صحيح أن عمليات اختراق الأجواء أو المياة الإقليمية لدولة ما، من قبل تشكيلات جوية او بحرية تابعة لدولة أخرى، ليست نادرة الحدوث، خاصة من قبل قوات حلف الشمال الأطلسي والقوات الأميركية.
لكن قيام المدمرة الأميركية: يو إس إس باري باختراق المياة الإقليمية الصينية، في محيط جزر شيشا (وهي الجزر التي تسميها الدول الغربية: جزر باراسيل والواقعة في بحر الصين الجنوبي، قبالة سواحل مقاطعة هاينان ، وتبعد عن سواحلها حوالي 260 كم، لم يكن حدثاً لا عادياً ولا مقبولاً وانما ذا أهمية استراتيجية عاليةً جداً، وذلك للأسباب التالية:
1
قيام قيادة “مسرح العمليات الجنوبي” في الجيش الشعبي الصيني بإصدار الأوامر الفورية، للوحدات البحرية والجوية الصينية، المسؤولة عن تأمين تلك المنطقة من بحر الصين الجنوبي، باتخاذ الإجراءات الصارمة، لتنفيذ مهامها والاضطلاع بمسؤولياتها الوطنية، ومن ثم قيام تلك الوحدات بمحاصرة المدمّرة الأميركية، بحراً وجواً، وإصدار الأوامر الصارمة لها بمغادرة المياة الإقليمية الصينية حالاً، حسب ما أعلنه العقيد: لي هوآمين يوم الثلاثاء 28/4/2020، حيث قامت الوحدات الصينية بمرافقة المدمّرة الصاروخية الأميركية (مزوّدة بصواريخ موجهة شديدة الدقة) إلى خارج المياة الإقليمية الصينية.
وهذا يعني أن القيادة الصينية كانت صارمة في الردّ على العدوان الأميركي على سيادتها ومياهها الإقليمية، وأنها لن تسمح مطلقاً باستغلال اية ظروف لخرق هذه السيادة، وبالتالي هو إعلان عن استعداد جمهورية الصين الشعبية للدفاع عن مصالحها في بحار الصين وغيرها من البحار المجاورة وصولاً الى غرب المحيط الهادئ (جزيرة غوام).
2
إن قيام هذه المدمرة بعملية الخرق، المذكورة أعلاه، لم يكن الأول وانما الثاني خلال الاثنتين وسبعين ساعة الماضية. وهو ما يدل على رغبة جامحة للولايات المتحدة بأن ترسل إشارات الى جمهورية الصين الشعبية بأنها تعمل على الحفاظ على وجودها (الولايات المتحدة) في غرب المحيط الهادئ وبحار آسيا. وبكلمات أخرى فإنها تحاول عبثاً الإيحاء بأنها قادرة على المحافظة على هذا الوجود. حيث أثبت الجيش الصيني، من خلال عملية طرد المدمرة الأميركية، انه كامل الاستعداد ويتمتع بقدرات عالية جداً، لمنع أي اعتداء على سيادة الصين.
3
إلا أن تصريح الناطق باسم مسرح العمليات الجنوبي، في الجيش الشعبي الصيني، العقيد لي هوآيمين ، قد وضع النقاط على الحروف وحدد الخطوط الصينية الحمراء، أمام القوات البحرية والجوية الأميركية، عندما قال: إن التحركات، البحرية والجوية الأميركية، تهدد الأمن والاستقرار في البحار الصينيّة وفي آسيا، وأن القوات الصينية سوف تؤدي واجبها وتحافظ على السيادة الصينيّة وأمن المنطقة وكذلك على السلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي.
وكلامه هذا يعني بكل وضوح: أن اليد العليا، في تلك البحار، هي للجيش الشعبي الصيني وليست للأساطيل الأميركية. كما أن مسؤولية السلم والاستقرار وحماية الملاحة هي من مسؤوليات الصين وليس غيرها وأن أيّام عربدة الأساطيل الأميركية في بحار العالم قد ولّت الى غير رجعة.
4
إن ما أضافه الناطق باسم قيادة مسرح العمليات الجنوبي، في الجيش الصيني، في تصريحه من أن الصين تحثّ الولايات المتحدة، على التركيز على مقاومة وباء كورونا والتصدي له في الولايات المتحدة، والمساهمة في التصدي لهذا الوباء، على الصعيد العالمي، والتوقف الفوري عن هذه العمليات (العسكرية / التحرشات)، ضد الأمن الإقليمي والسلام والاستقرار (في جنوب شرق آسيا).
وهذا كلام يعكس مدى الاستعداد الصيني لمواجهة العربدة البحرية والجوية الأميركية. فعندما يقول الناطق أن على الولايات المتحدة التوقف الفوري عن استفزازاتها فإنه، من الناحية العملية يصدر أمراً تحذيرياً للقطع البحرية الأميركية ويقول لها إنّ الجيش الصيني مستعدّ لاتخاذ الإجراءات الضرورية لوضع حدّ لخروقاتها اذا لم تلتزم هي بهذا الأمر. وهو دليل آخر على جدية الصين، في هذه المواجهة، وعلى تآكل الهيمنة البحرية والجوية الأميركية في تلك المنطقة.
5
وفِي الإطار نفسه تأتي أقوال الخبير العسكري الصيني، في معهد الابحاث والدراسات العسكرية البحرية في الجيش الشعبي الصيني، شانغ جونشي ، التي أدلى بها لصحيفة غلوبال تايمز الصينية بتاريخ 28/4/2020، ونصح فيها الولايات المتحدة بالتخلي عن عقلية الحرب الباردة والالتفات لحياة جنودها ومعالجتهم من وباء الكورونا بدلاً من مواصلة هذه التحرشات.
ففي ذلك رسالة جديدة لواشنطن بأن القعقعة بالصواريخ الأميركية لم تعد تخيف أحداً، خاصة في ظل وجود صواريخ صينية مضادة للسفن، سرعتها خمسة أضعاف سرعة الصوت، وتطلق من الأرض ومن البحر وقادرة على تدمير أية حاملة طائرات أميركيّة بضربة واحدة.
6
أما ما يعزّز تراجع القدرات الأميركية، وبالتالي الدور الأميركي، في غرب المحيط الهادئ وبحار الصين فهو قيام القيادة الاستراتيجية الأميركية، يوم 16/4/2020، بسحب قاذفات القنابل الخمس من طراز / B 52 /، من القاعدة الجوية الأميركية في جزيرة غوام، وإعادتها الى الولايات المتحدة، بعد انتشارها هناك لمدة ١٦ عاماً متواصلة، وذلك بسبب وجود القاعدة في مدى الصواريخ الروسية والصينية والكورية الشمالية، حسب ما صرّحت بة كيت أناستاسوف، الناطقة باسم القيادة الاستراتيجية الأميركية، لموقع ديفينس نيوز الأميركي بتاريخ 16/4/2020.
اذاً فإنّ السيدة، المذكورة أعلاه، تعترف بأنّ زمن الهيمنة الأميركية قد ولّى وأنّ التفوق التكنولوجي، سواء العسكري أو المعلوماتي والفيزيائي (الأسلحة الكهرومغناطيسية)، لكلّ من روسيا والصين وقريباً إيران، على مستوى التسلح الأميركي قد أصبح عاملاً فاعلاً في إفراغ عمليات الحشد الاستراتيجي الأميركي، ضدّ الصين وروسيا، من محتواها. كما أن أقوال الناطقة باسم القيادة الاستراتيجية الأميركية، عن أن القاذفات المذكورة أعلاه، سوف تقوم بمهماتها انطلاقاً من بحار أخرى لا يلغي أن البحار والأجواء أخذت تضيق، أمام العدوان الأميركي، وأن سياسة الصين، في انشاء مناطق ( 2 A ) او أنتي أكسيس ، وهي المناطق الممنوع الدخول إليها. وكذلك مناطق ( AD ) او إيريا دينايال ، أي المناطق المحظورة، قد أثبتت فعاليتها الشديدة وأنها بدأت تطبق حرفياً في مسارح العمليات المختلفة. الأمر الذي يجب أن يوضع في اطار كونه الخطوة الأساسية في اخراج القوات والقواعد، البحرية والجوية، من كل بلدان وبحار العالم، بما في ذلك منطقة الخليج والجزيرة العربية وإعادة هذه الاسلحة والجيوش الى الولايات المتحدة في سبيل المساهمة في الحد من الإنفاق العسكري الاميركي واستثمار هذه الأموال في تطوير البنى التحتية الأميركية ووضع حد للسياسة العدوانية الأميركية المتوحّشة والتي أثبتت أنها سياسة فاشلة غير قادرة على تأمين أدنى مستلزمات الرعاية الصحية، لا للجيش الاميركي ولا للشعب الاميركي نفسه، في ظل الوباء الذي يجتاح الولايات المتحدة. هذا علاوة على انها وقفت عاجزة امام هذا الوباء، على الصعيد الدولي، وأصبحت دولة تنتظر المساعدات الطبية من كل حدب وصوب وهي أقرب الى وضع الدولة الفاشلة من وضع الدولة العظمى.
والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
بعدنا طيبين، قولوا الله…
River to Sea Uprooted Palestinian
No comments:
Post a Comment