Pages

Friday, 5 June 2020

قانون قيصر أم قانون القرصان!




بعد أن فشلت الولايات المتحدة، ومعها «إسرائيل»، وحلفاؤها في المنطقة بتحقيق مآربها في سورية، منذ اندلاع الأحداث فيها عام 2011، وحتى اليوم، ورغم كلّ الدعم المادي، والعسكري، والمالي، والإعلامي، واللوجستي، والبشري المتواصل الذي قدّمته قوى العدوان، لعشرات الآلاف من الإرهابيين الأجانب القادمين من دول العالم، لم تستطع قوى الشرّ أن تحقق مبتغاها الهادف الى إطاحة النظام السوري، ورئيس الدولة، وإيجاد نظام بديل يكون أداة طيّعة في يد قوى الهيمنة، يبتعد عن قضايا بلده وشعبه وأمته، يتنازل عن حقوقه وسيادته، وأرضه المحتلة من العدو الصهيوني، وينهي حالة الصراع معه، ويقبل بالأمر الواقع الإسرائيلي، والتطبيع معه، ثم يدير ظهره للمقاومة في لبنان وفلسطين، ويقلّص الى حدّ كبير من مستوى التعاون مع إيران وروسيا…
فبعد أن وجدت قوى العدوان على سورية، بعد تسع سنوات من الحرب المفروضة عليها، انّ كلّ الوسائل والإمكانات والخطط العسكرية، والإجراءات المالية، والضغوط النفسية، والعقوبات الشرسة، التي طالت قطاعات مصرفية، ومالية، وتجارية وصحية، وصناعية، وعسكرية، وتكنولوجية، وكذلك شخصيات رسمية وفعاليات مدنية، واللجوء إلى الإفراط في استخدام القوة، والعمليات الحربية المدمّرة، لإخضاع سورية وإجبارها على رفع راية الاستسلام، أنها لم تستطع انتزاع القرار الذي تنتظره من الرئيس السوري، ولم تستطع تأليب الشعب على قيادته، او الرهان على تفكيك الجيش العربي السوري وانهياره، وأنها فشلت أيضاً في إبعاد سورية عن إيران وروسيا، وفكّ الارتباط مع الدولتين، كان لا بدّ من المتربّصين بسورية، ورعاة التسلط والاستبداد، أن يلجأوا الى سياسات أخرى أكثر قسوة وشدة كي تفي بالمطلوب.
وإذا كانت الحرب الشاملة التي شنتها قوى العدوان على سورية، قد فشلت في تحقيق أهدافها، وغاياتها، بسبب بسالة وصمود الجيش العربي السوري، ووحدة الشعب، وإدارة قيادته الحكيمة للأزمة في أصعب وأحلك الظروف، وصمودها الذي بهر شعوب العالم ودوله، وهي تواجه العدوان والإرهاب، كان على الادارة الأميركية أن تبحث عن عقوبات أكثر إيلاماً وشراسة تطبّقها على سورية، علها تحقق الغاية المرجوّة منها. فكان «قانون قيصر»، الذي وقعه الرئيس الأميركي ترامب يوم 21 كانون الأول من العام الماضي، ليجسّد هذا القانون الظلم والقهر، الذي سيطبّق اعتباراً من منتصف حزيران 2020 بحق الشعب السوري، وبحق الدولة، لتشمل عقوباته مسؤولي الدولة السورية، وأجهزتها ومؤسّساتها وشركاتها وهيئاتها، وكلّ دولة أخرى تتعامل مع سورية، أو تساعدها على تنفيذ مشاريع فيها، أو تعمل على المشاركة في إعادة بناء المرافق التي هدمتها الحرب، حتى ولو كانت بعض المشاريع تنفذ مجاناً من قبل الدول او المنظمات او الشخصيات المانحة الصديقة.
