Thursday, 18 October 2018

لماذا الخاشقجي؟




عبد الستار قاسم

بداية أوكد همجية ووحشية الذين يعتدون على الكتاب والمثقفين والإعلاميين بسبب ما يكتبون أو يقولون. قمع حرية الكلمة جريمة كبرى يقترفها الاستبداديون بخاصة العرب منهم. والقمع عمل مقرف في تاريخ الشعوب ومن شأنه  تأزيم المجتمعات، وتدمير المنظومة القيمية التي تجمع الناس وتوحد كلمتهم في مواجهة التحديات. جمال خاشوقجي هو أحد ضحايا هذا الاستبداد الذي يُمارس باسم خدمة الحرمين.

لكن لماذا كل هذه الحملة الدولية من أجل الخاشوقجي في حين أن أمثاله كثر في الساحة العربية، ولم نشهد حملة مماثلة إلا بعد مقتل رفيق الحريري. نحن ضد الاغتيالات والإرهاب بخاصة إرهاب الدول، ويجب أن تقوم هبة إعلامية لصالح كل من يتعرض للقمع والاغتيال والإرهاب بدون انتقائية.

انتقى الغرب رفيق الحريري وجمال خاشقجي في حين أن الحكام العرب يستمرون كل يوم بملاحقة الأحرار والمناضلين من أجل الحرية. وهؤلاء الحكام الطغاة يلقون الدعم من أمريكا وأعوانها الغربيين والصهاينة على مدى سنوات طويلة. ولولا دعم الغرب لهؤلاء الحكام لما راينا عائلة هاشمية في الأردن أو سعودية في الجزيرة العربية، وقبائل تحكم في دول الخليج والمغرب. الاهتمام على قدر المصلحة، وكلما كبرت المصلحة ازداد الاهتمام.

أمثال الكاتب يتعرضون كل يوم للمضايقات والإجراءات القمعية، ولا نجد من يقف معهم مدافعا ومحدثا ضجة كبيرة تضع القامعين في مأزق. الدول الغربية ووسائل إعلامها ترى القمع والقهر يُمارس ضد المفكرين والمثقفين والإعلاميين ولا تصنع شيئا. ومن المحتمل أن الغرب بمختلف مكوناته يحرض ضد هؤلاء بخاصة إذا كان موقفهم من كيان الصهاينة سلبيا ويطالبون باستعادة الحقوق الفلسطينية.

خبرت خاشقجي على شاشة التلفاز، وكنت أتحاشى الظهور معه لأنه كان المدافع الأول عن نظام سعودي متخلف وقهري واستبدادي واستعبادي ومبذر للثروات العربية ومناصر لأعداء الأمة من أمريكيين وصهاينة. كنت أراه من كبار المنافقين الضلاليين.لقد انقلب بعض الشيء مؤخرا، لكنه اختار أمريكا مكانا لمنفاه الاختياري. أي أن انقلابه حول العائلة المالكة السعودية لم يخرجه من دائرة أعداء الأمة. وبالرغم من ذلك، لا يجوز اعتراضه وتعذيبه وملاحقته، وقتله يشكل جريمة كبيرة ويتوجب ملاحقة من اقترفوا بحقه الأعمال البشعة.

هل ستتم ملاحقة المجرمين؟ هناك مصالح للدول، ولا أرى أن دولة ستغامر بمصالحها مع السعودية من أجل الخاشوقجي. أمريكا لا تفرط بأموال السعودية، وهي مهتمة دائما بإبقاء خزائنها مفتوحة أمام الأموال السعودية التي يتم الاستيلاء عليها بطريقة أو بأخرى. وتركيا لها حجم تجارة مع السعودية يتصاعد كل سنة.

نأمل من تركيا الصمود على موقفها وأن تبقى وفق المقتضيات الأخلاقية. أما أمريكا فمشغولة بالتعاون مع العائلة المالكة في البحث عن تخريجة مقنعة لقتل الخاشوقجي دون أن تضر بالعائلة المالكة. وهنا يأتي دور ميكافيللي الذي نصح الأمير بعدم الاعتراف بسوء سلوك، والبحث عن كبش فداء ليحمل المسؤولية وينال العقاب بدل المجرم الحقيقي. هم يبحثون عن شخص مسؤول وله وزن أمني كبير ليعترف بالجريمة لقاء وعود بتلقي ملايين الدولارات. وبدل أن يتلقى الملايين سيقومون باعتقاله واتخاذ إجراءات ضده ومن ضمنها قطع الرأس. وعدم قطع رأسه سيثبت أنهم كاذبون. ولهذا يجب ألا يورط أحد نفسه في إنقاذ العائلة الحاكمة من المسؤولية.

Related Videos

River to Sea Uprooted Palestinian   
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!

No comments: