مثله الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد والرئيس الراحل رفيق الحريري في تفاهم نيسان ومثله الرئيس السابق اميل لحود في العام 2000، وقد لعب رئيس مجلس النواب في المرتين دوراً محورياً، ليصير المفاوض المفوّض والمعتمد من المقاومة في جولتي 2006 و2010 -2020، كما تتشارك في حقيقة كون التدرّج في المواقف تنازلاً وتراجعاً في المضمون كان يجري على جبهة واحدة، هي الجبهة الإسرائيليّة كما ينقلها المفاوض الأميركي والشريك الأممي، بينما الثبات يكون على جبهة واحدة في مضمون المطالب والمواقف، هي جبهة المقاومة ومفاوضها المعتمد، ففي عام 96 رسمت المقاومة سقف التفاوض بتحييد المدنيين وحصر المواجهة بالأهداف العسكرية، بينما رفض الإسرائيلي بقوة هذا المطلب في البداية، وراهن على ما وصلت المواجهة حتى فرض التراجع عن هذا الشرط أو تخفيض سقفه، وصولاً للقبول. ومثلها عام 2000، حددت المقاومة ومفاوضها المعتمد هدفها برفض التسليم بإنجاز الإنسحاب من دون تثبيت الحقوق اللبنانية في الخط الحدودي، وواجه الضغوط والتهديدات وصولاً للتسليم بمطلبه، وعام 2006 كان السقف التفاوضي، رفض القوات المتعدّدة الجنسيات، ورفض المساس بحق المقاومة في الدفاع، وفي التفاوض حول الترسيم، رسم السقف بالتمسك بالتفاوض غير المباشر، وبربط الترسيم البحريّ بنقطة انطلاق من الخط البريّ، من جهة، ومن جهة مقابلة بالإصرار على الحصول على المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان من دون نقصان، وقد ثبّت اتفاق الأطر ولو بعد عشر سنوات النصف الأول، ويتجه الى التفاوض حول النصف الثاني.

السؤال هو كيف تنجح المقاومة وما هي استراتيجيتها؟ والجواب هو أن رسم السقف التفاوضي المؤسس على الحقوق، والاستعداد للصمود حتى ينضج المفاوض المقابل، للقبول، مهما كان الثمن في الحرب أو في الضغط الدبلوماسي والسياسي أو في الحصار المالي والعقوبات والدفع نحو الانهيار وحافة الهاوية، فيكون الصمود الذي يمكن أن يتحقق بلا ثلاثة شروط، قدرة على مواصلة المواجهة، ومفاوض صلب، وبيئة شعبية حاضنة متماسكة، بما يضمن التفوّق على قدرة العدو على تحمل توازن الكلفة مع العائدات، فيضغط عليه التوقيت، وتحدث المقايضة بين الشروط والتوقيت، وفي تفاهم نيسان نال الإسرائيلي ومَن معه التوقيت بعدما ضاقت قدرته على تحمّل الاستنزاف ومثلها في حرب تموز، بينما في العام 2000 ضاقت قدرته على تحمّل الطعن بصدقية الانسحاب. وهذه المرة كانت حاجته للتوقيت اقتصادية، كما كانت بالنسبة للأميركي سياسية وانتخابية، وهكذا تمت في كل منها مقايضة الشروط بمضمون ما رسمته المقاومة، مقابل نيل ربح التوقيت.

بالتوازي يتحقق للمقاومة خلال مسار غير صاخب لما يتلو التفاهمات الناتجة عن التفاوض تثيبت الحقوق، مقابل لهاث اسرائيلي وراء الأمن، فالأمن كان في الظاهر مطلب المقاومة عام 96، لكنه صار هدفاً إسرائيلياً بينما نالت المقاومة حقها كدفاع مشروع عن شعبها، ما اسس بسلاسة على مدى سنوات قليلة للتحرير، وفي العام 2000، كان أمن الانسحاب السياسي والميداني هو ما سعى إليه الاحتلال، بينما تحول تثبيت الشروط إلى مسار سلس لنيل الحقوق. وعام 2006 ظن كثيرون أن القرار 1701 باعتباره عهدة أممية تحت المظلة الأميركية سيكون أداة لخنق المقاومة، فإذ بالمقاومة تفوز بتثبيت الحقوق، مقابل السعي الإسرائيلي لنيل الأمن بعد حرب فاشلة تحوّلت عبئاً وجودياً واستراتيجياً، وتدريجاً وبشكل سلس يتحول ذلك إلى فوز المقاومة بما يضمن لها مراكمة المزيد من اسباب القوة، فيقول الأميركي والإسرائيلي أن المقاومة بعد الـ 1701 صارت أقوى مما كانت قبله، واليوم وبسبب قوة المقاومة يضطر الكيان لتقديم العروض ثم قبول التفاوض، ثم قبول شروط التفاوض، لأنه يحتاج لأمن وهو استثمار تملك المقاومة قدرة تهديده، ويصير بائناً أن مسار التفاوض سيكرر ما سبق وأظهرته النماذج السابقة، لجهة مقايضة الشروط بالتوقيت ومقايضة الحقوق بالأمن.

