Tuesday, 19 May 2020
سورية وروسيا.. وصل أم فصل؟!
منذ قرابة الشهر، وسيل من التقارير والتحليلات والتسريبات أتخمت بها وسائل الإعلام على اختلاف تلاوينها، والمادة الدسمة فيها تتركز على خلاف سوري – روسي، لا بل إن تقارير سعت إلى تضخيم الأمر حدّ وضع الخلاف في خانة «الشخصي» للرئيسين بشار الأسد وفلاديمير بوتين، غير أنّ الواقع بعيد تماماً عن تضخيم الحالة ككلّ من دون إغفال أن هناك تبايناً ربما بين دمشق وموسكو، لا يصل سقف الخلاف العميق.
اذ لا نذيع سراً في القول، إنّ ما يجمع سورية وروسيا ليست الأحرف فقط وان اختلف الترتيب، فهنا إنعاش الذاكرة ضرورة للوقوف عند معطيات تبدو مهمة في سياق الحديث عن حليفين كسورية وروسيا، فعلاقات الدولتين تتميّز بأنها استراتيجية منذ أربعة عقود وأزيد، لذلك من غير المنطق الترويج لفكرة سهولة فصل العروة الوثقى بينهما لأمر أو لنقيضه، لكون بينة العلاقات بين دمشق وموسكو أساسها استراتيجي فيما هدفها تحقيق مصالح وغايات ثنائية لكليهما.
فتاريخياً، تعود إلى عام 1944 عمر العلاقات العلاقات السورية – الروسية، وقتها كان الاتحاد السوفياتي السبّاق إلى الاعتراف باستقلال سورية عن المحتل الفرنسي، وإلى تأسيس علاقات أخذت من ربطة العنق دبلوماسية لكلتا الدولتين، ومن الأهمية بمكان التذكير أن جسارة العلاقة بين الدولتين لم يقو عودها بشكل كبير إلا بعد تسلم الرئيس الراحل حافظ الأسد مقاليد السلطة في سورية عام 1970، وبعد ثلاث سنوات أثمرت العلاقة موقفاً إيجابياً وتحديداً في حرب تشرين الأوّل/ أكتوبر 1973، وقتها لعب الاتحاد السوفياتي دوراً فاعلاً لا بل مؤثراً من خلال دعم سورية عسكرياً. الأمر الذي أوتي ثماره في السياسة عبر تأسيس مكانة لسورية كدولة فاعلة ضمن معادلة الشرق الأوسط برمته.
ما ذكر أنفاً لا يدلل فقط على أن «ربطة العنق ورائحة البارود» هما من أثرا في منسوب العلاقة بين الدولتين، فعامل الأرقام أي «العامل الاقتصادي» كان له وزنه «غير الخفيف» إطلاقاً والمتابع للعلاقة بين سورية والاتحاد السوفياتي قبل أن يأفل نجمه، خاصة في الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات يدرك تماماً أنها تجربة غنية، بدأت منذ عام 1975، مستندة إلى اتفاقات وبروتوكولات عدة.. وتطورت في ما بعد عبر اتفاقيات التعاون التجاري والاقتصادي والتقني الموقعة في نيسان 1993، حيث تم وبمساعدة روسيا تنفيذ أكثر من ستين مشروعاً، منها محطة سد الفرات لتوليد الطاقة الكهربائية، ومحطة البعث ومحطة تشرين الحرارية والعديد من المحطات النفطية والغازية ومشروعات الري واستصلاح الأراضي، وقد سمحت المساعدة التقنيّة التي قدمتها الشركات والمؤسسات السوفياتية الروسية لشركة النفط السورية باكتشاف وحفر قرابة الخمسين بئراً نفطياً وغازياً واستثمار أكثر من أربعين حقلاً نفطياً رابضاً على تخوم الشمال الشرقي لسورية، حيث لامس التبادل السلعي بين الدولتين أواخر العقد الماضي ما قيمته ملياري دولار تقريباً، وهنا يفرض السؤال ذاته.. أي أهمية لسورية في المنظار الروسي، ببساطة ودون عناء، تشكل القاعدة الروسية في طرطوس الساحلية، أبرز تجليات الوجود الروسي في سورية، لكونها القاعدة الروسية الوحيدة «الفاعلة» على البحر المتوسط هذا أولاً وخارج أراضي روسيا ثانياً فضلاً عما تملكه من بعد استراتيجي يوصف بالكبير في المصطلح العسكري، وما يعطيها قيمة مضافة أكثر، أنها تعطي القوات الروسية فرصة الوصول بسرعة وعن قرب إلى البحر الأحمر والمحيط الأطلسي… إذاً القاعدة الروسية في طرطوس غرب سورية لا تقاس أبداً بالقاعدة الروسية في الجزائر التي يدلل على ضعفها بالإصبع وبشكل مباشر.
كذلك روسيا بصبغتها السوفياتية «العملاق صاحب رجلين من طين» عندما هوى زمن «السكير» يلتسين، سارعت إلى البحث عن سبل وطرائق للوصول إلى المياه الدافئة وإيجاد نقاط ارتكاز وتمركز لها، إنْ بالدبلوماسية وانْ بفوهة الكلاشين».. ما تمنّته روسيا وجدته في سورية كمعبر آمن، فروسيا تريد أن يكون لها كلمة فصل في القضايا الرئيسية في الشرق الأوسط ككلّ، وكان ما أرادت من بوابة سورية.
هذه معطيات لا يمكن القول فيها إنّ روسيا ليست بحاجة إلى سورية، تماماً كما لا يمكن الهمس أنّ سورية تقبض على يدها تجاه روسيا، فدمشق ترى في موسكو حليفاً رئيسياً في أكثر من قضية شائكة ولا يبدو مطلقاً أنّ دمشق تسير على خطى «الجفاء» مع موسكو. والأخيرة ليست دولة عابرة على المسرح الدولي، بل في يدها ورقة فيتو في مجلس الأمن الدولي، لكونها عضواً دائماً، وهو ما استفادت منه سورية أكثر من عدد أصابع اليدين، كذلك، روسيا حليف قوي من ناحية العسكر، لديها أهمّ إنْ لم يكن أقوى أنواع الذخيرة على مستوى العالم دون ترميد للعيون انه مورد مهم ورئيسي للسلاح، الأمر الذي تستفيد منه سورية، فضلاً عن أن روسيا تعتبر داعماً اقتصادياً أساسياً لسورية كما ذكرنا سابقاً ما من شأنها مدّ الاقتصاد السوري بجرعات إنعاش وتنفس. فهل من المنطق بعد ما يظهره لنا هذا التاريخ الطويل من العلاقات المتجذرة من التحالف بين الدولتين، أن تدير سورية ظهرها لروسيا وان تتخلى روسيا عن سورية؟
بعيداً وقريباً عن دمشق وموسكو، سرت وشوشات تقول إن «الفتور» اليوم، يعود إلى عام تقريباً، وتحديداً الرابع والعشرين من حزيران الماضي، حيث عُقِدَ في القدس المحتلة اجتماع روسي أميركي «إسرائيلي» لم يرق لسورية ولا لمحور المقاومة لا سيما أنّ الاجتماع حضره نيكولاي باتروشيف رئيس مجلس الأمن الرّوسيّ وجون بولتون مستشار الأمن القوميّ الأميركيّ ومائير بن شبات «رئيس مجلس الأمن القوميّ الإسرائيلي، وكان مؤسساً للقاء جمع بعد يومين أي الثامن والعشرين من حزيران يونيو الماضي الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب بالرّوسيّ فلاديمير بوتين في أوساكا اليابانيّة أثناء قمّة العشرين آنذاك… اجتماع الترويكا في القدس أسّس لاتفاق تمثّل بضرورة انسحاب القوّات الأجنبيّة التي دخلت سورية بعد عام 2011، وهذا ما ردّده في غير محفل الرّئيس ترامب، وفي مطلع أيار/ مايو الحالي جدّد جيمس جيفري المبعوث الأميركي الخاص لسورية الدعوة إلى ضرورة انسحاب القوّات الأجنبيّة من سورية،» الأميركيّة – الإيرانيّة والتّركيّة» واستثناء القوّات الرّوسيّة، ولأن الشيطان يكمن في التفاصيل، قرأت إيران الرسالة جيداً.. إخراجها وحزب الله من سورية، ليطرح السؤال هل اجتماع القدس قبل عام بدأ بتنفيذ بنوده اليوم بشكل واضح؟ وهل فعلاً موسكو قدّمت تنازلاً لـ «إسرائيل» بخصوص التمركز الإيراني، ثم كيف تفهم اللهجة العالية لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله بأنّ إيران لن تخرج من سورية قبل النصر على الإرهاب؟ في أيّ صندوق بريد أريدَ لرسالة السيد نصر الله أن توضع؟ هل موسكو في الحقيقة غير راضية عن التمركز الإيراني وبالتالي قدّمت تنازلاً، أهو شكلي أم فعلي وما الفرق بينهما؟ هل علينا القول إنّ تصدّعاً حصل في محور مكافحة الإرهاب، فيما محور المقاومة يشتدّ متانة؟ كلّ ذلك يعود بنا إلى زمن خروج الجيش السوري من لبنان، وقتها فرك كثيرون أيديهم فرحاً لمشاهد الخروج التي تسمّرت شاشات الرادار الإعلامي لرصده بتفاصيله الدقيقة والقول إنّ المارد السوري خرّ صريعاً، وانهزم، ليتضح في ما بعد أنّ سورية أصبحت أقوى في لبنان وهي خارجه..
ليبقى الثابت.. انه على وقع تقارير تبث من اتجاهات متنوعة، تفضي للقول إنّ خلافاً قوياً تشتمّ رائحته بين سورية وروسيا ويتمّ البناء عليها، تدار الدفة إلى أنّ كلّ من سورية وروسيا وجدت ضالتها في الأخرى، علاقة تبادلية للمصالح وتكاملية في الأهداف وما حاصل اليوم قد يكون تبايناً في وجهات النظر لا أكثر.. ثم من قال إنّ الحلفاء يجب أن تكون مواقفهم حد التطابقّ!
اختلاف الرؤى ضرورة لاستيراد أفكار وسياسات قد تعود بالفائدة للجميع.
*صحافية سورية
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment