منذ أن بدأ البرنامج النووي الإيراني يتطوّر بسرعة مع إعادة انتخاب أحمدي نجاد لولاية ثانية عام 2010، وارتفاع عدد أجهزة الطرد المركزي الى آلاف عدة، بعد أن كان العدد يقتصر على أجهزة قليلة، وبعد أن امتلكت إيران المعرفة العلمية لدورة الوقود النووي بالكامل، رفعت نسبة تخصيب اليورانيوم في أجهزة الطرد المركزي من 3,5 بالمئة إلى 20 في المئة. هذه النسبة أثارت حفيظة واشنطن وتل أبيب والاتحاد الأوروبي، متهمين إيران بسعيها لامتلاك سلاح نووي.
أمام هذا الواقع، بات العلماء الإيرانيون العاملون في البرنامج النووي، هدفاً لعمليات اغتيالات واسعة النطاق، مدروسة ومركزة، قامت بها الأجهزة «الإسرائيلية»، بالتنسيق مع أجهزة مخابرات أجنبية وعملاء محليين، طالت المؤسسة الأمنية الإيرانية بالصميم، ووضعت على لائحة الاغتيالات، حياة عشرات العلماء الإيرانيين العاملين في البرنامج النووي الإيراني.
في 12 كانون الثاني 2010 اغتيل أستاذ الفيزياء النووية في جامعة طهران مسعود محمدي، بانفجار دراجة نارية مفخخة في شمال طهران، حيث وُضعت الدراجة بالقرب من سيارته، وتمّ تفجيرها عن بُعد أثناء وجود محمدي داخلها. ألقي القبض على الفاعل وهو ماجد جمالي فاشي، الذي اعترف بعد التحقيق معه بأنّ العملية تمّت بموجب أوامر صدرت من «الموساد» وتحت إشرافه، وبعد أن كانت «إسرائيل» تقوم بحملة شرسة لعرقلة برنامج إيران النووي، من خلال هجمات إلكترونية على منشأة نطنز وبو شهر وغيرها من المواقع النووية الإيرانية.
فاشي الذي اعترف بتلقيه مبلغاً كبيراً من المال لتنفيذ سلسلة عمليات هجومية، مستعيناً بعملاء الموساد في الداخل الإيراني، جرى تدريبه في أذربيجان، وتزويده بالتعليمات اللازمة حول عمليات الاستطلاع وكيفية تنفيذ عمليات الاغتيالات وهو على متن دراجة نارية.
كانت العمليات الإرهابية التي استهدفت علماء وشخصيات مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، ترمي الى إحباط العلماء الإيرانيين، وزرع الخوف في نفوسهم، وحملهم على عدم الانخراط في البرنامج النووي الإيراني. أما ماجد جمالي فاشي فقد نفذ به حكم الإعدام في شهر آذار 2010.
تواصلت في ما بعد عمليات الاغتيال للعلماء الإيرانيين الذين عملوا لصالح مركز بحوث الفيرياء، حيث كان «الموساد» يريد الوصول الى المسؤول الأول في المركز، وهو العالم محسن فخري زاده الذي اغتيل أمس.
في20 تشرين الثاني 2010، وبينما كان العالمان النوويان فريدون عباسي دافاني ومجيد شهرياري يتوجهان الى عملهما، قام إرهابيون مقنّعون على دراجات نارية بالانطلاق بعمليتين منفصلتين نحو سيارة كلّ من العالمين، بإلصاق قنبلة في أسفل كلّ سيارة. أحسّ عباسي بخبطة سمعها في أسفل السيارة، فغادرها على الفور مع زوجته، وما هي إلا لحظات لتنفجر السيارة، ويُصاب عباسي وزوجته بجراح، أما مجيد شهرياري فقد لقي حتفه في الانفجار. فريدون عباسي أصبح في ما بعد نائباً لرئيس الجمهورية، ورئيساً لهيئة الطاقة الذرية، وأشرف على توسيع البرنامج النووي في إنتاج الوقود في المواقع الذرية الإيرانية.
في 23 تموز 2011، نفذ مسلحون يستقلون دراجة نارية، عملية اغتيال العالم النووي داريوش رضائي نجاد، بإطلاق خمس رصاصات عليه أمام منزله في طهران أصابت منه مقتلاً.
في 11 كانون الثاني 2012، ألصق عملاء قنبلة مغناطيسية في سيارة العالم النووي مصطفى أحمدي روشن، وفي 3 كانون الثاني 2015، أعلنت السلطات الإيرانية عن إحباطها لعملية اغتيال كانت تستهدف عالماً نووياً آخر.
آخر سلسلة عمليات الاغتيالات، جاءت أمس لتطال العالم محسن فخري زاده، وهو الذي كان هدف «إسرائيل» الأول منذ عشر سنوات. لكن السؤال الذي يُطرح: ما هي الإجراءات التي تتخذ في حماية علماء، هم النخبة في البرنامج النووي الإيراني؟! هؤلاء العلماء ليسوا كغيرهم من الأفراد، إذ يجب أن تتوفر الحماية الأمنية لهم على مدار الساعة. فحمايتهم هي حماية للأمن القومي الإيراني، ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال تبرير ما حصل. فالعدو الإسرائيلي ومعه عملاؤه في الداخل والخارج يرصدون العلماء النوويين الإيرانيين للاقتصاص منهم في ايّ وقت، حيث يعرف المسؤولون الإيرانيون جيداً هذا الأمر. لكن المسؤولية في نهاية الأمر على مَن تقع؟! المسؤولية تقع على مَن يجب أن يوفر الحماية الكاملة لهم، من دون التفريط لحظة بحياتهم، وجعلهم هدفاً سهلاً للوصول إليهم وتصفيتهم.
مستقبل إيران ومنعتها وقوّتها وصمودها بعلمائها. لذلك على القيادة الأمنية الإيرانية ان تضع حداً لموجة الاغتيالات، واتخاذ الإجراءات الصارمة الكفيلة في الحفاظ على حياة أفراد هذه النخبة من العلماء، أسوة بما تفعله الدول التي تحمي سلامة علمائها وأدمغة نخبها.
هؤلاء العلماء هم أساس نهضة إيران وتطوّرها العلمي، والعسكري، والاقتصادي، والمعرفي، والتكنولوجي، لذلك لا يمكن التفريط بهم أو التهاون مع ما تقترفه دولة العدوان «الإسرائيلية»، مع عملائها في منظمة «مجاهدي خلق» الإرهابية ضدّ أمن إيران وعلمائها.
انّ اغتيال محسن زاده يزيد من حدة المواجهة مع «إسرائيل» وحلفائها، ويشرع الأبواب على رياح ساخنة يريدها العدو، عله يستدرج طهران الى مواقع خطرة تصبّ في صالحه.
صحيح أنّ الضربة مؤلمة لإيران وأمنها القومي، وللعلماء النوويين الإيرانيين، من تلامذة وزملاء الشهيد محسن زاده، إلا أنّ ذلك لن يحبط عزيمة إيران للاستمرار في رسالتها ونهجها وبرنامجها، بل سيدفعها لتكون أكثر عزماً وصلابة للتصدي للعدو والاقتصاص منه العدو في الوقت المناسب.
*وزير الخارجية الأسبق.
No comments:
Post a Comment