Friday, 5 June 2020

«سماسرة الداخل» يزاودون على الأميركيّين!

هذه هي المشكلة التاريخية للبنان، بما لديه من سياسيين كانوا دائماً أصغر منه ولا يفعلون إلا محاولة التشبث بالسلطة عبر الولاء الأعمى والكامل للخارج الإقليمي والدولي من دون الاعتماد على قوى شعبية في الداخل.
فلماذا يبذلون جهوداً للإقناع السياسي، طالما أنهم يمتلكون وسيلة التحريض الطائفية – المذهبية التي تجمع الناس حين يريدون وتفرقهم عند انتفاء الحاجة اليهم، هذا هو السحر على الطريقة اللبنانية الذي اصاب حتى الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي خرج متسللاً من البيت الابيض ليزور كنيسة قريبة ويعود حاملاً انجيلاً مقدساً يلوح به لكسب عواطف الفقراء من الأعراق البيضاء. مهدداً في الوقت نفسه السود الأميركيين بغالبيتهم الاسلامية.
ما الفارق إذاً بين نديم وسامي وترانب وسمير ورؤساء الإفتاء الاسلامي والبطاركة والمطارنة وقادة أحزاب تدعى الاشتراكية والتقدمية والعروبة ايضاً على قياس الأحياء والزواريب والزعامات المنفوخة.
هناك بالطبع استثناءات تجمع بين القوة الداخلية والتحالف الخارجي على اساس المشروع وليس الاستزلام.
وهذا ينطبق على رئيس المجلس النيابي نبيه بري وحزب الله والتيار الوطني الحر، إنما يصل الأمر الى حدود سامي الجميل وابن عمه البلبل نديم ووريثهما سمير جعجع وصولاً الى الحريرية الجديدة. فهذا بالفعل مثير للقهقهة، لان من الواضح ان هذه القوى تؤدي دور منصات داخلية للتبشير بفضائل المشاريع الخارجية وتعول على انتصار الاميركيين في سورية والعراق لتتمكن من الامساك مجدداً بلبنان.
اليست هذه هي الطريقة التقليدية للإمساك بالدولة في لبنان لكن مقاومة الاسرائيليين وطردهم ودحر الارهاب من سورية وجبال لبنان الشرقية لا تنتمي الى هذه الفئة الوصولية.
هؤلاء السماسرة لا يبدلون اساليبهم منذ 1948 وتتلخص بالاعتماد على الخارج على حساب مصالح بلادهم. فكيف يمكن لقوى سياسية أفقرت لبنان منذ عقود متواصلة ووضعته في دائرة انهيار اقتصادي داهم ان تحرض مؤسسات النقد والمال الدولية لتمتنع عن اقراض لبنان مبالغ تجعله قادراً على المراوحة الا بعد التزامه بأربعة شروط اميركية واولها قانون قيصر الاميركي الذي يريد خنق سورية بقطع كل علاقاتها المالية والنقدية والاقتصادية مع الجوار وبشكل كامل.
اما ثاني الشروط فهي موافقة لبنان على السماح لقوات الطوارئ الدولية اليونيفيل بتفتيش القرى اللبنانية المحاذية للحدود مع فلسطين المحتلة.
فلا يتبقى إلا موافقة لبنان على نشر قوات دولية عند حدوده مع سورية ايضاً.
فيتبقى شرط رابع «بريء» جداً يتعلق بتجريد حزب الله من سلاحه مروجين ان اسبابه تتعلق بسيادة الدولة اللبنانية على اراضيها ومتطلبات السلم الاهلي.
ألم يكن أولى بهؤلاء السماسرة ان يشاركوا بتحرير لبنان بدلاً من تغطية العدوان الاسرائيلي عليه في 1982 ودعمهم لهذا الاحتلال حتى 2006، حتى ان كبار القيادات استقبلوا في قصورهم الجبلية وفيلاتهم البيروتية قائد جيش العدو الاسرائيلي في حينه شارون؟ أهؤلاء هم أهل السيادة الذين ذهبوا الى عرسال حاملين طعاماً و»بقلاوة» قدموها للتنظيمات الإرهابية، وذلك لانهم اعتبروا داعش والقاعدة منظمات تقاتل السوريين وحزب الله، فإذا انتصر الارهاب فقد يمنحهم «ولاية لبنان» ليحكموها، او يثبتهم الاميركيون على «لبنان الديموقراطي» العميق الجذور مقصياً الارهابيين عنهم، فهكذا يحلم السماسرة دائماً، وهم دائماً على خطأ وذلك لأسباب عدة: اولاً شكل التقاء حزب الله وحركة امل مع التيار الوطني الحر استقراراً سياسياً واجتماعياً طيلة الخمس عشرة سنة الماضية، ولم يمسك هذا التقارب بكامل السلطة في لبنان محترماً تنوعاتها السياسية والمذهبية والعرقية.
حتى انه اخترع معادلة «الوحدة الوطنية» الطائفية لتبرير وجود قوى سياسية معادية له، لها ميزة الحضور السياسي في طوائفها، وكان بإمكانه ابعادها.
وبقي هذا التحالف متمسكاً برئيس الحكومة السابق سعد الحريري رئيساً لمجلس الوزراء حرصاً على التوازنات الداخلية والإقليمية، ولم يتخل عنه الا بعد فراره من القطار الحكومي لكي لا يتحمل مسؤولية الانهيار الاقتصادي الكارثي.
اين هي المشكلة؟ تتجسد في مجموعة 14 آذار الذي فروا اولاً من مجابهة الانهيار الاقتصادي عائدين على متن مطالب اميركية وربما أكثر، تريد تصفية حزب الله بقوة الابتزاز، فإما تطبق إقفال الحدود مع سورية وحق اليونيفل بتفتيش القرى في الجنوب وإلا فلا قروض ممكنة للبنان من صندوق النقد الدولي.
لذلك تعاود الحريرية والجعجعية وتنوّعات آل الجميل تحريض الخارج على الداخل وتنظيم تحركات شعبية معادية لسلاح حزب الله، اما الوزير جنبلاط فيمارس كعادته سياسة باطنية يتشاور فيها حالياً مع أصدقائه القدامى الروس كي يبني على الشيء مقتضاه.
فإذا تلقى نصائح من الروس بالابتعاد عن المشهد الجعجعي – الأميركي لان مشروعهم الجديد لن يربح، وهذا ما أكد عليه السفير الروسي في لبنان منذ يومين فقط.
لذلك فقد نجد أبا تيمور متموضعاً في مكانين مختلفين: الاول سراً مع القوات والحريري والكتائب من خلال تحركات خجولة في خلدة والناعمة، والثاني يلتزم فيها بصبر استراتيجي ليتبين الموقف من صديقه الرئيس نبيه بري الذي لا يبخل عليه عادة بوصفات سحرية.
ما هو المطلوب الآن؟
اولاً ان تصدر الانتفاضة الفعلية بياناً تعلن فيه ان لا علاقة لها بتحركات تنظمها القوات والكتائب والحريريون وقوى أخرى شديدة الالتباس يوم السبت المقبل، وبذلك فقط تنظف الانتفاضة مسيرتها من المندسّين بها من سماسرة الخارج.
اما ما تبقى فهو رهن بنتائج التنسيق بين بري – حزب الله الذاهب نحو الدفاع عن الدولة من سياسييها الذين يواصلون سرقتها منذ أكثر من أربعة عقود.
River to Sea Uprooted Palestinian   
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!

No comments: