انّ الدعوة التي أطلقت لعقد مؤتمر دولي تحت عنوان حياد لبنان، ليست في جوهرها، سوى دعوة للحياد بين محور الحق الذي تجسّده قوى المقاومة والتحرر في المنطقة، ومحور قوى الباطل الممثلة بالاستعمار والرجعية العربية، بل يمكن القول هي دعوة يائسة لن يُكتب لها النجاح لأنها تبغي الاستقواء بالدول الكبرى، وعلى وجه الخصوص الدول الغربية الاستعمارية منها، لإعادة فرض الوصاية على لبنان لتحقيق الانقلاب السياسي على المعادلة الداخلية بما يؤدي إلى تغيير وجه لبنان العربي المقاوم، والتخلص من المقاومة المسلحة والشعبية، التي حرّرت الأرض وهزمت جيش العدو الصهيوني، وجعلت من لبنان قوة رادعة تحميه من العدوانية الصهيونية وأطماعها في ثروات لبنان من نفط وغاز ومياه، هذه المقاومة التي بات كيان الاحتلال يحسب لها ألف حساب، ويخاف من تنامي قوّتها وامتلاكها الصواريخ الدقيقة الكاسرة للتوازن في الصراع معه، فأصبحت هاجسه، يسعى ليل نهار إلى التخلص منها عبر تحريك الدول الغربية للضغط على لبنان لدفع القوى المحلية التابعة له لإثارة الفتنة ضدّ المقاومة وسلاحها، بدعوة انّ «حزبها يهيمن على الدولة بواسطة السلاح»، وانّ رئيس الدولة العماد ميشال عون متحالف معه ويساعده في ذلك.. والهدف الذي يسعون إليه من وراء ذلك إنما هو محاولة لإعادة لبنان إلى الزمن الذي كان يتغنّى فيه البعض بمقولة «قوّة لبنان في ضعفه»، ليكون مجدّداً تحت الوصاية الاستعمارية الغربية الكاملة… ومسرحاً للاستباحة الصهيونية…
وإلا بماذا يفسّر الحديث عن وجود جيشين في لبنان، والدعوة إلى تحرير الدولة، وممن؟ سوى محاولة واضحة للتناغم مع الدعوات الأميركية الغربية الهادفة إلى نزع سلاح المقاومة عبر فرض تطبيق القرار 1559 الذي يصف المقاومة، بأنها ميليشيا مسلحة تمنع الدولة من بسط سيطرتها وسلطانها على كامل أراضيها، ويدعو الى نزع سلاح المقاومة باعتباره، حسب وصف القرار، عقبة أمام ممارسة الدولة لسلطتها الشرعية.. وأكثر من ذلك فإنّ الشعارات التي رفعت في ساحة بكركي، وصلت حدّ الدعوة إلى إخراج المقاومين ومؤيدهم من لبنان، من خلال ترديد شعار، «إيران برا برا»، أيّ أنه يُراد تضليل الرأي العام بالقول له، انّ المقاومين ومن يقف معهم هم جالية إيرانية وليسوا لبنانيين أقحاح يدافعون عن أرضهم ووطنهم وكرامتهم في وجه العدو الصهيوني والاستباحة الأميركية الغربية للسيادة اللبنانية، التي ينتهكها يومياً سفراء الدول الغربية في لبنان، ويهلل لهم «السياديون الاستقلاليون» الذين يرون انّ السيادة تتحقق عبر تلزيم لبنان للغرب، وأن يحكم من خلال مندوبين ساميين، أميركي وفرنسي.. في اشتياق من قبلهم للعودة إلى حكم القناصل، عندما كان لبنان خاضعاً لسيطرة سفراء الدول الاستعمارية الكبرى، في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.. وقد سمعنا ذلك الحنين إلى الماضي الاستعماري، عندما جاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت…
إنّ لبنان الذي انتصر بقوة معادلته الذهبية «جيش وشعب ومقاومة»، لا يمكن أن يتخلى عن سلاح قوّته ويكون محايداً في الصراع مع أعدائه الحقيقيين، الكيان الصهيوني وقوى الإرهاب التكفيري، المصنعين أميركياً ومن الأنظمة العربية الرجعية، الذين هزموا في حربهم التي شنوها تحت غطاء الربيع العربي، للقضاء على دول وقوى المقاومة، وفشلوا في إثارة الفتن ضدّهم، والسيطرة على أجزاء من لبنان لتحويلها إلى قاعدة لنشر فكرهم المتوحّش، وتهجير المسيحيين خدمة للمخطط الصهيوني العنصري الاستيطاني، الذي يريد إنشاء كيانات طائفية على شاكلته لتبرير القيام بتهجير جديد لأبناء فلسطين المحتلة وإعلان الدولة اليهودية العنصرية…
