Pages

Thursday, 27 May 2021

خيارات “حماس” الصّعبة.. بين العقيدة والوطنيَّة



حسني محلي

حسني محلي 

المصدر: الميادين نت

26/05/2021

بقيت “حماس” خلال سنوات “الربيع العربي” بعيدة عن ساحة المداولات الإقليمية والدولية، ما انعكس سلباً على مسار القضية الفلسطينية.

جاء
جاء “الربيع العربي” ليضع قيادات حركة “حماس” أمام التحدّي التاريخي الأكبر.

مع الانتصار الَّذي حقّقه الشعب الفلسطيني بمختلف مكوّناته وفصائله المسلّحة في مواجهة العدوان الإسرائيلي على القدس وغزة ومناطق أخرى من الأرض المحتلَّة، بدأت العديد من الأوساط تتحدَّث عن سيناريوهات جديدة حول مستقبل القضية الفلسطينية ومكانة “حماس” في مجمل المعادلات القادمة، فالبعض يتحدَّث عن محاولة أميركيَّة/مصريَّة “لترويض حماس” مقابل تنازلات إسرائيلية، ليس في غزة فحسب، بل في الضفة الغربية أيضاً، بعد استهلاك جميع أوراق الرئيس محمود عباس وطاقمه، وهو ما جرَّبته واشنطن وفشلت فيه، عندما ضغطت، ومعها العواصم الغربيَّة، على “حماس”، وأقنعتها بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 25 كانون الثاني/يناير 2006، إذ فازت بـ76 مقعداً من أصل 132 (“فتح” 45 مقعداً)، وأصبح إسماعيل هنية رئيساً للوزراء في 19 شباط/فبراير.

كنتُ قبل ذلك بثلاثة أيام في الطّائرة نفسها التي كانت تقلّ خالد مشعل من دمشق إلى إسطنبول، ومنها إلى أنقرة، بناءً على دعوة رسمية من الحكومة التركية. وقد تهرب رئيس الوزراء إردوغان آنذاك من لقائه، بعد أن تعرَّض لهجوم عنيف من وسائل الإعلام والأوساط الأميركية والأوروبية التي توعَّدته في حال لقائه “الإرهابي” مشعل. 

دفع ذلك وزير الخارجيَّة عبد الله غول إلى استقبال مشعل في مقرّ حزب “العدالة والتنمية”، وليس في مكتبه الرسمي في الوزارة، بعد أن التقاه مستشاره أحمد داوود أوغلو في الفندق، وأدخله من الباب الخلفي حتى لا يصوره الصّحافيون. وكان لي لقاء مطوَّل مع مشعل بعد حديثه مع غول وداوود أوغلو. وقد قال “إنَّهما طلبا منه التخلّي عن لغة السلاح والدخول في حوارات مباشرة أو غير مباشرة مع إسرائيل والاعتراف بها”.

أما نائب رئيس الوزراء عبد اللطيف شنار، وهو من أهمّ مؤسّسي حزب “العدالة والتنمية”، فقد استقال من منصبه بعد عام من هذه الزيارة، استنكاراً لقرار إردوغان بيع ميناء إسطنبول لشركة كندية/يهودية، وقال لاحقاً: “إن زيارة مشعل إلى أنقرة كان متفقاً عليها سابقاً مع تل أبيب”، في الوقت الذي كان داوود أوغلو وإردوغان وغول يلتقون خالد مشعل خلال زياراتهم إلى دمشق، عندما كانت علاقاتهم مميَّزة مع الرئيس بشار الأسد.

وجاء ما يُسمى بـ”الربيع العربي” ليضع قيادات حركة “حماس” أمام التحدّي التاريخي الأكبر، عندما قررت إغلاق مكاتبها ومخيماتها في سوريا ومغادرتها، بناءً على طلب تركيا وقطر والسعودية ومن معها في الحرب الكونية التي استهدفت “الصيدة”، أي الرئيس الأسد، بحسب اعترافات رئيس وزراء القطري السابق حمد بن جاسم في تشرين الأول/أكتوبر 2017.

وكان خروج “حماس” من سوريا بداية العلاقة العقائدية والسياسية والعسكرية “الإخوانية” بينها وبين تركيا إردوغان والمموّل قطر، التي أرادت من خلال تحالفها مع دولة مهمّة كتركيا أن يكون لها “مكان ما في الإعراب”، وإن لم يكن بحجم آل سعود.

وتحدّثت المعلومات لاحقاً عن انضمام المئات من عناصر “حماس” إلى الفصائل المسلَّحة المختلفة الَّتي كانت تقاتل الدولة السّورية. ولولا الأخيرة، لما كانت “حماس” أساساً موجودة الآن، فقد رحَّب الرئيس حافظ الأسد بخالد مشعل الذي طرده الملك حسين من الأردن في العام 1999، بعد أن قام الموساد بتسميمه في أيلول/سبتمبر 1997، فغادرها إلى قطر فطردته، وذهب منها إلى دمشق التي عاش فيها معززاً مكرماً، إلى أن غدر بها، كما طُلب منه. 

لم يمنع موقف “حماس” هذا إيران من الاستمرار في دعم المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها حركة “الجهاد الإسلامي” التي بقيت في دمشق، كما بقي فيها قادة كل الفصائل الأخرى، مثل “الجبهة الشعبية والديمقراطية”، التي قاتل عناصرها مع الجيش السوري ضد الإرهابيين بكل أشكالهم وانتماءاتهم الداخلية والخارجية، في الوقت الذي يعرف الجميع أنَّ ما تعرَّضت له سوريا كان، وما زال، سببه موقفها المتضامن مع القضية الفلسطينية، والتي تبنّتها إيران التي رفعت العلم الفلسطيني في طهران، بعد أن طردت السفير الإسرائيلي، فور انتصار الثورة الإسلامية في شباط/فبراير 1979.

بقيت “حماس” خلال سنوات “الربيع العربي” بعيدة عن ساحة المداولات الإقليمية والدولية، وهو ما انعكس سلباً على مسار القضية الفلسطينية التي لم ينسَها “حزب الله”، ومن خلاله القيادات الإيرانية، التي عادت لدعم “حماس” وباقي الفصائل الفلسطينية، ودفعت ثمن ذلك باغتيال الشهيد قاسم سليماني وأمثاله ممن سقطوا في سوريا، وكانوا جميعاً يدافعون عنها، لأنها خط الدفاع الأول عن فلسطين ولبنان والعراق وإيران والمنطقة عموماً. ولو كانت قد سقطت، لكانت القضية الفلسطينية انتهت إلى الأبد. 

كان الدعم الإيراني كافياً لتقوية “حماس”، التي بقيت رغم ذلك ضمن الحلبة القطرية/التركية. وقد اكتفتا معاً في تقديم المال الَّذي استغلَّه أمير قطر الشيخ حمد آل ثاني لفرض نفسه على المعادلات الإقليمية، بعد أن زار غزة في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2012، وبضوء أخضر إسرائيلي/أميركي لم يضَء للرئيس إردوغان، الذي شهدت علاقاته مع تل أبيب خلال السنوات العشر الماضية حالات مثيرة من المد والجزر وتناقضاتها، من دون أن تكون هناك أي معلومات عن حجم المساعدات العسكرية التركية لحركة “حماس”، التي قال خبير عسكري وسياسي روسي إنها قد تكون حصلت على أنظمة الصواريخ “كورنيت” المضادة للدروع، والتي أعطتها تركيا للفصائل المسلَّحة التي كانت “حماس” تقاتل معها ضد الدولة السورية. وكان السيد حسن نصر الله تحدَّث قبل فترة عن نقل صواريخ “كورنيت” التي اشترتها سوريا من روسيا إلى غزة بعد حرب تموز/يوليو 2006. 

وفي جميع الحالات، وفي ضوء المستجدات الأخيرة، وبعد لقاء الرئيس الأسد قيادات فلسطينيَّة، عاد الرهان من جديد على السلوكيات المحتملة لقيادات “حماس” التي لا تريد لها العواصم الغربية وحليفاتها في المنطقة أن تعود إلى سوريا، وعبرها إيران و”حزب الله”. 

وفي هذه الحالة، هناك 3 خيارات أ1مام قيادات “حماس”:

أ- أن لا تستخلص أيّ درس من أحداث السنوات العشر الأخيرة، وتبقى على نهجها الإخواني مع “الخليفة” إردوغان وحليفه الأمير تميم.

ب- أن تدخل في غرام جديد مع مصر المدعومة من الإمارات والسعودية والأردن والسودان والمغرب، وبإغراءات أميركية وأوروبية، شرط أن تتخلّى عن نهجها العقائدي الإخواني.

ج- وأخيراً، أن تتعلَّم ما يجب أن تتعلَّمه من نضال الجماهير الفلسطينية والعربية، وأن تعود إلى حلفائها الاستراتيجيين. ولولاهم، ولولا دعمهم العسكري والسياسي، وأخيراً الإعلامي والمعنوي، لما هزمت “إسرائيل” في عدوانها الأخير.

كلّ ذلك مع استمرار التحركات الإقليمية والدولية، بما في ذلك احتمالات تخلّي أنقرة عن ورقة الإخوان المسلمين في حال المصالحة مع الرياض وأبو ظبي والقاهرة، وهي معاً لا تريد أن يكون لإردوغان أيّ دور في المعادلات الإقليمية المستقبلية، حتى لو رضيت العواصم الثلاث بدور ما لقطر، وبرضا أميركي، كما هو الحال في وساطتها بين واشنطن وطالبان، وهو الاحتمال الذي يبدو أنه شجَّع موسكو على السعي من أجل لقاء فلسطيني (حماس) – إسرائيلي في موسكو، يراد له أن ينتهي باتفاقية جديدة على غرار “أوسلو”، ولكن بعناصر جديدة تدعم اتفاقيات “أبراهام” التي أعدها الرئيس ترامب، وأعلن الرئيس بايدن التزامه بها، لتكون قاعدة لــ”سلام” إقليمي شامل بعد العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، من دون أن يكون واضحاً هل سترضى تل أبيب بدور أكبر لحركة “حماس” إذا عادت إلى تحالفها مع سوريا وإيران في المعادلات المستقبلية مع صعود التيار القومي والديني والعنصري اليهودي في “إسرائيل”؟ وكيف؟

يعرف الجميع أن هذا التيار لن يقبل بأي تنازلات تتناقض مع عقيدته الدينية، وأهمها أن تكون القدس الموحدة عاصمة أبدية ليهود العالم. وإلا، لا معنى لنظرية “أرض الميعاد” التي جاء اليهود من أجلها من جميع أنحاء العالم إلى فلسطين، ومن أجلها قتلوا الشعب الفلسطيني، وما زالوا يقتلونه، كما فعلوا خلال الحرب الأخيرة. 

ويرى البعض في هذه الحرب جزءاً من مخطط دولي وإقليمي جديد تريد واشنطن له أن يساعدها لإعادة ترتيب أمور المنطقة، وكالعادة، على حساب دول المقاومة وشعوبها، ولضمان أمن “إسرائيل” إلى الأبد.

هذه الترتيبات لن تتم إلا وفق المعايير والمقاييس التي سيقبلها اليهود، المتطرّفون منهم وغير المتطرفين، ما دام الطرف الآخر من المعادلة، أي “حماس” (ومن معها)، هو الأسهل في تقديم التنازلات بعد أن أثبت أنه كان، وما زال، عرضة لتناقضات العقيدة والوطنية. وكلمة السر بين الإثنين هو الوفاء أبداً لمن دافع عن فلسطين دائماً!


River to Sea Uprooted Palestinian   
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!

No comments:

Post a Comment