بقلم نارام سرجون
لاأحب السجون .. ولاأحب السجانين .. وأحس أن السجون ليست مجرد غرف ضيقة وزنزانات وقضبان لكنها كل مايحاصرك ويجعلك تحس أن هناك نهاية لمشوارك عندما ترتطم بالجدار والسور والقضبان ..
لافرق عندي بين زنزانة ضيقة وبين مدينة تسجنني أسوارها داخلها .. ولافرق عندي بين مدينة تحبسني في أسوار وبين بلاد واسعة ليس فيها باب نحو الحرية .. بل تستوي عندي الزنزانة والقارة عندما أحس أنني سجين في حدود القارة خلف سياج المحيطات .. ولعلي سأخوض في ماء المحيط محبطا نزقا مثلما فعل عقبة بن نافع في مياه المحيط عندما انتهى بجيشه الى حدود افريقيا الغربية وقد أحس انه صار وجها لوجه مع قضبان المحيط الزرقاء التي تسجنه في قارة افريقيا الفسيحة .. ماأضيق القارة عندما تكون لها قضبان وحدود من شواطئ .. وماأضيق الكوكب عندما يكون له أقفال من الفيزياء وقضبان من الجاذبية تحبسك فيه .. ولطالما انتابني شعور أن الأرض كلها لاتكفيني كي أكون طليقا وحرا عندما عرفت أن لها سياجا وقضبانا وجدرانا بناها اسحاق نيوتون .. وعندما أحسست ان أن الغلاف الجوي جدار آخر وانني لاأقدر على تجاوز حدود الكرة الأرضية احسست بالضيق وأنني في زنزانة ضيقة وصرت أحلم برحلة سأنطلق فيها نحو ساحات الكون الفسيح حيث اللاحدود وحيث لايقيدني ضوء اينشتاين.. حتى اذا ماانتهت حدود الكون فسأبحث عن ساحات ماوراء الأكوان ..لأنني أكره السجون والحدود .. وأعبد الحرية .. ومحبتي لله هي فقط لأنه كان دوما بلا حدود ..
وحده سجن حلب .. صار معقلا من معاقل الحرية المطلقة وصار أوسع من الكون لي .. وهذه أول مرة تدخل فيها الحرية سجنا لتمارس حريتها !! .. السجن صار آلهة الحرية .. لأن الكون صار مليئا بالقضبان الحديدية والأقفال والسجانين المجانين .. سجون الأمم المتحدة والعولمة وسجون الديمقراطية الغربية وأساطيل اميريكا ومعاييرها العمياء .. أما سجن حلب فيكسر قضبان الكون ويسجن السجانين ..و"يعطيني حريتي ويطلق يديّ" ..
ورمزية الحرية في سجن حلب هي تناقض مثير للدهشة .. لايشبهها في غرائبيتها الا شعر التصوف .. كأنها قصيدة صوفية للحلاج الذي يرى الحياة في الموت والموت في الحياة عندما يقول:
اقتلوني ياثقاتي .....ان في قتلي حياتي
ومماتي في حياتي ..... وحياتي في مماتي
وهي تشبه الشعر الصوفي في قول فيلسوف عربي (وأحسب انه الأمير المكزون) عندما يقول: أنا في فقدي وجودي ومغيبي في شهودي .. وانتباهي في منامي .. واعترافي في جحودي .. وحياتي في مماتي .. وقصوري في لحودي .. وقيودي في سراحي .. وسراحي في قيودي ..الخ)
ان في انتصار السجن في حلب رمزية النار والبرد في قصة ابراهيم .. (يانار كوني بردا وسلاما على ابراهيم) .. فرهبة السجن وظلمته صارت رمزا للحرية والسلام والنار الباردة على القلب لأن هذا السجن واجه النار وحرائق الكراهية ولم يتحرر بثوار الحرية المريضة .. فالحرية صارت سجنا في زمن الأحرار ..والسجن صار الحرية ..
