Mahmoud left this world in the year of the “Naksa” [Arabic for “setback”, a term for the defeat of the Arabs during the 1967 Six-Day War]. He did not live with his first grandchild. But he was overjoyed for more than five years. Every time he returned to the house, he would carry some sweets from the shop. After all, the grandson is more precious than the son. He used to play and babble with him. But did he know that this child in his hands, along with his friends, would change his world? The world that has hurt him, saddened him, and bent his back while he worked as a porter at the Beirut port.
That harbor was full of tales of the weary people of that generation. This was the grandfather of Imad Moghniyeh. Mahmoud left Jabal Amel, the land of his ancestors, and lived in the capital in pursuit of his livelihood. He brought his son Fayez with him to work. The boy was no more than 12 years old.
This is a paradox for history. The young man did not ask his father to leave his shop until many years later, and only because he feared for his life, after an incident that happened there. Abu Imad did not leave this world until he saw how his world changed. He did not leave until his three sons, and later his grandson, left [this world] on the same path.
Source: Al-Akhbar Newspaper, Translated by website team
حفيد «العتّال» وابن بائع البطّيخ
محمد نزال
رحل محمود عن هذا العالم في عام «النكسة». لم يعش مع حفيده الأوّل، وقد طار به فرحاً، أكثر مِن خمس سنوات. كان يحمل إليه، كلّما عاد إلى المنزل، بعض الحلوى مِن الدكّان: ما أعزّ مِن الولد إلا ولد الولد. يأتي يُلاعبه، يُناغيه، أتراه كان يعلم أنّ ذاك الطفل الذي بين يديه، مع رفاق له، سيُغيّرون شكل عالمه؟ العالم الذي آلمه، أرهقه، أحنى ظهره «عتّالاً على البور» في بيروت.
ذاك المرفأ المليء بحكايات المتعبين مِن ذاك الجيل. هذا جّد عماد مغنيّة. محمود الذي ترك جبل عامل، أرض أجداده، نحو العاصمة حيث لقمة العيش. أتى بابنه فايز معه إلى الكدح. لم يكن عمر الأخير أكثر مِن 12 عاماً. سكنا معاً، بالإيجار، في غرفة ضمن دار سكن مشترك. تلك الدور التي نراها في عمارة بيروت التراثيّة. هناك، في منطقة المصيطبة، حيث كانت أوّل علاقة للجدّ والابن مع عاصمة التعب. أرض الغربة في الوطن. أرض هجرة ذاك الجيل مِن الأرياف، حيث الحرمان المُمنهَج، الفقر المؤسَّس، التهميش المُبرمَج… ذلك لمصلحة المركز. سينتقل فايز للعمل في مطعم (فوّال) وسط بيروت. جنب سينما «الريفولي». سيعرف الفتى، للمرّة الأولى، ما هي السينما. سيراها مِن الخارج فقط. المطعم لعائلة مِن آل الهاشم، كانوا ودودين معه، وهم مِن «الأخوة المسيحيين» (كما تقول المُحدّثة). ظلّ يعمل عندهم إلى أن أصبح عشرينيّاً، تزوّج، وكانت المغامرة. مَن ستُصبح رفيقة عمره كانت عاملة في مستشفى المقاصد. راح يُفكّر كيف يفتح مطعمه الخاص. كان له ذلك في النهاية. فعلها، إنّما ليس في قلب العاصمة، بل بعيداً عند حدود الضاحية الجنوبيّة (طريق صيدا القديمة). يذهب إلى عمله فجراً ولا يعود، أحياناً، إلا عند منتصف الليل. أن لا يرى أولاده مدّة أسبوع: يخرج وهم نائمون ليعود وهم نيام. تبدأ الحرب الأهليّة، والمحلّ في «منطقة التماس» تلك، فيتوقّف العمل. ما العمل؟ عودة إلى الجنوب، إلى القرية التي غادرها طفلاً، ومعه عائلته وأكبرهم الفتى عماد. الأخير ساعد الوالد في بناء منزل صغير، بيديه، بمال كان جمعه الوالد مِن عمله. بقيت أرض المنزل على الأرض، على التراب، مدّة تسعة أشهر تقريباً. لاحقاً، بعدما هدأت الأحداث نسبيّاً، عادت العائلة إلى بيروت. لا معيشة في الجنوب. لا عمل.
