30 كانون الأول 2020 17:11
عادةً ما تكشف الاغتيالات الكبرى النقاب عن الكثير من الأسرار التي لا تقال في حضرة الحضور، ربما هذا ما يثير دهشتنا بعد كل اغتيال عظيم، لأننا ببساطة، نعرف أكثر.
مطلع كانون الثاني من عام 2020 الذي حمل في أيامه بلاءات يكاد لا يُعرف أيها موجعٌ أكثر. قصفت القوات الأميركية محيط مطار بغداد الدولي، وبدأت الإشارات التي تنذر بالسوء بالظهور، استشهد قائدان قيل إنهما “أعمدة الجهاد في هذه الأمة”، الحاج قاسم سليماني، والحاج أبو مهدي المهندس، بعدها بدأت الصورة تتضج، شيء ما حدث، العالم بعد استشهادهما ليس كما قبله.
ولأن العدسات التي توضع في مكانها المناسب تكشف حقائقاً لا لبس فيها عن ماهية العلاقات والأحداث، وتبثها بحرفية لإيصال الصورة كما هي، كانت كاميرا الميادين عام 2017، عام تحرير الموصل من داعش، في مكانها الصحيح، بدايةً، كانت في قلب معارك الموصل، وأعلنت النصر من داخلها، من الصفوف الأمامية، “بحضور استشهادي” كما وصفه نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق، أبو مهدي المهندس، قبل استشهاده بـ 4 سنوات.
وبعد التحرير، كانت عدسات الميادين تقف إلى جانب أبو مهدي المهندس، في جلسة خاصة كُشف فيها الكثير من الحب، استطاع رئيس مجلس إدارة شبكة الميادين، غسان بن جدو، الإضاءة على علاقة تجمع المهندس بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، سؤال بن جدو، كما يكشف الفيديو الخاص بالميادين نت، كان منطقياً في خضم جلسة خاصة، لماذا يشاهد أبو مهدي المهندس خطاباً للأمين العام؟ جواب المهندس كان واضحاً “السيد عزيزنا”. وفي اللغة العربية “العزيز” تعني “النبيل” و”المُكرّمٌ لدينا”.
استرسل الشهيد المهندس في الحديث عن علاقته بأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، قال إنه “قائد المقاومة، وقائدنا، السيد العزيز والمقاوم يتحدث عن تحرير الموصل، الأولى أني اسمع له، دائماً عنده شي جديد، يعطينا عزم وإرادة ودافعة قوية”.
قبل أيام، في مقابلة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على الميادين، قال الأخير إن “الشهيد أبو مهدي المهندس قائد عظيم وشخصية شبيهة بالشهيد سليماني..”. وقال إن المهندس “كان أحد قادة محور المقاومة بما يتجاوز العراق إلى كل قضايا المنطقة”. وأكّد السيد نصر الله أن الشهيد “كان شريكاً أساسياً في صنع الانتصارين على الاحتلال الأميركي وداعش”.
ومنذ أعوام قال الشهيد المهندس إن السيد نصر الله “قائد المقاومة”.. عجيب كيف ترى القادة العظماء تلتحم قلوبهم في ساحات الوغى حين يحتدم القتال كأنها دمٌ واحد، كأنها قرابةٌ سرمدية تصبح معها البلدان مجرد مسافاتٍ يمتلىئ فيها الفضاء بالبذل والعطاء.
أي سر يجمع أبو مهدي المهندس بالسيد نصر الله؟ لا أحد سيعلم كيف لتلك القمم الشامخة أن تنحني عطفاً وحباً وعشقاً بعضها لبعض، ربما هي أصوات المعارك وأزيز الرصاص، ومشاهد عزائم الرجال تخوض الموت، وتراقص المنايا المنتشرة على التخوم، تلوّح للحياة بقلبٍ مطمئن. أو هذا الحس الأبوي بأطفال العراق ولبنان وسوريا واليمن، وكل بقعةٍ تتوعدها أنياب الطغاة بسفك الدماء، وقطع الرؤوس، وهتك الأعراض، وسلب الممتلكات.
ربما هي الوجهة الواحدة لأولياء الله إلى السماء في ساعات التخلّي الطاهرة من كل ضعفٍ ووهنٍ وإستسلامٍ وتطبيع، كي تبقى المساجد بيضاء نقية من كل دم، وترتفع المآذن باسم السلام، وتقرع الكنائس أجراس الحب، ويغسل نهر دجلة مياهه من دماء الأبرياء وضفافه من بصمات التكفير، ويعبق تراب الجنوب اللبناني بأغنية العز، ويصدح شعراء اليمن وأدباء سوريا وموسيقى إيران على أيدي الرجال الرجال، صانعي عصر الإنتصارات.
استشهد المهندس غدراً لأن الخائبون عجزة عن المواجهة في الميدان. لكن “عزيزه” وآخرين ما زالوا على الخط، يحاربون طالما تذرف هذه البلاد العزيزة أبناءها.
No comments:
Post a Comment