Sunday, 15 January 2017

سورية ميزان القوة والعراق ميزان الوحدة سورية ميزان القوة والعراق ميزان الوحدة



– سادت مقولة تضع قوة العرب بوحدة مصر وسورية وضعفهم بتفرقهما، طوال قرن تقريباً، وثبتت صحتها في مقاييس المقاربة التاريخية والمعاصرة كلها، لكن الذي لم ينتبه له من صاغ هذه المعادلة هو أن وحدة مصر وسورية كانت دائماً مسبوقة بوحدة سورية والعراق كي تحقق هذه النتيجة، كما هو الحال في العهدين الأموي والعباسي وفي حرب صلاح الدين الأيوبي نحو فلسطين، وعندما توحّدت مصر وسورية في حرب تشرين عام 1973 دون هذه القاعدة السورية العراقية الصلبة فقدت الحرب فرصتها في بلوغ أهدافها بمجرد اهتزاز موقف مصر. وسادت لفترة معادلة سياسية تتحدّث عن السين السين، والقصد سورية والسعودية، وتلاقيهما كشرط لتعويض غياب مصر، وثبت أن ما أنتجته هذه المعادلة بغياب قاعدة سورية عراقية صلبة كان مجرد هدنة بين خطين عربيين خط يرهن مصير فلسطين بالتفاوض وخط يرى مستقبلها في المقاومة. وفي لحظة الاختيار تصادم الخطان وأطيحت ما بدأ أنها مكتسبات السين سين، في لبنان وسواه.

– بالقدر الذي تبدو العلاقة السورية العراقية بوليصة تأمين راسخة للوضع العربي، يبدو أن الغرب قد اهتمّ كثيراً بتخريبها وضمان ضعف مرتكزاتها خلال أكثر من نصف قرن، وهو تساهل مراراً بولادة تعاون مصري سوري أو سعودي سوري، لكن التعاون والتكامل السوري العراقي بقي من المحرّمات التي صيغت  لتبريرها أحياناً شعارات قومية، جعلت لفترة غير قصيرة الصراع السوري العراقي بديلاً عن الصراعات الأهم وخلفية للصراعات العبثية، كحال استبدال أولوية الصراع العربي «الإسرائيلي» باستحضار الصراع العراقي الإيراني. وفي التوقيت الراهن الذي تتجه فيه الأوضاع العربية لإعادة تأسيس تستوعب نتائج حروب نصف قرن مضى، وقد عصفت أعتى الحروب وآخرها ببلاد العرب كلها، تحت شعار التغيير والثورة، قبل أن تصبح حرب الإرهاب والفوضى والتقسيم، تظهر سورية ويظهر العراق أشدّ قرباً وترابطاً بالمصير من أي مرحلة مضت، يزيدهما الجوار الجغرافي حاجة لبعضهما البعض، ويزيد من حاجة العرب  لهما معاً.

– إسرائيل كمعني أول بكل عناصر القوة ومصادرها في المنطقة لا تبدو غائبة عن مراقبة ومتابعة العلاقة السورية العراقية. وتبدو المجسّات الأميركية والتركية منصوبة وجاهزة للتدخل عند الضرورة لمنع كل تقارب سوري عراقي ووضع العصي في دواليبه. وإن اقتضى الأمر زرع داعش في المنطقة الحدودية، وإدارة الحرب على داعش بما يبقي منطقة ما بين نهرَي دجلة والفرات خاصرة رخوة لزجة صالحة للعبث الحاضر والمستقبلي، وتقديم التعامل المزدوج مع قضايا واستحقاقات البلدين كإغراء لعدم ربط ملفات أحدهما بالآخر، فلا انسحاب تركي من بعشيقة إذا ارتبط بالانسحاب التركي من الأراضي السورية، ولا دعم أميركي لتحرير الموصل إذا ارتبط بالإمساك بالحدود العراقية مع سورية.

– هذه المرة يبدو تفاهم وتكامل العراق وسورية كوصفة الضرورة للتعافي، وليس مجرد طريق إضافية لمزيد من القوة والعافية، فلا يبدو خلاص البلدين من خطر الإرهاب ممكناً بلا تعاون مباشر بين جيشيهما، وإمساك الحدود قبل أن يتحوّل بعض الجغرافيا السورية ملاذاً مؤقتاً للعودة إلى العراق والعكس بالعكس، فيما تبدو سورية القوية بوجه الخطر «الإسرائيلي» كمعيار لفوز سورية في حصيلة حربها آخر الطريق، وقفاً على تواصل سورية الجغرافي مع عمقها الاستراتيجي في إيران، والحفاظ عبر هذا التواصل على موقع سورية كقاعدة محورية لقوى المقاومة. كما يبدو الصعود الاقتصادي للعراق كخشبة خلاص رئيسة من وضع التراجع الذي يعيشه منذ الحصار الأميركي ولاحقاً الاحتلال رهناً بالتكامل مع سورية ووصوله لمنفذ نفطي عبرها على البحر المتوسط سيكون أقوى وأفعل بقدر ما يكون عراقياً إيرانياً سورياً. كما يبدو  معيار الخروج العراقي من تحت الوصاية السياسية الأميركية بمقدار التجرؤ العراقي على التقارب من سورية والتلاقي معها.

– بمقدار ما يقاس تعافي سورية وتعافي الوضع العربي معها من أمراض الضعف، باسترداد سورية لمصادر القوة التي تقف بوجه التحديات «الإسرائيلية»، يبدو قياس تعافي العراق وتعافي العرب معه من أمراض الانقسام والفتن، بصيغ توافقية ديمقراطية تسووية تنهي مخاطر الفتن والتقسيم، عبر تخطي التوترات المذهبية التي إما أن تشتعل من العراق فتشعل المنطقة أو تنطفئ في العراق فتهدأ المنطقة، وعبر  تفاهم عربي كردي لا مكان لـ«الإسرائيلي» في كتابة سطوره الخفية، يطمئن الأكراد لتطلعاتهم المشروعة ويقدم حلولاً مبتكرة لقضايا النزاع المزمنة، مقابل الاطمئنان لوحدة العراق وتماسك مصادر قوته، ويصير التوافق العراقي وصفة اطمئنان للتوترات المذهبية والقومية والعرقية التي يخشاها كل بلد عربي وتهدد بإشعاله أو تفتيته.

– قوة العرب بقوة سورية ووحدة بلدانهم بوحدة العراق. سورية قوية مع عراق موحّد وصفة عربية للقوة والوحدة، يصير معها لمصر والخليج مكان لائق في خريطة القوة والوحدة، هذه هي وحدة بلاد الشام وقوتها نقطة البداية الثابتة لكل وحدة ولكل قوة.


River to Sea Uprooted Palestinian   
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!

No comments: