Tuesday, 29 November 2016

أهكذا يكون «الوفاء» يا جبران

جريدة السفير بتاريخ 2016-11-29

كتب المحرر السياسي:

لكأن عشر سنوات من الخبز والملح والتواصل شبه اليومي، لم تكن كافية، لكي يتقن جبران باسيل أصول التعامل مع «حزب الله».

لكأن ما بذله «حزب الله» بالتكافل والتضامن مع سليمان فرنجية وبشار الأسد، من أجل أن ينال جبران باسيل مقعدا وزاريا في حكومة سعد الحريري الأولى، يمكن شطبه بـ «شحطة قلم». بلغ الأمر حد إلحاح فرنجية على الأسد أن يتصل بالملك عبدالله بن عبد العزيز في زمن «السين ـ سين» ويتمنى عليه الطلب من الحريري أن لا يضع «فيتو» على توزير جبران باسيل الراسب في الانتخابات النيابية، بل أن تسند إليه وزارة الطاقة، وكان له ما أراده بعد تعطيل التأليف شهورا طويلة.

لكأن ما قدّمه «حزب الله» من تضحيات من أجل أن يتحرر لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، وما يقدمه من كبير تضحيات حاليا في سوريا، في مواجهة الإرهاب التكفيري، لا يكفي لكي يحمي من وقفوا إلى جانبه في أصعب الأوقات.. وأحرجها.

يخطئ من يعتقد أنه كان بإمكان ميشال عون أن يصل إلى رئاسة الجمهورية، لولا تلك الوقفة التي وقفها «حزب الله» معه منذ اللحظة الأولى لفراغ كرسيّ رئاسة الجمهورية..

«وقفة الوفاء» تلك، جعلت الحزب ينال من السهام والاتهامات والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور. كل العالم أتى إلى الضاحية الجنوبية أو ذهب إلى طهران. كانت الإغراءات والعروض كثيرة. كان لسان الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله: «ميشال عون هو مرشحنا لرئاسة الجمهورية». حاول الأميركيون عن طريق الفرنسيين والأمم المتحدة كسر كلمته. ذهبوا إلى طهران، بعد أن حيّدوا الروس، لمصلحة الإتيان برئيس توافقي، وقالوا للمسؤولين الإيرانيين: اضغطوا على «حزب الله» حتى يخرج من «الجنرال».

كان لسان حال الإيرانيين: ليتفاهم المسيحيون على مرشح واحد ونحن ندعم خيارهم مهما كان.

هذا في العلن، لكن في السر، أفهم الإيرانيون حتى بعض الحلفاء لبنانيا بأن هذا الملف بيد السيد حسن نصرالله شخصيا.

جرّب الرئيس نبيه بري من خلال معاونه السياسي علي حسن خليل أن يلعب من ضمن الهوامش المتاحة له في الملعب الإيراني نفسه لتسويق سليمان فرنجية، معددا لهم المكاسب الاستراتيجية من وراء تبني زعيم «المردة». قال بري لهم: «صدقوني، أنا قلت لفرنجية لو طلبت منك شيئا عدة مرات وطلبه السيد حسن نصرالله منك مرة واحدة، فستنفذ ما طلبه «السيد» وليس أنا. هل هذا صحيح أم لا يا سليمان بيك».. أخبرهم بري أن فرنجية التزم الصمت. وبرغم هذا الجواب الضمني، قال بري إنه مؤمن بهذا الخيار. اكتفى الإيرانيون بالاستماع، لكنهم ما بدلوا تبديلا.

منذ عودة العماد ميشال عون الى لبنان في ربيع عام 2005، وعينا جبران باسيل على أحد المقعدين المارونيين في البترون. لو أنه نقل نفوسه إلى جبيل أو كسروان أو المتن أو حتى بعبدا، لكان وفّر الكثير على عمه وعلى «التيار» واللبنانيين وربما العالم بأسره.

يريد باسيل تجيير معادلات الإقليم كلها لأجل هذا المقعد. جرّب حظه مرتين ولم ينجح. كل استطلاعات الرأي لم تعطه الجواب الذي يشتهيه. من منظور المرشح الدائم، يمكن لـ «التفاهم» مع «حزب الله»، أن يوصل «الجنرال» إلى بعبدا، ولكن بممر إلزامي اسمه «تفاهم معراب».

الأخير يتقدم على التفاهم مع الحزب فور وصول ميشال عون إلى القصر الجمهوري، لأن التحالف مع «القوات» وحده الكفيل بأن يفوز رئيس «التيار» بمقعد نيابي في جمهورية لبنان، حتى يضع نفسه بعد ذلك على سكة الرئاسة بعد ست سنوات، ولمَ لا، طالما أن المستحيل قد تحقق بوصول «الجنرال».

اختلط على جبران باسيل الاستراتيجي بالمسيحي. ألزم نفسه وتياره والرئاسة الأولى وكل الجمهورية بمفاعيل اتفاقه مع سمير جعجع. لم تخطئ «القوات» حرفا. الخطأ يتحمل مسؤوليته من أوعز بإبرام «التفاهم». كان بمقدور «التيار» أن يعطي «القوات» في الحكومة وغيرها لكن من بعد المجلس النيابي المقبل. حصل العكس، أعطاها «شراكة كاملة» تنال بموجبها حصة بمقدار ما ينال هو في حكومة العهد الأولى. الأصح أن يقول إنه مستعد لإعطاء «القوات» من حصته هو لا من حصة الآخرين مسيحيا سواء أكان سليمان فرنجية أم باقي الأطياف من إيلي الفرزلي ونقولا فتوش وحتى القوميين الذين لا يخفى على أحد حجم حضورهم المسيحي الوازن.