لا يتوقف «قانون قيصر» عند هذا الحدّ، بل يشمل العقوبات المالية، وهي النوع الأخطر. إذ انه سيتمّ بموجبه، إلزام الدول والهيئات والمؤسسات المالية، وقف المنح والقروض التي قد تقدّم الى سورية، وكذلك المساعدات المالية، وتجميد الحسابات، ووقف الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة. كما ستشمل العقوبات كلّ شركة أجنبية، تستثمر في قطاعي الطاقة والطيران، ومنعها من تزويد الطيران المدني السوري بقطع الغيار، أو القيام بأعمال الصيانة لصالحه. وسيفرض القانون أيضاً عقوبات على الدول والشركات التي تقوم بتوسيع قطاع الإنتاج المحلي للنفط والغاز السوري، حيث تستورد سورية أكثر من ستين بالمئة من حاجتها الى الغاز. كما سيعاقب «قانون قيصر» أيضاً، الشركات الأجنبية التي تعتزم التعامل مع سورية في مختلف المجالات، كما سيمنع المصارف الأجنبية من التعامل مع المصارف المحلية، بغية شلّ الحركة الاقتصادية، والمالية، بشكل واسع النطاق، مما سينعكس سلباً، وبشكل مباشر على النقد الوطني، وعلى تراجع سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي.
«قانون قيصر» الذي أراد منه ترامب على حدّ زعمه، حماية المدنيين في سورية، وتنحّي الرئيس بشار الأسد عن السلطة، ووقف دعم روسيا وإيران لدمشق، ووقف الحصار على المناطق التي تتواجد فيها الفصائل الإرهابية، المدعومة من قوى العدوان، وإحقاق العدالة لضحايا جرائم الحرب التي ارتكبها النظام السوري، على حدّ زعم عرّابي «قانون قيصر» ورعاته.
«قانون قيصر» يريد ان يجبر سورية على التوقف عن دعمها للمقاومة في لبنان وفلسطين ضدّ المحتلّ «الإسرائيلي»، والكفّ عن سعيها لامتلاك أسلحة متطوّرة، وعن السير في برنامج تطوير الصواريخ البالستية.
ما تريده الولايات المتحدة من سورية، من خلال قانون قيصرها، هو باختصار استسلام سورية للإرادة الأميركية، وتغيير النظام والنهج، والأسلوب والعقيدة، والمبادئ الوطنية، والاستراتيجية القومية، ومواقفها المقاومة، الداعمة للحق العربي، والرافضة بالشكل والأساس، لدولة الاحتلال الصهيوني، والتطبيع معها، وتصدّيها لنفوذ ومؤامرات قوى الهيمنة والعدوان المتواصلة ضدّها وضدّ شعوب أمتها.
«قانون قيصر» جاء ليعرّي الوجه الحقيقي للسياسة الأميركية حيال سورية، والأهداف المبيّتة ضدّها منذ عقود، وضدّ الأنظمة الحرة في المنطقة والعالم، التي آلت على نفسها ان تخرج من دائرة النفوذ والاستغلال الغربي، والتصدّي لها مهما كلف ذلك من ثمن وتضحيات.
انّ «قانون قيصر» الأحادي الجانب، الذي تريد من خلاله الولايات المتحدة، أن تلتزم دول العالم به، تحت التهديد بفرض العقوبات عليها، في حال عدم الأخذ به. يبيّن للعالم
مدى أبعاد البلطجة الأميركية، ومدى تأثير القانون على دول كبرى في أوروبا وخارجها، يكرهها رغماً عنها الالتزام به، وهو يحدّ من هيبتها، ومكانتها وقراراتها المستقلة، ويتعارض مع مصالحها وحقوقها السيادية.
انّ سورية التي استوعبت العقوبات الأميركية الظالمة منذ عام 1979، وحتى اليوم، قادرة بعزيمة قيادتها الوطنية العالية، ووعي شعبها، وإدراكها للذي تبيّته قوى العدوان ضدّها، وبصمود جيشها الذي أحبط كلّ الرهانات القذرة عليه، بأدائه وتماسكه ووحدته، قادرة على مواجهة تبعات «قانون قيصر» الجديد مهما غلت التضحيات، إذ تعرف سورية انّ هذا القانون الذي يستهدفها، وإنٍ حمل اسم «قانون قيصر»، فهو في الحقيقة، ليس إلا قانون القرصان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*وزير الخارجية الأسبق.










