وقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس، مدافعاً عن الإسلام والمسلمين منصّباً نفسه حامياً للدين الإسلامي في كلمة شهدت ترديده أنشودة إسلامية شهيرة «طلع البدر علينا» وهو كان كما «المنافق» الذي لا تعكس أقواله الأفعال، وهذا ليس بمكان استهجان مما يقوم به أردوغان الذي لا يترك ذريعة إلا ويتمسّك بها لبسط نفوذه وتنفيذ أجنداته «العثمانية»..
إنما ما يجعلنا نضع الاستهجان سيّد الموقف هو قوله بالأمس، أنه «لا يمكن أن يكون المسلم إرهابياً ولا الإرهابي مسلماً».. هذا القول يدفعنا للتساؤل ماذا عن الإرهابيين الذين درّبهم في معسكرات على أرضه للقتال في سورية، وإعادة تدويرهم للقتال في ليبيا ولاحقاً قره باغ.
وليس هناك من داعٍ للإجابة إذ باتت سيناريوات أردوغان واضحة ومكشوفة الأهداف تتلخص بالعزف على إيقاع الكلمات والمفردات لجذب القلوب والتأييد الأعمى وبات نهجه «الإخواني» في السياسة الخارجية واضح المعالم ذا أذرع عسكرية تخريبية في المنطقة برمّتها من شرق المتوسط حتى العمق الأفريقي، عاكساً خريطة الجرائم العدوانية التركية في بؤر الصراعات والأزمات كانغماسه في العمليات الإرهابية في سورية والعراق وليبيا. وليس هذا فحسب بل نسف مفهوم العمق الإستراتيجي بتهديده دولاً عربية كمصر والسعودية والإمارات وتونس، وتجاوز حدود البُعد الإقليمي مع التوتر الذي أشعلته أطماعه المصلحية على الحدود الأوروبية في شرق المتوسط، بعد ما تجاوزت أطماعه قبرص واليونان ضارباً في عرض الحائط ملف الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ناهيك عن دعمه العدوان الأذري على الأرمن مكرراً سيناريو أحاكه وأخرجه أجداده في الإبادة الأرمنية.
إضافة إلى مواقف أنقرة من ملف اللاجئين وغيره من الملفات المقلقة لأوروبا وعلى رأسها الملف الحقوقي وما يقوم به من تجاوزات بعد محاولة الانقلاب الفاشل، ولأن للرئيس التركي رجب طيب أردوغان باعاً طويلاً من المراوغات والمراوحات بين الحبال الغربية تارة والروسية تارة والعربية تارة أخرى، باتت محاولاته مكشوفة لدى حلفائه وأعدائه فقد وضع نفسه أمام خيارات محدودة، بعد تلك التجاوزات والتي سجلت له صفراً في سورية عقب إرغام قواته على الانسحاب من «مورك» والتي ستتساقط بعدها النقاط التركية الواحدة تلو الأخرى كأحجار الدومينو ما سيجعل من الصعوبة عليه قلب ميزان القوى الذي تميل كفته للدولة السورية، لكونها تخضع بعملياتها هناك لمبدأ السيادة قبل كل شيء، فيما تخضع عملياته لـ»مبدأ» النرجسية وانتهاك السيادة.
وبالتالي تحوّلت تركيا وفق مبادئ «الأردوغانية» إلى قاعدة عالمية للإرهاب يستطيع معها أردوغان تقويض استقرار الدول وانتهاك سيادتها، هذا الرئيس التركي الذي تبجّح أمس، بحماية «المسلمين» وعلق بالقول «لا يمكن أن يكون المسلم إرهابياً» نسي بأنّ الإرهاب المدرّب في تركيا والمجرّب في سورية، أصبح حقيقةً قاطعةً واقعة في أرجاء المعمورة يخشاها المجتمع الدولي ويعمل على الحد من مخاطرها.
ما يعني أنه نفى عن نفسه اعتقاده الديني «المسلم». وخذوا الحكمة من أفواه المجانين إذ كيف له أن يكون «مسلماً» مدافعاً عن «الدين» وإرهابياً جاثياً وراء المخربين صانعاً لـ»فكر» المتطرفين.. متسلقاً على حبال الكلام بالدين والتبجّح بالدفاع عن المسلمين ليحشد حوله المؤيدين كـ»خليفة» للمسلمين ولا ننسى أنّ باكورة أحلامه بـ»الخلافة» بدأت مع تصريحه بالقول «سنصلّي في مسجد الأمويين» وبعد عشر سنين حوّل متحف آية صوفيا إلى مسجد لإرضاء غروره الذي مسحت به الأرض تحت نعال قديسي الجيش السوري وحلفائه..
في المحصّلة يمكننا القول إنه وبعد مرور قرن من الزمن على سقوط السلطنة العثمانية، تعيد السياسات الأردوغانية الهواجس الغربية والعربية تجاه الميراث العثماني الاستعماري، أو ما بات يُعرَف بـ»العثمانية الجديدة»، التي تتلخص في التدخل بالشؤون الداخلية للدول وانتهاج سياسة تخريبية وتدميرية بما يتوافق مع طموحات أردوغان وأحلامه العدوانية التي تشكل تهديداً مباشراً للأمن الاقليمي والدولي.
أما في الداخل التركي، فبدأ قناع أردوغان «الديني» يتلاشى وحتى ما يصرّح به من «كذبات» إن كانت دينية أو قومية بدأت تتكشّف على حقيقتها أيضاً كعُقدة مرَضية عثمانية موروثة تغذيها دكتاتوريته الفردية مستنداً إلى حزب ذي أفكار أخوانية وسلطة تدير أكبر عملية قمع شاملة، من اعتقال وتهجير، للنخب الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية لا مثيل لها في التاريخ التركي المعاصر، متمثلة بعشرات ألوف من الضباط والصحافيين والقضاة والأكاديميّين والاقتصاديين والإداريين. كما يخوض حرباً قومية تدميرية ضدّ مناطق الأكراد رغم وقوف الكثير من وجوه النخب التركية، ولا سيما الثقافية، ضدّ هذه الحرب وتجريمها. أضف إلى ذلك ما يعانيه الشعب التركي من تردّي معيشي وانهيار في العملة التركية وتراجع في الدخل الفردي والقومي ما يجعل وجوده في سدة الحكم تهديداً مباشر للوجود التركي في نظر معظم الشعب التركي.
مقالات متعلقة
No comments:
Post a Comment