المصدر: الميادين نت
15 أيار 14:55
الجواب كان دائماً، وسيبقى، هو خيانة الأنظمة العربية والإسلامية وتآمرها على الشعب الفلسطيني الذي أثبت عظمته بصموده في وجه أعتى كيان مجرم.
في نهاية العام الماضي، أصدرتُ كتاباً عن القضية الفلسطينية بعنوان “فلسطين لي أنا”، يتألف من 552 صفحة. استغرقت عملية الكتابة أكثر من 3 سنوات، لا بسبب تاريخ القضية الطويل فحسب، بل أيضاً بسبب ظروف العمل الصحافي، بما في ذلك السجن والملاحقات الأمنية والقانونية التي تعرضتُ لها بدءاً من نهاية العام 2016.
خلال هذه الفترة، وإضافة إلى كل ما أعرفه عن القضية الفلسطينية وكل ما عاصرته من أحداث، منذ أن كنت طالباً في ابتدائية مدينة جرابلس، وكان أحد أساتذتي مصرياً يدعى محمد نور الدين الطنطاوي، قرأت عشرات الكتب ومئات المقالات عن فلسطين وتاريخها، وهو ما كنت مهتماً به أساساً منذ صغري، إذ التقيت الزعيم الراحل جمال عبد الناصر عندما زار مدينة حلب في شباط/فبراير 1959.
مرَّت كل هذه السنوات الطويلة وأنا مؤمن بالقضية الفلسطينية، وأعتقد أنني على اطّلاع على أدق تفاصيلها، بما في ذلك جوانبها الدينية التي تلتقي وتتناقض في كثير من الأوقات مع الأساطير التي يشتهر بها اليهود. ومن دون الضلوع في هذا الجانب الصعب، إذ إن لكل دين أطروحاته الخاصة، فالحديث عن القضية الفلسطينية لا يحتاج إلى كثير من التعب لوضع النقاط على الحروف في تفاصيلها، وهو ما حاولت أن أثبته في كتابي.
إن السبب الرئيسي لوجود قضية فلسطينية هو تآمر الأنظمة العربية والإسلامية ضد الشعب الفلسطيني، والسبب الثاني في ذلك هو تآمر الدول الاستعمارية والإمبريالية وغدرها، وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا، ولاحقاً أميركا، التي أدت الدور الرئيسي في قرار التقسيم في الأمم المتحدة، ثم قدمت كل أنواع الدعم للكيان الصهيوني المصطنع. أما السبب الثالث، فهو الانقسام الفلسطينيّ الداخليّ، وسببه إلى حد كبير هو السببان الأول والثاني. وإلا، لا يمكن لأي إنسان عاقل أن يقتنع بـ”معجزة” اليهود في هجرتهم من كل أنحاء العالم إلى فلسطين، ثم نجاحهم في إقامة كيانهم الديني والسياسي والجغرافي في نصف الأرض الفلسطينية في العام 1947، على الرغم من اعتراض الدول العربية وشعوبها آنذاك.
كما لا يمكن لأي إنسان عاقل ومنطقي أن يتقبّل الأساطير اليهودية التي تتحدّث عن أحقية اليهود في هذه الأرض وقدراتهم العظيمة على الانتصار على الدول العربية، ومعها الإسلامية.
الجواب دائماً كان، وسيبقى، هو خيانة الأنظمة العربية والإسلامية وتآمرها على الشعب الفلسطيني الذي أثبت عظمته بصموده حتى الآن في وجه أعتى كيان مجرم وقاتل وظالم. السؤال هنا، وكما كان في كتابي: إذا استمر هذا التآمر، هل سيعني ذلك نهاية القضية الفلسطينية وغياب ما تبقى منها عربياً وإسلامياً وإنسانياً؟
الجواب من دون أيّ تردد: لا، لن تنتهي القضية الفلسطينية إلا بزوال “إسرائيل”، وهو ما سيتحقق، عاجلاً أو أجلاً، ولكن خلال سنوات قليلة قادمة. ليس من العقل والمنطق، ولو بذرّة واحدة، أن يحكم 7 مليون يهودي، ولهم مشاكلهم المعقّدة، من التمييز العنصري إلى الأزمات الاجتماعية والنفسية والأخلاقية، 400 مليون عربي يقولون “إن القدس قبلتهم الأولى”.
كما ليس من المنطق والعقل أن يقرر 20 مليون يهودي، وهو عددهم في العالم برمّته، مصير كل المعادلات الإقليمية والدولية ومستقبلها، من دون أن نتجاهل التشابك بين مصالحهم ومصالح الدول والقوى الإمبريالية، فالعقل والمنطق يقولان إنَّ أحلام اليهود هذه، مهما كانت انتصاراتهم حتى الآن، على وشك أن تنهار، مهما نجحوا في استعباد العديد من الأنظمة العربية والإسلامية. وقد بات واضحاً أن الخيانة متأصّلة في جيناتهم، وحتى في ما تبقّى من عروقهم الناشفة.
لقد أثبتت السنوات العشر الماضية صحّة ما يقوله المنطق والعقل، عندما صمدت المقاومة في سوريا ولبنان وإيران والعراق وفلسطين واليمن في وجه التآمر العربي والإسلامي والعالمي الَّذي كان هدفه تدمير المنطقة لتصبح لقمة سائغة ليهود العالم، الذين ما زالوا يحلمون باستعباد شعوب المنطقة من النيل إلى الفرات، وإلا لما فكروا في الهجرة من بلدانهم التي كانوا يعيشون فيها منذ مئات السنين إلى فلسطين، وهم لا يرتبطون ببعضهم بعضاً إلا بالديانة، لأنهم من أعراق مختلفة.
هذا الأمر يتطلَّب توحيد الخطاب العربي والإسلامي ضد سفسطات اليهود، الذين يقولون إنَّهم من قومية واحدة، وهم يكذبون على العالم في ما يتعلق بـ”المحرقة النازية” التي أنكرها العديد من المؤرخين اليهود، ولكن اعترف بها العديد من العرب والمسلمين الخونة، رغم أنها من مسؤولية الغرب، فلماذا يدفع الفلسطينيون ثمنها!
وأياً كان عدد هؤلاء الخونة والمتآمرين، وكلّ من وقف، وما زال، إلى جانب اليهود، وهو ما رأيناه خلال سنوات ما يسمى بـ”الربيع العربي”، فالتطورات الأخيرة أثبتت بكل وضوح أنّ “إسرائيل” إلى زوال محتوم من دون أيّ شك، فالشعب الفلسطيني بكلّ مكوناته وفصائله بات مؤمناً بأنه الوحيد، وبإرادته الذاتية، الذي يستطيع أن يتصدى للإرهاب الصهيوني ويدافع عن نفسه. وفي الختام، يتخلَّص من هذا الكيان المصطنع، ليعود كلّ يهودي إلى المكان الذي جاء منه، ويصبحوا جميعاً قضية تلك البلدان!
كما بات واضحاً أنَّ السلاح هو السبيل الوحيد بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني لتحقيق أهدافه، وما عليه إلا أن يحصل على هذا السلاح ممن قدّمه له حتى الآن، على الرغم من كل الصعوبات والمخاطر والتضحيات، وكان آخرها اغتيال الشهيد قاسم سليماني. وكان قبله استشهاد العشرات من رجال المقاومة في لبنان وسوريا، ومنهم عماد مغنية وسمير القنطار، ومعهم كل من جاء إلى نصرتهم من إيران أو أي مكان آخر.
لقد كان هذا التضامن، وسيبقى، كفيلاً بتلقين الكيان الصهيوني الدرس الذي يستحقّه على طريق التخلّص منه، ما دام يرفض السلام، فلا يمكن لمواطني “إسرائيل” أن يقبلوا بهذا السّلام، لأنهم جاؤوا إلى فلسطين وهم مؤمنون بالعقيدة الصهيونية التي تقول “إن فلسطين لليهود، وإن القدس عاصمتهم الأبدية والتاريخية والدينية”.
وما على الشعب الفلسطيني ومن معه من الشعوب العربية والإسلامية وشعوب العالم الشريفة، إلا أن يثبتوا العكس، وهو ما يعني المزيد من التلاحم والتضامن الفلسطيني الداخلي أولاً، وبالتالي العمل الاستراتيجي مع دول وقوى المقاومة والممانعة. ومن دونها، لن يستطيع أحد أن يلقن الصهاينة الدرس الذي يستحقونه، والذي بات قريباً.
لهذا السّبب، كانت سوريا التي وقفت دائماً إلى جانب المقاومة الفلسطينية الهدف الرئيسي في مجمل مخططات الغرب و”إسرائيل”، بعد تحييد مصر والأردن باتفاقيتي “كامب ديفيد” و”وادي عربة”. كما كانت إيران الهدف الآخر في مخططات الغرب و”إسرائيل” ومشاريعهم، لأنَّها وقفت، وما تزال، إلى جانب سوريا وفلسطين. وقد انتصرت دمشق وطهران معاً في أصعب معادلة شملت، وما زالت، العنصر الأخطر بالنسبة إلى الكيان الصّهيونيّ، الّذي يعرف أنّ زواله بات قريباً على يد رجال المقاومة الإسلامية في لبنان ومن معهم داخل الأرض الفلسطينيّة، وهو ما أثبتته تطوّرات الأيام القليلة الماضية، وقبل ذلك حرب تموز/يوليو 2006.
كما أثبتت التفاصيل العسكرية الدقيقة والخاصة بهذه التطورات أن عسكر الكيان الصهيوني جبناء، على الرغم من كل ما قيل ويقال عن ترسانتهم الحربية، التي لم يتبقَّ منها سوى القنابل النووية أو الجرثومية أو الكيماوية التي باتوا يترددون في استخدامها، لأن المقاومة بدورها ستردّ الصاع صاعين.
هذا الاحتمال، بدوره، سيستعجل مسار زوال “إسرائيل”، ما لم تتراجع عن سياساتها العدوانيّة الإرهابية وتحترم حقوق الشّعب الفلسطينيّ، والشعبين السوري واللبناني أيضاً، وتنسحب من جميع أراضيهم المحتلّة، وهو الاحتمال الأضعف، لأن “إسرائيل” التي لم ترضَ بـ22 ألف كم مربع من الأرض الفلسطينية، تحلم بـ2.2 مليون كم مربع من الهلال الخصيب الذي يمتدّ من النيل إلى حدود الفرات ودجلة وجبال الأناضول.
وقد أثبتت السنوات السبعون من “قيام الدولة العبرية” أنَّ شعوب هذه المنطقة والجغرافيا العربية عموماً لن تتقبل بهذا الكيان المصطنع، مهما كان تآمر أنظمتها على القضية الفلسطينية، وهي ستزول أيضاً مع زوال “إسرائيل”.
فيديوات مرتبطة
No comments:
Post a Comment