خط هوف وسلاح المقاومة

يتحدّث البعض في سياق تقييم اتفاق إطار التفاوض حول ترسيم الحدود البحرية للبنان عن تنازل قدمه لبنان من خلال رئيس مجلس النواب نبيه بري تحت تأثير الضغط الأميركي، خصوصاً عبر العقوبات التي طالت معاونه السياسي. وهذا ما يفسر الإعلان عن اتفاق الإطار بعد العقوبات بفترة وجيزة، ويتحدّث بعض آخر عن أن التفاوض يجري في وقت سيئ لبنانياً يجعل قدرة كيان الاحتلال المدعوم أميركياً على انتزاع التنازلات أكبر بغياب أي مصادر قوة لدى لبنان المأزوم مالياً والمفكك داخلياً ويصلون للقول إن توقيت التفاوض لصالح كيان الاحتلال.

الأمر الأول الذي يطرحه الاتفاق على هؤلاء هو أن معيار التنازل يُقاس بالمضمون السياسي والاقتصادي للمفاوضات الذي كان قبل وصار بعد لمعرفة مَن الذي تنازل. وقد كان المطلب الأميركي الإسرائيلي سياسياً هو التفاوض المباشر واقتصادياً هو خط فريديريك هوف الذي رسمه الأميركيون لصالح كيان الاحتلال ورفضه لبنان سابقاً وبقي يرفضه. ولو وافق لما كانت هناك حاجة للتفاوض وكما في رفض خط هوف بقي لبنان عند موقفه الرافض للتفاوض المباشر لصالح تفاوض غير مباشر كما هو واضح في النص المعلن بالتزامن من قبل كل الأطراف.

الأمر الثاني هو أن الاتفاق كان مبرماً في تموز الماضي واحتجزه الأميركي أملاً بتعديله وجاءت العقوبات لتكشف موضوع رهانه لفرض التعديل والاتفاق الذي أعلن هو نص تموز نفسه قبل العقوبات بما يعني أن الأميركي عاد للاتفاق لاكتشافه أن العقوبات لم تنفع ولو كان لها مفعول لتغير الاتفاق، ومعنى التوقيت بعد العقوبات هو اليأس الأميركي من التعديل.

الأمر الثالث هو أن أصل القبول الأميركي الإسرائيلي للتفاوض نابع من الإقرار بقوة لبنان وهو ما لا ينتبه له خصوم المقاومة بسبب عمى ألوان الحقد، فالنيّة الإسرائيليّة كانت الدخول في استثمار المناطق التي وضعها كيان الاحتلال ضمن منطقته الاقتصادية وهي حقوق لبنانيّة خالصة ولولا المقاومة وتهديداتها وقوتها لما إضطر الكيان ومن ورائه واشنطن لعرض خط هوف ولا للبحث بالتفاوض، ولولا الخوف من قدرات المقاومة واستهداف أي استثمار تقوم به الشركات العالمية لحساب الاحتلال لبدأ استثمار المناطق الإقتصادية اللبنانية من قبل الكيان منذ سنوات ومن دون محاولة التوصل لاتفاق، وهذه هي القوة التي أجبرت الأميركي والإسرائيلي على تقبل الذهاب لاتفاق إطار يرضاه لبنان كي يتمّ التفاوض سعياً وراء الحاجة للاستثمار الآمن، والتيقن من أن لا استثمار آمناً من دون التوصل لترسيم المناطق الاقتصادية مع لبنان، وهذه القوة التي فرضت اتفاق الإطار باقية وفاعلة خلال مسار التفاوض.


فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة

River to Sea Uprooted Palestinian   
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!

No comments:

Post a Comment