في الأيام الماضية حاولت أن أضع مجساتي وأجهزة التنصت والرصد على ما دار من حديث هادئ بين الثلج السوري والنار السيبيرية .. نار فلاديمير بوتين السيبيرية وثلوج الأستاذ وليد المعلم .. بين نار سيبيرية وثلج دمشق تكمن الألغاز في حديث الحروب والغاز .. الا أن حديث الثلج والنار كان خافتا جدا هذه المرة .. وهامسا جدا .. ورغم حرصي على التحقيق بقسوة ودون رحمة مع كل اللقاءات بين السياسيين الكبار واستجواب تصريحاتهم في غرف التحقيق فان كل وسائل الضغط والعصر والاكراه والترغيب والترهيب لم توصلني الى اعتراف واحد أو الى كلمة واحدة من حديث الثلج الدمشقي مع النار السيبيرية .. وهنا لايصح الهوى ولا الميل بل الاستقراء والاستنتاج الهادئ ..
المعلم رجل بارع في السياسة وهو لايصل الى عاصمة كبيرة وبيده فناجين قهوة بل قرارات كبيرة .. فعندما كان في موسكو ابان ذروة التهديد الاميريكي بضرب سورية كانت بيده صفقة السلاح الكيماوي التي أنقذت العالم من مواجهة كبيرة لاتقل عن المواجهة أثناء أزمة الصواريخ الكوبية .. وحصل المعلم منها على نفس التعهد الأميريكي الذي صدر ابان أزمة الصواريخ الكوبية بعدم غزو كوبا .. وعلاوة على ذلك حصل على سلة من السلاح النوعي الروسي الذي يتفوق على ردعية السلاح الكيماوي يتم تسليمه عند استكمال التخلي عن الكيماوي الذي لايستعمل ..
اليوم يذهب المعلم الى روسيا لأن بعضا من المعارضة صار يريد الخروج من المعارضة وعملية التميز عن جسم المعارضة تعني بالقواميس السابقة الانسلاخ والانشقاق الى جهة أخرى .. ولكن تسبق السيد وليد المعلم أيضا تصريحات أردوغان وهولاند عن حلب .. فالأتراك والفرنسيون لاينامون هذه الأيام لأن حلب تسمع صوت سنابك الخيل لاصوت سنابك الفضائيات ولاعنتريات وحوافر فناجين القهوة .. فهل يعقل أن لاتكون حلب أو الرقة حاضرة في موسكو ؟؟
كما قلت فانني لاأقدر على التنبؤ لأن التكتم كان واضحا على جزء مهم من اللقاء السوري الروسي .. ولاشك ان بعض طلائع الوشوشات والتسريبات تحدثت صراحة عن انتزاع بعض من المعارضة من أحضان الغرب وحلفائه .. ولكن انتزاع جزء من المعارضة يستدعي انتزاع ما بقي من الجغرافيا التي تقف عليها المعارضة لأن ذلك الجزء من المعارضة انتقل الى القناعة بفشل مشروع الاعتماد على الغرب في تحقيق أي تغيير في سورية بسبب انتصارات متتالية باهرة للجيش السوري على الأرض من محيط دمشق الى الوسط والشمال .. ويجب اقناع هذا الجزء من المعارضة بصوابية استنتاجهم بنهاية اللعبة الغربية العسكرية بالاستيلاء على جزء مهم من الارض .. لأن هذا سيعزز رأيهم وخطوتهم بين الباقين ايضا ويستميل آخرين ينتظرون اتجاه الميزان النهائي .. ولذلك فان تردد البعض أو تشدده يجب تليينه باظهار البأس العسكري أيضا الذي سيلين أيضا من رأس تركيا وفرنسا .. ومن هنا لايمكن ان يكون تطرق المعلم الى صفقات السلاح استعراضا مجانيا وهو المقل جدا بالحديث عن أسرار عسكرية وصفقات .. وهذا التصريخ الصادر عن المعلم لايجب فصله عن حديث فابيوس عن حماية حلب بغارات غامضة .. والذي سبقه لقاء قلق بين اردوغان وهولاند بشأن حلب والتعهد بعدم التخلي عنها .. لأن الغارات الغامضة ستسقط بصواريخ لاغموض فيها ولالبس .. واسمها اس 300 ..