شطب جبران باسيل كل هؤلاء. طغى «جل البترون» على ما عداه. قرر أن يمشي بمسار مسيحي ولو على حساب كل ما راكمه «الجنرال» طوال ربع قرن من التجربة والتضحيات. لكأن هناك من يريد أن يتنكر لميشال عون ولخياراته الاستراتيجية التي أتت به إلى رئاسة الجمهورية.
ميشال عون ـ شاء جبران باسيل أم أبى ـ يجسد استراتيجية معينة، قاتلت وتقاتل في كل ساحات المنطقة، وها هي توشك على الإطباق على حلب الشرقية «ومن بعد ذلك ستتغير المعادلات لا فقط في سوريا بل في كل المنطقة وستكون بداية نهاية الحرب العالمية التي شُنّت ضد سوريا والمقاومة» على حد تعبير رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» السيد هاشم صفي الدين.

أيضا، عاد سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة بما يمثل اليوم من خيارات يعبر عنها صراحة في وثائق تياره السياسية الجديدة ـ القديمة، كما في كلماته ومقابلاته المتلفزة. الرجل أوضح من الواضح في خياراته الاستراتيجية إلى جانب السعودية وكل المحور الذي تمثله في ساحات المنطقة.
من حق ميشال عون اليوم أن يلزم نفسه بوسطية في الإدارة الداخلية، تبعا لموجبات الدستور لا التفاهم مع معراب أو بيت الوسط. نعم صار ميشال عون الحكم. الأب لكل اللبنانيين والساهر على الدستور والمصلحة العليا للبنان واللبنانيين.

لكن ليس من حق البعض إلزام ميشال عون بوسطية في الخيارات الاستراتيجية الكبرى، مثلما ليس بمقدور أحد أن يطالب الحريري بخيانة خياراته السياسية العربية والدولية.

كان بمقدور «الجنرال» أن يقرر هو شخصيا أن تكون زيارته الأولى الى الرياض أو طهران أو زيمبابوي، لكن أن يأتي موفد خليجي ويعلن أن زيارة عون الأولى ستكون إلى الرياض، فهذا أمر ليس بمألوف ولا يكبر به موقع رئاسة الجمهورية، مثلما لا يكبر موقع الرئاسة، عندما تتكرر المراجعات في القصر ويأتي الجواب المتكرر: اسألوا جبران أو انتظروا عودته من السفر.

ليس هكذا تقاد الجمهورية يا «جنرال» وليست هذه خياراتك التي دفعت أكبر الفواتير لأجلها وليس صحيحا أن طائفة عن بكرة أبيها تتحمل مسؤولية التعطيل حتى تهدد بالذهاب إلى حكومة بمن حضر. هل يجوز أن سعد الحريري بات يدرك أن خيارا كهذا يمكن أن يهدد كل مستقبله السياسي، بينما يعتقد بعض محيطك يا فخامة الرئيس أنك قادر على ذلك وبالتالي إجهاض عهدك منذ شهره الأول؟

لبنان يواجه انقساما سياسيا كبيرا، عمره من عمر زلزال القرار 1559 قبل 12 عاما. انقسام دفع لبنان بسببه كبير الأثمان وما يزال، لكن مقاربات البعض التي تريد صب الزيت الطائفي على نيران القضايا السياسية، طمعا بمقعد نيابي أو وزاري أو للتزلف للسلطان، إنما هي مقاربات ظالمة ولا تمت بصلة إلى «الوفاء».

أي حكومة يجب أن تعكس موازين القوى الداخلية (النيابية بالدرجة الأولى) وربما الخارجية، لكنها ليست ممرا إلزاميا للمقعد الماروني في البترون.

ثمة من أوقف عقارب البلد لمدة سنتين من أجل وصول ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية. كان ذلك عنوانا كبيرا لوفاء ستأتي على ذكره كتب التاريخ في المستقبل، ومن يعتقد أنه يمكن أن تتألف حكومة من دون موافقة سليمان فرنجية يكون مخطئا.

حتى لو أُعطي رئيس «تيار المردة» نصف مقاعد الحكومة وقال «لا»، فستواجه بـ «لا» نبيه بري و «حزب الله» حتى تنقطع الأنفاس، أما إذا قال فرنجية «أقبل بوزارة دولة»، فحينها، لن تمر ساعة، إلا وتتألف الوزارة.

هناك من ينشد موالا للعزف على الوتر الطائفي (خصوصا الشيعي ـ المسيحي) منذ سنوات، وهناك من يريد أخذ البلد إلى ثنائية تمهد لثلاثية، تمهيدا للعزل.

ليس هكذا يكون «الوفاء» يا جبران، ولا بتزوير المعطيات في بعض الأحيان.

اقرأ أيضاً

River to Sea Uprooted Palestinian   
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!

No comments: