مَن شاهد «الأرتال» العسكرية التركية التي انسحبت من نقطة مُراقبة في بلدة مورك المحتلة منذ أكتوبر 2018 في ريف حماة الشمالي، وقد رافقتها سيارات من الشرطة العسكرية الروسية، لاحظ ضخامة الحشد التركي في ما كان يُوصف بأنه مراقبة، فقد كانت بالفعل قاعدة عسكرية بكلّ ما يحمله هذا المعنى عسكرياً. وهذه النقطة أكبر موقع عسكري تركيّ وتسمّى بـ «النقطة التاسعة». وقد أنشئت بالقرب من الطريق السريع بين دمشق وحلب (طريق إم 5). وها هو الاحتلال التركي يبدأ بتفكيك نقطة مراقبة جديدة له «قبتان الجبل» في ريف حلب تمهيداً للانسحاب منها، على أن تستكمل الانسحابات من جميع نقاط المراقبة في أول كانون الأول/ ديسمبر المقبل.
أنقرة التي استغلت فرصة التفويض الروسيّ الإيرانيّ كمنطقة خفض تصعيد وزجّت بمزيد من الجنود والآليات وبطاريّات الدفاع الجوي على نحو يسمح لها بالتحوّل إلى نقاط انطلاق لقضم المزيد من الأراضي في محافظة إدلب، وجنوباً نحو حماة وشمالاً نحو أرياف حلب وضواحيها بهدف تكريس الاحتلال التركيّ لتلك المناطق السورية، ولكن استعادة الجيش السوري لتلك المناطق في أغسطس 2019، ومحاصرته القواعد التركيّة، شلّ حركة الاحتلال وأبقاها من دون أي فائدة منذ ذلك الوقت.
وإذا كان وزير الدفاع التركي الجنرال خلوصي أكار قد أكد في وقت سابق «أن انسحاب القوات التركية من نقاط المراقبة في إدلب غير وارد، وأن نقاط المراقبة غير قابلة للمساومة»، ما عكس ضمن أمور أخرى إصراراً تركياًّ عبَّر عنه الرئيس التركي نفسه رجب طيب أردوغان، الذي طالب الجيش السوري بالانسحاب من المناطق التي استعادها من الجماعات الإرهابيّة ما أسفر عن تطويق حوالي ثماني نقاط مراقبة تركية، فإنَّ ما يجري الآن من انسحابات تركيّة والمُرشّحة أن تتواصل من نقاط المراقبة المُحاصرَة كافة، يشي بأن «تهديداً» روسياً قد جرى إيصاله لأنقرة مفاده أن موسكو لم تعد قادرة على منع الجيش السوري من استكمال استعادته للأراضي السورية ولا راغبة ربما بمواصلة مهمة تزويد نقاط المراقبة المحاصرة بالغذاء والدعم اللوجستيّ، خاصة بعد رفض تركيا الطلب الروسيّ بسحب الأسلحة الثقيلة من منطقة خفض التصعيد. وقد رغب أردوغان بمقايضة عمليات انسحابه الجزئيّ من نقاط المراقبة بموافقة روسية على تسليمه بلدة «تل رفعت» التي تسيطر عليها ميليشيا «قسد»، في ضوء ترجيحات تتحدث عن قرب انطلاق عملية عسكرية للجيش السوري في جبل الزاوية، المنطقة الاستراتيجية الحاسمة، بعدما عزز الاحتلال التركيّ مواقعه.
ونشر مركز «جسور للدراسات والتنمية» في 23 أكتوبر تقريراً حول الدوافع العسكرية والسياسية وراء انسحاب تركيا من بعض نقاط المراقبة في إدلب. وتحدّث التقرير عن تداعيات تلك الخطوة ومستقبل الانتشار التركيّ في شمال غرب سورية.
وبحسب فرج عبد الحميد، القياديّ في ما يسمّى بـ «الجيش الحر» في إدلب، فإن «انسحاب تركيا من موقع مورك يشير إلى ضعف الموقف التركيّ تجاه السياسة الروسية في سورية. كما تدرك تركيا أن هذا الموقع قد فقد أهميته بعد استعادة الجيش السوري البلدات والمدن المحيطة.
أرادت أنقرة أن تنقل رسالة لمرتزقتها مفادها أن سيطرة الجيش السوري على هذه المناطق أمر واقع، ولا يمكن لتركيا خوض حرب لأجلهم في هذه المناطق وخسارة المزيد من الجنود الأتراك كما حصل في فبراير الماضي، حيث قتل الجيش السوري عدداً من الجنود الأتراك، اعترفت انقرة بمقتل سبعة عناصر فقط، وقد اعتبر أردوغان أن هذه النقاط العسكرية الجناح الضعيف لتركيا في حال وقوع اشتباكات مع الجيش السوريّ.
ولا شك في أنّ الرئيس السوري بشار الأسد لديه تصميم على رفع علم بلاده في كافة أنحاء سورية.
No comments:
Post a Comment