الغرب يريد الاحتفاظ بحلب في هذه المرحلة على الأقل والأتراك يعتبرونها جوهرة المعارضة الاسلامية والأرض التي يقايضون عليها .. وخروج المعارضة منها يعني عمليا خروج روح التمرد من جسد المعارضة وموت الثورة ببطء .. وجسد بلا روح يجب دفنه .. والحقيقة أن حلب شكلت في اعلام الثورجية نصرا معنويا ورمزيا وزخما للمعارضة عند اقتحام أجزاء منها لأنها المدينة السورية الثانية بعد دمشق .. فحلب هي دمشق الشمال أو ظل دمشق في الشمال .. والسطو عليها سيهز دمشق كما ظن البعض منهم ..
اليوم .. الجوهرة في قاموس المعارضة مطوقة بشكل شبه كامل "بحبل من مسد" .. ويريد العالم تثبيت الخطوط ومنع انهيارها وجاء ديمستورا لتلك الغاية فقط .. وأرسل هولاند واردوغان مع ديموستورا مجموعة من الانذارات والخطوط الحمراء والتصريحات المتشددة والعبارات "الغامضة" ..
وقد استعنت ببعض الاصدقاء الروس في ابعاد فناجين القهوة عن الخرائط لكي أتمكن من النظر مليا فيها لأن اللقاء الروسي السوري يستدعي معرفة بالرأي الروسي فأهل روسيا أدرى بثلوجها وبوتينها .. ولفتني مااتفقوا عليه بأن لقاء المعلم وبوتين سبقه رفض بوتين للقاء الفيصل الذي كان يريد تهديد الروس بشكل مبطن بأنه سيضطر الى تدمير أسعار النفط في العالم والذي يتواصل لأن في ذلك ضربا لاقتصاد روسيا الذي يقود طموحاتها العظمى ..ويقود عودتها كقوة عظمى ..
واستقبال المعلم مباشرة بعد طرد الفيصل يعني أن روسيا ستعيد أسعار النفط دون مساعدة الفيصل .. ولايستبعد البعض ان تكون ضربة موجعة في حلب هي التي ستبدأ بضبط اسعار النفط وضبط بورصات السياسة الدولية معا .. لأن تجريد تركيا والسعودية والمعارضة من حلب يعني أن محور روسيا سيبدأ بأخذ المبادرة في الشمال .. وأن استعادة حلب سيأتي بمعارضين جدد الى مظلة الحوار في موسكو ويسقط ورقات المعارضة في تركيا وحلفائها .. و العارفون بالأمور يرون أن ديمستورا لن يقدر على فرض تعهد على فصائل المقاتلين المشتتين في حلب الذين لايمكن لحبال ديمستورا أن تلف أعناقهم التي تصر دمشق على أن تمسكها بشروطها أو أن ينجح ديمستورا في انتزاع تعهدات من مسلحي حلب بالعمل على تسوية خلال فترة وجيزة محددة تبدأ بفترة انتقالية يسميها ديمستورا تجميد القتال لكنها بشروط دمشق الصارمة نحو انهاء ملف حلب ..
ويراهن أحد الأصدقاء الروس أن ساعة صفر اخراج المعارضة من حلب قد تقررت في لقاء المعلم وبوتين التي يجزم أنها ستكون قبل الربيع القادم .. وكان التلويح بالسلاح الروسي الذي يصل وصواريخ س 300 تحذيرا لكل من يريد ضرب الجيش السوري حول حلب وغيرها تحت اية ذريعة رغم ان الكثيرين يقولون ان الصواريخ موجودة وقد تم تزويد السوريين بها عبر طرف ثالث ليقول الروس انهم لم يعطوها للسوريين بعد ..
ولو راجعنا الأحداث الماضية لمعرفة تغير الموقف الروسي نحو مزيد من التشدد لصالح الدولة السورية لرأينا أنه منذ بداية العدوان على سورية ظهرت آلاف النبوءات والتوقعات والأنبياء الذين قالوا ان المنطقة ستشتعل بسبب الاحتكاك غير المباشر في سورية .. ولكن الساحات الخارجية بقيت هادئة وبدا أن هناك اتفاقا بين القوى الرئيسية المتمثلة بروسيا والناتو على ألا تخرج الحرب من الحدود السورية .. ولذلك فشل أردوغان في تجاوز الحدود لأن الناتو كان يدرك أن مجرد التوغل مترا واحدا بالجيش التركي في سورية فان الحرب ستشتعل في كل المنطقة والروس لن يقفوا مكتوفي الأيدي رغم أنهم لن يتدخلوا بشكل مباشر لكنهم سيعطون سلاحا كاسرا جدا للمعادلة العسكرية الراهنة .. فتم زجر أردوغان وجره من عنقه في كل مرة كان يبشر بها بدخول الاراضي السورية لأن صبره نفذ .. وكانت كل زيارة له الى البيت الأبيض يعتقد أنها ستكون لأخذ الضوء الاخضر فيصاب بخيبة امل من قوة التحذير الاميريكي والطلب منه أن يبلع لسانه وان يحشو صبره من جديد في صدره .. لأن معطيات الغرب كانت تقول ان هناك خيار شمشون سيمتد من ايران الى لبنان وسيحترق المعبد الناتوي من السعودية الى تركيا .. على الجميع .. وبنفس الوقت يقول غربيون يتابعون الاحداث بدقة انهم على يقين أن القيادة السورية كانت مقيدة بالتزام عدم نقل الحرب الى خارج الحدود وفق رغبة روسية قوية ولذلك فقد تزعرن نتنياهو واستعرض ضربات خاطفة لاتمثل حربا على سورية لكنها كانت تحرج السوريين وتتحداهم وتنقل رسائل غربية للمتمردين أن هناك جدية وقرارا في اسقاط النظام بدليل تجرؤ اسرائيل عليه بشكل مباشر في دمشق .. ولكن التحرش الاسرائيلي لم يكن اطلاقا راغبا بالحرب كيلا يرد "خيار شمشون المقاوم" .. الروس لم يكونوا راغبين بتوسيع مجال الصراع وكان الخيار هو تثبيت الدولة السورية الصامدة وتمكينها من اللعب على الزمن والانتصار بهدوء وتدريج بدل خوض حرب اقليمية لايمكن التنبؤ كيف ستنتهي وكم ستكلف بل قد تعرض روسيا للحرج الشديد كونها تريد أن تظهر قوة عظمى ضرورية ضابطة للسلام لامحرضة للحرب ..
لكن الأميريكيين نقلوا المواجهات لأول مرة خارج سورية في أوكرانيا .. وامتص الروس الهجوم .. لكن الهجوم دخل الآن الى روسيا وايران بشكل مختلف بضرب أسعار النفط الذي يقصد به اقتصاد ايران وروسيا أولا لأن اضعاف الاقتصادين الروسي والايراني مما قد ينعكس على الموقف من الأزمة السورية ويتسبب بانكفاء بدرجة من الدرجات لاحتواء الآثار الداخلية لهذا العامل الاقتصادي ..
ولذلك اذا لم يتمكن الروس من تليين المعارضة السورية واستمالة بعضها أو بحلحلة التشنج في حلب فلن يجدوا بدا من الموافقة على حسم جبهة مواجهة مهمة في شمال سورية وتوجيه صدمة عسكرية لحلفاء الغرب .. بأية طريقة .. لأن انتصار الحليف السوري سينعكس على كل شيء فهناك قوى مناوئة ستحس بالقلق من صعود مد حلفاء الروس على حساب حلفاء الغرب وبالذات السعودية وتركيا ..اللتين سيتسبب النزق والعصبية من رسالة خسارة حلب بتوتر أسعار النفط ايضا بتوتر مناطق انتاجه .. لأن مايخشى منه أن يكون التصعيد المتوالي سببا في جنون السياسة في مرحلة مابعد حلب ..التي قد تعني كسر قواعد الاشتباك القديمة .. الذي لن يسرّ الغرب ومواليه ..
رغم ان جدول مواعيدي المزدحم في هذا الوجود لايهوى الانتظار وليس في مواعيده لقاء مع شيء الا النصر تلو النصر .. الا أنني ساتريث وأنتظر .. وسأشرب القهوة بهدوء على ايقاع الثلج وايقاع النار .. والثواني تقتل الثواني .. وعقارب الزمن تأكل عقارب الزمن .. تحرقا وتوقا
No comments:
Post a Comment