لا ينقضي العَجَب عندما نرى كلّ يوم مَن يتذمَّر ويُعْرب عن غضبه وقلقه من الحالة التي وصل إليها لبنان من جهةِ حضور مقاومتِه المُظفَّرة والتي استَطاعت حقيقةً وليس وهماً أن تُثْبت مكاناً له على الساحة الإقليمية بحيثُ أنّ هذه المقاومة أصبحت هي الوجود الأكثر ثِقْلاً على الكيان الاستعماري المُصطنَع.
فالغريبُ أنّ بعض اللبنانيين الذين لا يُحبّون لبنان إلا من خلال الأغاني والعنتريات والكِبَّة والدبكة عندما يُطرحُ أمامهم الاِستقلال الحقيقي عن كلّ التاريخ الاِستعماري السابق يُبادرون فوراً إلى الإنسلاخ عن مظهرهم «الإنساني» ذي النكهة اللبنانية ويَنكفئون إلى نفوسهم «الضَّبعيَّة» لأنّ طباعهم الأصلية غَلَبَت تطبُّعَهم المُتَصنَّع.
والمُتَتَبِّع لهؤلاء يلقى منهم عجباً:
ففئةٌ منهم تفضحهم مواقفهم وسقطاتُ ألسنتهم وقسماتُ وجوههم عندما يَنسونَ أحياناً أنّ ما يقولون ويُعلنون سوف يُنقل بوسائل مختلفة فيغوصون في ساعة تخلّ إلى أعماق نفوسهم ويغفلون عن الذي هم فيه من مكان وزمان ومحيط وظروف فينطقون بما يعتقدون حقيقة دون رتوش ويبُخُّون سمومهم من دون تكلُّف أو تصنُّع اعتادُوه.
لذلك نسمعُ أحياناً وعلناً كلماتٍ ومصطلحات لا يُمكن قَبولها بأيّ ميزانٍ من الموازين.
ومثال ذلك ذاك الذي يتحدثُ عن أهل وطنه وبعض محيطه على أنهم «غرباء» بحيثُ لا تُميِّز في خطابه بين صديقٍ وعدوّ:
فكلّ مَن جاراهم في أكاذيبهم ومهما كان أصله وفصله ومواقفه وتاريخه ومن أيّ جنسيةٍ أو قوميةٍ أو خلفية أو ثقافة… يُعتبرُ صديقاً!
بينما كلّ مَن خالفهم أعتُبِر من المنبوذين ولو كان من أهل الغيرة والأصالة ومن نفس الوطن أو المدينة أو القومية.
وها نحن اليوم نرى على وسائل التواصل كما نسمع من ذاك «الطبيب المُثقف» أنّ لقاحات الكورونا ينبغي أن تكون للبنانيين حصراً وليس للغرباء!
ولا ندري ألِهذا مرجعية سياسية ساكتة أم مُتغافلة أم مُتبَنِّية أم تقبل وتغضّ النظر؟!
وعلى كلّ حال فإنَّ مثل هذا «الطبيب المُتحضر والمُثقف الفينيقي» لا شك ولا ريب أنه أرعنٌ أحمق.
فلكلّ هؤلاء الذين يقفون على الأطلال التاريخية اللصيقة بوحشية الإستعمار نقول لِمن يفهم منهم أو يَعي:
إنّ الأحداث والأوطان لا تُقاس بالعقود الزمنية، فإذا كنتم تعتمدون على تاريخٍ أو وطن مُخترع ومُدعَّم بالأكاذيب والأضاليل فنتيجة ذلك إلى زوال لأنّ النصر يكون لِمن يعتمد على تاريخ الشعوب والحقائق والروابط الجغرافية والإنسانية الضاربة في عمق التاريخ.
فالذي اخترع «لبنان الكبير» وحدَّد بدايته هو ذاته وبيده وبإرادته وبقراره مع شركائه وطبقاً لمصلحته يُحدِّد نهاية لبنان الكبير لو استطاع!
فلبنان اليوم هو بالأصل جزء من «الشام الكبير» بعائلاته وعاداته واجتماعياته وجذوره وتاريخه وعلاقاته وسائر تفاصيل وجوده ومعيشته… وإنْ أنكر ذلك بعض مَن له أقارب وأرحام في كلّ بقاع الشام العزيز من أجل أن يبدو مُتميِّزاً مُتعالياً عن أهله وأصله وأصوله وإخوته وبني عمومته!
فَكُفُّوا عن نغمة الحدود النهائية للكيان، فالبدايةُ لم تكن بأيديكم والنهاية لا تكون بأيديكم.
لأنَّ الجديد الذي تتجاهلوه أنّ مقاومةً باسلةً جهاديةً مَنَّ الله بها على «بلاد الشام» فلم يعد للمستعمر فضلاً عن أذنابه وأبواقه صوتٌ مسموع، فالقرار ليس بيده والأمور تغيَّرت ويبقى أن تتغيّر عقولكم.
والذين اخترعوا سايكس بيكو بكلّ تفاصيله ليكون مع دولةٍ يهودية هي بمثابة حاملة طائرات للغرب ما زالوا أحياء مستمرّين في أحفاد «سايكس» كما أحفاد «بيكو»، ولكن الفرق أننا اليوم لدينا عصا غليظة تَضرب على رؤوسهم فينقلبُوا خائبين.
No comments:
Post a Comment