سجن حلب لم يعد سجنا عاديا .. بل هو أول سجن صنعت فيه أسطورة وملحمة للحرية من داخله .. وهو أول سجن تزغرد له الحرية ويكون من بداخله طليقا ومن يحاصره سجينا .. سجن حلب سيغير قصيدة أبي فراس الحمداني الذي تمنى الحرية وهو سجين عندما تعجّب وقد ناحت بقربه حمامة فقال: أيضحك مأسور وتبكي طليقة؟؟ في سجن حلب تحققت نبوءة أبي فراس .. فمن كان في السجن كان طليقا .. ومن كان خارجه كان اسيرا ..
لكن السجن الذي صار مدرسة للفلسفة واضافة جديدة للرؤى الصوفية واللاهوتية دخل تاريخ الحرب كأحد أروع الدروس العسكرية في العالم .. لأن أعداد من قتل من المرتزقة على حدود السجن تكاد لاتصدق ويشبه ملحمة منزل بافلوف في ستالينغراد ..
ومنزل بافلوف هو أحد المباني التي تطل على وسط ستالينغراد ودافعت عنه فصيلة سوفييتية صغيرة بقيادة ياكوف بافلوف وتحول المعركة حوله الى أشهر معارك القرن العشرين ..
ويذكرني حجم الخسائر الهائلة التي تكبدها المسلحون لاقتحامه بما قاله بافلوف عن تلك المعركة التي فشل فيها الألمان في اقتحام ذلك المبنى اذ قال: ان الألمان الذين قتلوا في محاولة اقتحام منزل بافلوف أكثر من الألمان الذين قتلوا في احتلال باريس !!.. وستكشف الأيام لكم ان عدد من قتلوا من المسلحين والارهابيين في محاولة اقتحام السجن أكثر من الألمان الذين قتلوا في احتلال فرنسا كلها !!..
ابقاء السجن حرا من السقوط كان الياذة عسكرية ..وقد سمعت أكثر من مرة عن يقين غرفة العمليات العسكرية التركية المشرفة على المعركة من نهايتها بل وتخطيطها لما بعد معركة السجن كونها حسمت .. نهاية معركة السجن لها دلالات ومعان على سير معارك حلب .. وهي رسالة لكل من يقول ان الدولة متلكئة في تحرير حلب بأن انفراط العقد الارهابي سيبدأ من السجن .. وهي تدل على أن أن تكتيك الدولة في تحرير حلب سيمر بمفاجآت وأن بقية حلب صارت أقرب الى التحرير .. ولايبدو أنه يمكن التنبؤ بنوع التحرك القادم وحجمه .. ولكن يبدو من التحرك ان المسلحين في حلب سيكونون في سجن كبير يحيط بهم .. فيما يتابع الجيش مشواره نحو الحدود التركية ليغلقها .. ليسجنهم في تركيا في ضيافة اردوغان ..
ولذلك يتوقع البعض أن يلجا المعارضون لتكتيك امتصاص الاحباط بفتح معركة جديدة في مكان وخاصرة رخوة لاقيمة عسكرية لها كما حدث في كسب بعد معركة يبرود وفي معارك الساحل بعد معارك القصير والقلمون .. تكون الغاية منها شد معنويات المسلحين الذين لن يلومهم أحد على احساسهم الشديد بالاحباط واليأس بعد توالي الهزائم المدوية .. وهزيمتهم في معركة السجن مباشرة بعد نهايتهم في حمص القديمة ذات دلالة بالغة .. لأن سجن حلب حوصر ربما في نفس توقيت حصار الجيش السوري لحمص القديمة .. والنتيجة أن الجيش كسب معركة حمص القديمة ودخلها واندحر المسلحون .. أما المعارضة التي توفرت لها افضل الظروف لاقتحام السجن فانها خسرت المعركة واندحرت عن أسوار السجن .. المحاصَرون (بفتح الصاد)في حمص اندحروا .. والمحاصِرون (بكسر الصاد) لسجن حلب اندحروا .. خسارتان مزدوجتان في زمن قياسي لمسلحين سواء كانوا محاصِرين أو محاصَرين ..