بعد أن فشلت الولايات المتحدة، ومعها «إسرائيل»، وحلفاؤها في المنطقة بتحقيق مآربها في سورية، منذ اندلاع الأحداث فيها عام 2011، وحتى اليوم، ورغم كلّ الدعم المادي، والعسكري، والمالي، والإعلامي، واللوجستي، والبشري المتواصل الذي قدّمته قوى العدوان، لعشرات الآلاف من الإرهابيين الأجانب القادمين من دول العالم، لم تستطع قوى الشرّ أن تحقق مبتغاها الهادف الى إطاحة النظام السوري، ورئيس الدولة، وإيجاد نظام بديل يكون أداة طيّعة في يد قوى الهيمنة، يبتعد عن قضايا بلده وشعبه وأمته، يتنازل عن حقوقه وسيادته، وأرضه المحتلة من العدو الصهيوني، وينهي حالة الصراع معه، ويقبل بالأمر الواقع الإسرائيلي، والتطبيع معه، ثم يدير ظهره للمقاومة في لبنان وفلسطين، ويقلّص الى حدّ كبير من مستوى التعاون مع إيران وروسيا…
فبعد أن وجدت قوى العدوان على سورية، بعد تسع سنوات من الحرب المفروضة عليها، انّ كلّ الوسائل والإمكانات والخطط العسكرية، والإجراءات المالية، والضغوط النفسية، والعقوبات الشرسة، التي طالت قطاعات مصرفية، ومالية، وتجارية وصحية، وصناعية، وعسكرية، وتكنولوجية، وكذلك شخصيات رسمية وفعاليات مدنية، واللجوء إلى الإفراط في استخدام القوة، والعمليات الحربية المدمّرة، لإخضاع سورية وإجبارها على رفع راية الاستسلام، أنها لم تستطع انتزاع القرار الذي تنتظره من الرئيس السوري، ولم تستطع تأليب الشعب على قيادته، او الرهان على تفكيك الجيش العربي السوري وانهياره، وأنها فشلت أيضاً في إبعاد سورية عن إيران وروسيا، وفكّ الارتباط مع الدولتين، كان لا بدّ من المتربّصين بسورية، ورعاة التسلط والاستبداد، أن يلجأوا الى سياسات أخرى أكثر قسوة وشدة كي تفي بالمطلوب.
وإذا كانت الحرب الشاملة التي شنتها قوى العدوان على سورية، قد فشلت في تحقيق أهدافها، وغاياتها، بسبب بسالة وصمود الجيش العربي السوري، ووحدة الشعب، وإدارة قيادته الحكيمة للأزمة في أصعب وأحلك الظروف، وصمودها الذي بهر شعوب العالم ودوله، وهي تواجه العدوان والإرهاب، كان على الادارة الأميركية أن تبحث عن عقوبات أكثر إيلاماً وشراسة تطبّقها على سورية، علها تحقق الغاية المرجوّة منها. فكان «قانون قيصر»، الذي وقعه الرئيس الأميركي ترامب يوم 21 كانون الأول من العام الماضي، ليجسّد هذا القانون الظلم والقهر، الذي سيطبّق اعتباراً من منتصف حزيران 2020 بحق الشعب السوري، وبحق الدولة، لتشمل عقوباته مسؤولي الدولة السورية، وأجهزتها ومؤسّساتها وشركاتها وهيئاتها، وكلّ دولة أخرى تتعامل مع سورية، أو تساعدها على تنفيذ مشاريع فيها، أو تعمل على المشاركة في إعادة بناء المرافق التي هدمتها الحرب، حتى ولو كانت بعض المشاريع تنفذ مجاناً من قبل الدول او المنظمات او الشخصيات المانحة الصديقة.
لا يتوقف «قانون قيصر» عند هذا الحدّ، بل يشمل العقوبات المالية، وهي النوع الأخطر. إذ انه سيتمّ بموجبه، إلزام الدول والهيئات والمؤسسات المالية، وقف المنح والقروض التي قد تقدّم الى سورية، وكذلك المساعدات المالية، وتجميد الحسابات، ووقف الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة. كما ستشمل العقوبات كلّ شركة أجنبية، تستثمر في قطاعي الطاقة والطيران، ومنعها من تزويد الطيران المدني السوري بقطع الغيار، أو القيام بأعمال الصيانة لصالحه. وسيفرض القانون أيضاً عقوبات على الدول والشركات التي تقوم بتوسيع قطاع الإنتاج المحلي للنفط والغاز السوري، حيث تستورد سورية أكثر من ستين بالمئة من حاجتها الى الغاز. كما سيعاقب «قانون قيصر» أيضاً، الشركات الأجنبية التي تعتزم التعامل مع سورية في مختلف المجالات، كما سيمنع المصارف الأجنبية من التعامل مع المصارف المحلية، بغية شلّ الحركة الاقتصادية، والمالية، بشكل واسع النطاق، مما سينعكس سلباً، وبشكل مباشر على النقد الوطني، وعلى تراجع سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي.
«قانون قيصر» الذي أراد منه ترامب على حدّ زعمه، حماية المدنيين في سورية، وتنحّي الرئيس بشار الأسد عن السلطة، ووقف دعم روسيا وإيران لدمشق، ووقف الحصار على المناطق التي تتواجد فيها الفصائل الإرهابية، المدعومة من قوى العدوان، وإحقاق العدالة لضحايا جرائم الحرب التي ارتكبها النظام السوري، على حدّ زعم عرّابي «قانون قيصر» ورعاته.
«قانون قيصر» يريد ان يجبر سورية على التوقف عن دعمها للمقاومة في لبنان وفلسطين ضدّ المحتلّ «الإسرائيلي»، والكفّ عن سعيها لامتلاك أسلحة متطوّرة، وعن السير في برنامج تطوير الصواريخ البالستية.
ما تريده الولايات المتحدة من سورية، من خلال قانون قيصرها، هو باختصار استسلام سورية للإرادة الأميركية، وتغيير النظام والنهج، والأسلوب والعقيدة، والمبادئ الوطنية، والاستراتيجية القومية، ومواقفها المقاومة، الداعمة للحق العربي، والرافضة بالشكل والأساس، لدولة الاحتلال الصهيوني، والتطبيع معها، وتصدّيها لنفوذ ومؤامرات قوى الهيمنة والعدوان المتواصلة ضدّها وضدّ شعوب أمتها.
«قانون قيصر» جاء ليعرّي الوجه الحقيقي للسياسة الأميركية حيال سورية، والأهداف المبيّتة ضدّها منذ عقود، وضدّ الأنظمة الحرة في المنطقة والعالم، التي آلت على نفسها ان تخرج من دائرة النفوذ والاستغلال الغربي، والتصدّي لها مهما كلف ذلك من ثمن وتضحيات.
انّ «قانون قيصر» الأحادي الجانب، الذي تريد من خلاله الولايات المتحدة، أن تلتزم دول العالم به، تحت التهديد بفرض العقوبات عليها، في حال عدم الأخذ به. يبيّن للعالم
مدى أبعاد البلطجة الأميركية، ومدى تأثير القانون على دول كبرى في أوروبا وخارجها، يكرهها رغماً عنها الالتزام به، وهو يحدّ من هيبتها، ومكانتها وقراراتها المستقلة، ويتعارض مع مصالحها وحقوقها السيادية.
انّ سورية التي استوعبت العقوبات الأميركية الظالمة منذ عام 1979، وحتى اليوم، قادرة بعزيمة قيادتها الوطنية العالية، ووعي شعبها، وإدراكها للذي تبيّته قوى العدوان ضدّها، وبصمود جيشها الذي أحبط كلّ الرهانات القذرة عليه، بأدائه وتماسكه ووحدته، قادرة على مواجهة تبعات «قانون قيصر» الجديد مهما غلت التضحيات، إذ تعرف سورية انّ هذا القانون الذي يستهدفها، وإنٍ حمل اسم «قانون قيصر»، فهو في الحقيقة، ليس إلا قانون القرصان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*وزير الخارجية الأسبق.
فيديوات متعلقة
مقالات متعلقة

River to Sea Uprooted Palestinian   
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!

No comments:

Post a Comment