راح أبو عماد، وهو مِن ذاك الصنف الذي لا يطيق الجلوس بلا عمل، يبحث عن «كار» جديد. سيبيع البطيخ على عربة. بعدها يفتتح محلاً صغيراً، في منطقة الشياح، لبيع الخُضَر. يأتي الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982. عودة إلى الجنوب مرّة أخرى. ثمّ عودة إلى بيروت. لا مفرّ. عودة إلى العمل: مطعم مِن جديد (دجاج وفول وحمّص وما شاكل). هذه المرّة دفقت الرزقة. ذات مرّة، سألته أم عماد متوجّسة: مِن أين لك هذا؟ حريصة كانت، وما زالت، على «الحلال». لكنّها لم تكن أحرص مِنه. أخبرها أنّه مع الدخول السوري إلى المنطقة، التي فيها محلّه، عاد كلّ أصحاب المهن إلى محالهم، أصلحوا ما فيها مِن أضرار، ما جلب الكثير مِن العمّال. كلّ هؤلاء يُريدون أن يأكلوا. يبتسم القدر أحياناً وسط القلق. آنذاك، كان حال أبو عماد هو ذاك الحال، فيما عماد، كما عرف العالم كلّه لاحقاً، كان يقلب معادلات الدول الكبرى في المنطقة مِن قلب بيروت. هذه مفارقة للتاريخ. لم يطلب الشاب مِن والده أن يترك محلّه إلا بعد سنوات طوال، وما ذلك إلا لخوفه على حياته، بعد حادثة حصلت هناك.
أبو عماد، الذي لم يرحل عن هذا العالم إلا بعدما رأى، بنفسه، كيف أنّ عالمه تغيّر، لكنّه لم يرحل أيضاً إلا بعدما رحل أبناؤه الذكور الثلاثة، ولاحقاً حفيده، على الدرب نفسه.
في مناسبة فايز مغنيّة، تحدّث السيّد حسن نصرالله عن ذاك الجيل، وكاد، في لحظة، أن يبكي: «مَن يقرأ مذكّرات، أو يستمع مِن أحد، عن أخبار تلك المرحلة فإنّه يبكي، لا يستطيع أن يتحمّل… جيل الكادين العاملين، وكيف هاجروا مِن قراهم إلى بيروت وضواحيها، إلى ما كان يسمّيه السيّد موسى الصدر حزام البؤس، في الأوزاعي وحيّ السلم والكرنتينا والنبعة وبرج حمود وتلّ الزعتر». بدا نصرالله كمن لا يُريد قول كلّ شيء، وهو، نفسه، ابن ذاك الجيل أيضاً. ابن بائع الخُضَر في حي الشرشبوك في الكرنتينا. يعرف جيّداً الأوصاف والنعوت، المُهينة، التي كانت تُطلق على أجداد وآباء تلك الحقبة. ليس كل ما يُعرَف يُقال، ليس حرصاً أمنيّاً، بل هذه المرّة حرصاً على ذاكرة يرأف على أهلها مِن استعادتها… ولو خاطرة: «كيف جاء هؤلاء مِن الأرياف، ماذا عملوا وكيف كدحوا، في الليل والنهار ونوع الأعمال التي تحمّلوا القيام بها، هؤلاء جيل الآباء، أمّا التفاصيل، فالذين عايشوا يعرفونها». عندما ظهر الصدر على الساحة اللبنانيّة، كان أبو عماد مِن الذين عاشوا لحظة الأمل، مِن الذين رأوا فيه مُنقذاً، ولهذا سارع ملتحقاً بإحدى الدورات التدريبيّة التي رعاها «الإمام». عماد مغنيّة هو ابن شرعي لذاك الجيل، حفيد لذاك الجيل، مِن هناك أتى وظلّ وفيّاً لتلك المعاناة، لتلك الذاكرة، التي خالطت لحمه ودمه… وكان مِنه ما كان.
Related Articles
- عماد مغنيّة… الآن هنا
- 10 سنوات على استشهاد عماد مغنيّة: ابن الثورتين
- عماد مغنيّة… إسلاميّ في «فتح»: بدايات «حاج فلسطين»
- «فرصة» الاجتياح الإسرائيلي: من منظمة التحرير الفلسطينية إلى المقاومة الإسلامية
- مغنية وسلامة: أوسلو تهديد… فلنحوّله إلى فرصة
- الانتفاضة الثانية: رُسُل عماد وأسلحته في فلسطين
- «الرفيق رضوان» عضواً في خلية الشياح
No comments:
Post a Comment