كنت أراقب سير المعارك والمنازلة المصيرية مع الموجة الاسلامية في المنطقة ولكني الآن سأكون قادرا على اعطاء تصور لمصير الحركة الاسلامية في سورية والمنطقة بعد أن انتهت معركة سجن حلب .. وهي التي ستبدأ منها رحلة النهاية للموجة الاسلامية .. وسيكون أثرها مثل أثر سقوط سجن الباستيل الشهير في الثورة الفرنسية .. فياسبحان الله منذ قرنين سقط سجن فنهضت الحرية .. واليوم ينتصر سجن فتنهض الحرية .. فسقوط السجن بعد طول المعارك يدل على أن هناك قبولا الآن بقدر الهزيمة للمشروع الاسلامي الذي لم يهرول أحد لانقاذه .. لأن الأتراك كان يعنيهم جدا ألا تتم خسارة السجن من خلال اهتمامهم جدا بسير المعارك فيه ..واليوم سقط امام عيونهم وهم يتحسرون ولايقدرون على فعل الكثير له..
الموجة الاسلامية العنيفة بدأت بالترنح والتمزق وبدأت بدخول المعتقل كما يدخل الجناة وأصحاب السوابق الجرمية السجون بالأحكام الشاقة المؤبدة بحكم محكمة عليا لايقبل النقض .. ونحن لانحتاج دليلا على ذلك .. فالاسلاميون وقعوا في فخ نصب لهم بسبب غبائهم وتهورهم وتعطشهم للسلطة وهوسهم بلعبة اعادة الحياة للموتى بقتل الأحياء .. لاندري بالضبط من الذي رسم هذا الفخ لهم أهم الأمريكيون أم الاسرائيليون أم فرسان الهيكل؟؟ .. لكنها كانت خطة عبقرية .. لاتضاهيها الا عبقرية الديبلوماسية السورية والمحور الروسي الايراني السوري الذي أدار الموجة كما يريد وشتتها ..
من يتابع التحالف بين الاسلاميين والغرب يجد أنه لم يكن تحالفا بل استخداما .. استخدم الأميريكيون الاسلاميين في افغانستان بعقد تخادم وعندما انتهى عقد الخدمة لم يعرف الاميريكون كيف يتصرفون مع هؤلاء "العاطلين عن القتال" سوى وضعهم في الثلاجات بانتظار معركة قادمة .. ولكن كانت اسرائيل سباقة الى استخدام الفكرة في مجال آخر .. فسهلت قيام حركة حماس في الأراضي المحتلة من أجل تحطيم منظمة التحرير الفلسطينية .. ونجحت نسبيا في شق الفلسطينيين لكن المحور السوري الايراني دخل الى قلب اللعبة وغيّر برمجة الاسلاميين - ومنهم حماس - لصالح المشروع التحرري ..
أعاد الاميريكون انتاج الفكرة الاسرائيلية على نطاق أوسع باستخدام الاخوان المسلمين والتيارات الدينية في تفتيت القوى الاجتماعية العربية والقومية وضرب نهج المقاومة الصاعدة عبر توريط الاسلاميين في صراع مع كل مكونات المجتمع .. وكانت رائحة السلطة ومذاقها يغريان الاسلاميين الجياع فأصيبوا بالدوار وسال لعابهم حتى تبللت لحاهم واخضلّت ..وقديما كانت اللحى تخضل من البكاء من خشية الله.. أما لحى اليوم فلا يبللها الدمع بل اللعاب والشبق ..
من الواضح الآن أن الاسلاميين قد ساروا في مغامرة اكتنفها التعجل والهرولة لاقتناص الفرصة الذهبية دون تبين ودون دراسة أو حكمة ..استدراج الاسلاميين الى عسل السلطة كان دهاء .. لأن الاسلاميين ارتكبوا أكبر حماقة في تاريخ الحركات الدينية عندما قبلوا بالتخلي عن ثوابتهم الدينية وحولوا "مشروع الله الروحي" الى "مشروع براغماتي حزبي" .. وظهر ذلك في فضائح متتالية لعل أكثرها قسوة كان خطاب محمد مرسي لصديقه العظيم بيريز ...
بيريز الثعلب فاجأ الاخوان بكشفه بخبث للخطاب بعد أن استدرج سذاجتهم .. فلم يعد الاخوان قادرين على التنصل منه والا اعتبر تنصلا من تعهدات قدموها للغرب ببدء مشروع سلام وانهاء للصراع مع الاسرائيليين .. لأن كشف الخطاب بدا امتحانا لهم في نظرهم أمام الغرب .. لكن الغاية من نشر الخطاب هي ضرب مصداقية الاخوان وتوريطهم في محاكمة ثوابتهم ومنطلقاتهم اللاهوتية من قبل الرأي العام وابقاؤهم في حالة دفاع عن النفس .. فتعاظمت خشيتهم من انقلاب الرأي العام بشدة وازاد اعتمادهم على دعم الغرب ..
والفخ الثاني كان في ارغام حزب النهضة التونسي على التراجع علنا عن خطاباته القديمة وتحوله الى سياسة تطبيع مع اسرائيل ومع الثقافة التغريبية وصلت حتى السماح بالبكيني والسياحة الاسرائيلية ..
وأما الفخ الثالث فكان في توريط حماس في الربيع العربي في مصر وسورية حتى تحولت الى أكثر حركة فلسطينية مكروهة في المنطقة .. لأنها اشتركت في مشروع يشبه مشروع شق الشق الفلسطيني سابقا لكنه على نطاق أوسع .. وهو شق المجتمع العربي بين اسلامي ولا اسلامي بعد ان كانت حماس نقطة التقاء والتحام مفترضة بين الاسلاميين واللاسلاميين العرب بحكم وضعها الخاص كمقاومة فلسطينية ..
وعملية توريط الاسلاميين في العنف كان أيضا فخا تورط فيه الاسلاميون كالأطفال الاغبياء رغم أن أهم نقطة قوة كانت معهم جماهيريا هي أنهم لعبوا دور الضحية دوما في الوعي الشعبي ونالوا ختى تعاطف الحركات العلمانية وشخصياتها .. لكن عنفهم المذهل الذي لم يلق توجيها ذكيا من قياداتهم ولم يتم حصره ومنع تفشيه جعلهم غير صالحين بعد اليوم للقيام بدور الضحية .. بل دور الشرير الماكر الغدار الانتهازي المتوحش والمكروه ..
كلها ورطات كان المقصود منها ضرب قوى المجتمع ببعضها وضرب الحركات الاسلامية .. ووصول من ينتصر منها الى نهاية الصراع منهكا ضعيفا لايقدر على خوض صراع آخر فيستسلم .. والغباء لدى الاسلاميين كان أن وصولهم الى السلطة بالصراع مع قوى المجتمع يعني وصولهم منهكين قلقين متوترين مستعدين لتقديم التنازلات المؤلمة .. ومع هذا فانهم أقنعوا أنفسهم ان الغرب انما يريدهم لأنه يعرف مكامن قوتهم وأن احتواءهم لم يعد سهلا فقرر التحالف معهم .. نظرة فقيرة للغاية ملأتها الأوهام وعملية النفخ بالقدرات التي مارسها البعض وربما مارسها الغرب ليقع الثور في الفخ .. ولكن نجاح هذه الورطات كان بسبب غياب العقول الاستراتيجية التي كان يجب عليها أن تعرف قدراتها وقدرات الآخر .. وكل من كان يتابع الحركات الاسلامية كان يخشى شيئا واحدا تقوم به هذه الحركات وتقلب الطاولة على الجميع .. وهو أن تتحالف على الفور مع القوى المحلية للمجتمعات رغم تناقضاتها معها .. لأن التناقض مع الغرب "الاستعماري - المسيحي - الصهيوني - الرأسمالي - الكافر " هو أكبر من أي تناقض بين الاسلاميين وبين أية قوى اجتماعية محلية ..مهما كانت درجة التناقض المحلي .. فالشيوعي أو الشيعي أو المسيحي الشرقي أقرب اليهم من اسلامي أميريكي أو أفريقي أو هندي أو باكستاني .. ومع هذا لم يفكّ الاسلاميون هذه الشيفرة السرية ..
حزب الله اكتشف هذه الشيفرة وتحالف مع القوى المحلية العلمانية والمسيحية على مبدأ الأرضية الوطنية الصلبة فاستمر بالنمو .. وهذا لايشبه تحالف القاعدة وجبهة النصرة مع سمير جعجع في لبنان ومع نتنياهو في الجولان على أرضية تحالف المصالح وتحالف الشياطين والمجرمين وقطاع الطرق واللصوص..
التعب بدأ يتسرب الى الحركة الاسلامية لأنها غامرت مغامرة ليس فيها حكمة ولاتروّ ..والغرب في صدد التخلص منها تدريجيا دون ان يخوض معها مواجهة مباشرة .. بل تركها الآن لمصيرها بعد أن ورطها في لعبة الربيع العربي لتتصارع مع القوى المحلية في المنطقة التي ستتولى عملية الاجهاز عليها بعد أن اعلنت هذه الحركات الاسلامية الحرب على الجميع بغباء مثير للدهشة ..
وبدأ تشقق الحركات الاسلامية في أول تراجع لها والمتمثل فيما قاله السافل خالد مشعل في قطر معترفا "بفضل الرئيس الأسد" على المقاومة الفلسطينية .. وهذه أول مراجعات علنية لأن المراجعات السرية هي أكبر من ذلك بكثير ..وبالطبع الرئيس الأسد لن يسمع ذلك التصريح ولايريد ان يسمعه ولايعنيه ..
والشعب السوري يعتبر هذا التصريح اهانة جديدة من الاهانات التي يوجهها السافل مشعل للشعب السوري .. لأن مشعل عليه ان يعتذر للشعب الفلسطيني أولا بما تسببه من اذى له ولقضيته حيث جعل مشعل الفلسطيني رغما عنه رمزا للغدر والانقلاب لأن مشعل ذهب الى استانبول والدوحة وأعطى شرعية لقتلة الشعب السوري وشرعية للناتو في ضرب الشعب السوري من تركيا باسم الشعب الفلسطيني دون أن يوكله الشعب الفلسطيني بذلك..
كان السوريون يعتقدون أن أي شخص يمكن أن ينقلب عليهم الا خالد مشعل وقادة حماس .. كان مقبولا أن ينقلب أردوغان وأمير قطر وملك السعودية .. والحريري ووليد جنبلاط .. وحتى حسن نصر الله كان يمكن تفهم انقلابه لأن نصر الله لايعيش ضيفا على أرض سورية بل على أرضه ويمكن ان ينقلب لأنه مكون سياسي لبناني على ارض لبنانية وسيراعي لبنانيته قبل صداقاته وعهوده ..
أما حماس ومشعل فكانا يعيشان على أرض سورية وتحت رعاية وحماية دولة وشعب سورية .. بل ان رئيس سورية وقف يوما بمروءة وقرر رفض طرد ضيوفه عندما جاءته رسالة بوش الصارمة لطردهم .. وعلى العكس أكرمهم وأعتقهم من عبودية عواصم العرب وذل السؤال .. وأعاد الى الذاكرة موقف هانئ بن مسعود الشيباني الذي رفض تسليم وديعة النعمان بن المنذر لكسرى وخاض معركة ذي قار الشهيرة من أجل الحفاظ على الوديعة والأمانة .. وديعة فلسطين كانت خالد مشعل ورجاله في عهدة دمشق والرئيس بشار الأسد .. حتى كاد كسرى واشنطن (بوش) يدخل حربا طاحنة مع السوريين من أجل طرد الوديعة الفلسطينية .. ولكن السوريين أبوا لأن المروءة تقتضي أن ننصر من يستجير بنا وأن نصون الأمانة .. واذ بالوديعة تستحيل الى ثعبان يلدغنا في نومنا من أعناقنا لتفتح الأبواب لكسرى أميريكا ..
وللمفارقة فان نفس الموقف الرجولي وقفه الأسد مع حسن نصرالله عندما كان كسرى بوش يريد من الأسد تسليم وديعة المقاومة في لبنان بالتخلي عنها عام 2006 لاسرائيل .. وكاد الأسد في ذلك العام يخوض حربا من أجل الحفاظ على الوديعة اللبنانية وعلى العهد والوعد فمدها بالسلاح والصواريخ .. ولكن الوديعة اللبنانية الوفية استحالت في يده اليوم الى سيف عندما داهمته في بيته الذئاب .. الفرق بين السيف والثعبان هو الفرق بين نصر الله ومشعل ..
على كل حال .. مشعل ليس ترمومترا للسياسة مثل وليد جنبلاط الذي يشبه ميزان حرارة زئبقيا .. ولم يعد مشعل حتى صندوق بريد المنطقة بل صندوق قمامتها حيث تلقى فيه التصريحات مثل المناديل الورقية المستهلكة ومثل الاوراق التي انتهت صلاحيتها .. فانقلابه الأول على سورية كان رسالة غربية بأن الحركة الاسلامية كلها دخلت مرحلة البراغماتية وتخلصت من مشروع الله .. وانقلابه الثاني اليوم الذي أعلنه مشعل يقول ان الخطة الأمريكية في تحطيم المشروع الاسلامي نجحت بدليل ان المشروع يحس بالضياع والتيه والتذبذب والتراجع وتتفكك مكوناته وتبحث كل قطعة لنفسها عن وجهة سفر ورحلة جديدة .. وخالد مشعل يشم اليوم رائحة الهزيمة المرة ويشم رائحة النار قي ثيابه المحترقة وجلده ويبحث عن قطرة ماء واحدة تبرد قلبه .. لكن كل الماء في الشام .. ولن ينال قطرة واحدة ..
مشعل يحاول ركوب منصة ايران للنجاة من الحريق وهو يعلم أن ابواب دمشق مغلقة أمامه الى الأبد .. وأنه يمكن ان يفتح مكتبا له على المريخ ولكن ليس في دمشق ..
اعتذار هذا الثعبان الذي يلدغ في الأعناق لايعني شيئا للشعب السوري مالم يعلن أن خليفة المسليمن أردوغان لص وسارق ومجرم وخادم ناتو حقير !!
اعتذار هذا الثعبان الذي يلدغ في الأعناق لايعني شيئا للشعب السوري مالم يعلن أن القرضاوي هو راسبوتين الشرق ويستحق نفس مصير راسبوتين ونهايته السوداء .. وان تقطع يده التي كان يقبلها له اسماعيل هنية!!
اعتذار هذا الثعبان الذي يلدغ في الأعناق لايعني شيئا للشعب السوري مالم يعلن أن قطر محتلة مثل كل الخليج العربي وان دماء مئات آلاف العرب في رقبة عائلتها الحاكمة التي تستحق محاكمة مثل محاكمة نورنبرغ !!
اعتذار هذا الثعبان الذي يلدغ في الأعناق لايعني شيئا للشعب السوري مالم يعلن أسماء المتورطين من منظمته في دعم المسلحين وحفر أنفاقهم وفي توريط المخيمات الفلسطينية في الأزمة السورية !!
اعتذار هذا الثعبان الذي يلدغ في الأعناق لايعني شيئا للشعب السوري مالم يحرق علم الانتداب الفرنسي بيده في نفس المكان الذي رفعه فيه مع الثعبان الثاني اسماعيل هنية .. ويرفع مكانه العلم الوطني السوري ..
باختصار .. اعتذار هذا الثعبان الذي يلدغ في الأعناق لايعني شيئا للشعب السوري الذي يرى أن اثنين لايمكن أن يدخلا دمشق هما: خالد مشعل .. وبنيامين نتنياهو .. كلاهما عدو للشعب السوري والشعب الفلسطيني الذي ظلم وبنفس الدرجة .. من قبل خالد نتنياهو .. وبنيامين مشعل !!..
والتحرك الايراني لارسال رسالة عبر صندوق قمامة الشرق .. وهو تحرك ليس اعتباطيا لكنه مناروة ذكية لتفكيك المشروع الأمريكي قطعة قطعة .. وسيقرؤها الأمريكي على ان الايراني وحلفاءه قد تمكنوا من صعود القاطرات الاسلامية التي تحركها أميريكا وسيبدأ التحكم بها قريبا .. وستنقلب المعركة من جديد ..
قطار الحرية انطلق .. من محطته الكبرى في سجن حلب .. وكما انطلقت الثورة الفرنسية عند سقوط الباستيل واجتاحت باريس وحررتها .. فان معركة الباستيل الحلبية وتحريره من حصار المرتزقة ستفتح الطريق نحو تحرير باريسنا الجميلة الشهباء التي اشتفنا اليها واشتاقت الينا ..حلب ..
قطار الحرية انطلق .. وآلاف السيوف في أيدينا .. والثعابين ستخرج من بيوت الحلبيين وبيوت السوريين وتدخل بيوت العثمانيين .. ولن تعود ..
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
No comments:
Post a Comment