اليوم بعد أن أخفقت محاولات استغلال الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في 17 تشرين 2019، لإحداث انقلاب مماثل في أهدافه لانقلاب 2005، جرى استحضار الدعوة للتدخل الدولي للاستقواء به لفرض هذا الانقلاب تحت شعار حياد لبنان…
انّ الأكثر وطنية وانتماء للوطن، هم من يقدّمون التضحيات ويستشهدون في سبيل تحرير أرضهم والدفاع عنها، في حين أنّ الأكثر خيانة وعمالة هم الذين يقبلون بأن يكونوا أدوات في خدمة أعدائهم يتآمرون على وطنهم والمدافعين عنه.. فهؤلاء خونة لوطنهم وشعبهم لا انتماء وطني لهم…
ثم انّ الأكثر حرصاً على الدولة هو من يدافع عنها ويحميها ويقوّيها ويمكّنها من استعادة سيادتها وبسط سلطانها على أراضيها المحررة، بعد تحريرها، كما فعلت المقاومة بعد إنجاز تحرير معظم المناطق اللبنانية في الجنوب والبقاع الغربي، التي كانت تحت الاحتلال الصهيوني عام 2000، وكذلك فعلت بعد تحرير السلسلة الشرقية من احتلال الإرهابيين عام 2017.. وليس حريصاً على الدولة من سعى إلى إقامة الفدرالية وسيطر على مرافئ الدولة وقام بجباية الضرائب خلال الحرب الأهلية، ويعمل اليوم على منع تحرر الدولة من الارتهان والتبعية للدول الغربية الاستعمارية، ويسعى إلى تكريسهما، والتخلص ممن يكافح لتعزيز قوة الدولة وتحقيق الاستقلال الوطني، السياسي والاقتصادي، بعد أن جعل من لبنان، الصغير بمساحته، قوة تصنع الكرامة والعزة وترفع رأسه عالياً بين الأمم وترفع من منسوب اهتمام العالم به..
إنّ المقاومة هي التي أثبتت أنها الأحرس على تحرير الدولة من التبعية والارتهان المحتلين والمستعمرين، وتحرير الإرادة الوطنية من الوصاية الخارجية وجعلها حرة في اتخاذ القرارات التي تحقق المصالح الوطنية للبنان وجميع اللبنانيين…
انّ مشهد الحشد في ساحة بكركي، الذي طغى عليه الحضور القواتي، طبع بالشعارات المسمومة ضدّ المقاومة والدول التي مدّت يد المساعدة للبنان ودعمته لإعادة إعمار ما دمّره الاحتلال الصهيوني خلال احتلاله واعتداءاته، كشف انّ الهدف الحقيقي من عراضته في ساحة بكركي انما محاولة استغلال بكركي وتحويلها إلى منصة لإطلاق سهامه ضدّ المقاومة وحليفها الوفي فخامة رئيس الجمهورية، في تنفيذ أمين لتوجهات واشنطن وخطتها الخبيثة لشيطنة المقاومة، ومحاولة النيل من سلاحها الذي يرعب العدو الصهيوني، وتنفيذ انقلاب سياسي ضدّها وضدّ حلفائها، وهي الخطة التي صاغها السفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان، وعرضها في لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي اثر اندلاع الاحتجاجات الشعبية في 17 تشرين الثاني من عام 2019..
لكن هؤلاء نسوا انّ أصواتهم باتت نشازاً من الماضي، بعد التحوّلات التي أحدثتها انتصارات المقاومة، وأنّ موازين القوى لم تعد تسمح لهم بتكرار انقلاب 2005، ولا بإعادة لبنان إلى عصور الاستعمار الغابرة، ووصاية الدول الغربية، عبر سفاراتها في بيروت، للتحكم بسياساته وتحويله إلى محمية صهيونية أميركية غربية..
استفيقوا من أحلامكم الخائبة وهلوساتكم… لن تنجح خططكم في إعادة لبنان إلى زمن حكم القناصل.
No comments:
Post a Comment