Wednesday, 27 September 2017

الخطأ القاتل للأكراد في حرب النجوم .. الشمس والنجمة في مواجهة الهلال الخصيب

 ...نارام سرجون

 اذا ماكتبنا هذه الأيام عن الأكراد فسيحاول بعض من يريد الوقيعة بين العرب والأكراد توجيه الكلام وتحميله بالرصاص وعصر السم منه أو شق بطنه لاستخراج العداوة والتهديد لاستفزاز أعصاب الأكراد وعصبية التحدي لدى بسطائهم ..

واذا حاولنا ان نلف الكلام بالنصيحة كما نلف الهدايا بأوراق الهدايا سيصاب بعض الأكراد بالغرور والصلف ويعتقدون أن زمن الاستماع للنصائح قد ولى منذ سقوط بغداد على يد الأمريكان .. ولأن النصائح الخالصة لاتستعمل هذه الأيام الا لمخاطبة الأقوياء .. فيستمرون في العناد والمغامرة لاعتقادهم أنهم ينصحون بمودة ولطف لأنهم أقوياء .. ولكني في هذا المقال لن أقدم نصائح ولن أذهب لشراء أوراق الهدايا لأنني لاأهدي من يظن الهدية تملقا لقوته بل أهدي من لديه الحكمة ليدرك ان القوي هو من يقدم النصيحة للضعفاء .. فيتخلون عن العناد ويسمحون لعقلهم أن يتنفس الأوكسجين النقي بدل حبسه مع جثث افكار ميتة في قفص واحد وحجرة واحدة مغلقة مظلمة ..

لايمكن أن يفسر العناد البرزاني في اعلان الاستفتاء والرعاية الامريكية للتحرك الكردي في سورية الا بأنه مهمة كلف بها الأكراد وأنها ساعة الصفر التي حددت لهم لهم .. وسبب عنادهم هو أنهم خلف الكواليس مطمئنون الى سيناريو الانفصال لأنه يحظى بمباركة غربية اسرائيلية وعربية .. والقيادات الكردية لاتستطيع مقاومة اغراء الفكرة .. وهي لاتأخذ بالحسبان اي اعتبار لخطورة ماتفعل وتأثيره على الشعب الكردي وهي مستعدة لأخذه الى المغامرة ولايهمها الثمن الذي قد يدفعه الأكراد حتى لو كان سحب كل المكتسبات التي حققوها بين العراق وسورية وتركيا حتى هذه اللحظة والعودة الى مصير دولة مهاباد الكردية التي لم تعمر الا أشهرا قليلة .. وهذه المغامرة تشبه جدا مافعلته الحركة الاسلامية في المنطقة التي قبلت الصفقة مع الغرب في انها ستنهي الصراع مع اسرائيل وتوجهه نحو ايران ومحور المقاومة ..وقدمت الحركة الاسلامية منذ الأيام الأولى للتمرد السوري البراهين على اتجاهها الجديد عندما بعثت رسالة ودية لاسرائيل من حمص برفع (الثوار الجدد) علم اسرائيل لأول مرة في الشوارع في بداية التحرك عام 2011 .. الرسالة كانت صادمة وصاعقة لأنه في نفس الوقت الذي رفع فيه علم اسرائيل تم احراق صور السيد حسن نصرالله ورفعت النداءات الطائفية التي تعلن عن اتجاه الصراع الذي ستأخذ فيه الثورة الشعب السوري بعد (انتصارها) أي الى الحرب شرقا وليس غربا أو جنوبا .. في غمرة اندفاعهم وحماسهم غامر الاسلامون بالمقايضة الخسيسة مقابل الحصول على السلطة في معادلة رخيصة تقول:خذوا فلسطين وأعطونا الخلافة .. وكان لديهم اليقين الذي لايداخله الشك بأن الغرب ان وعد وفى وبأنه ان أراد شيئا فسيكون وبأن مقادير المنطقة ومفاتيح السلطة ليست الا في واشنطن ولندن وباريس وتل أبيب ..

وبالغ الاسلاميون في ثقتهم المطلقة بأنهم حكام المنطقة القادمون فرفعوا من تحديهم وتحولت لغتهم الى لغة استفزازية وقحة وطائفية بغيضة لتحويل كل مشاعر الرفض لاسرائيل لتغطيها مشاعر الرفض والعداوة لايران ..

الحركة الاسلامية دفعت ثمن هذا الخطأ التاريخي والخطيئة الأخلاقية والرهان الطائش وخرجت بهذا الخطأ من تاريخ المنطقة وفقدت كل أوراقها الشعبية وكل مصداقيتها في كل شعاراتها حتى الايمانية منها لأنهاباعت الدين من أجل الدنيا فخسرت الدين والدنيا حيث نكث الغرب بوعده القاطع لها بضمان انتصارها .. كما أن قاعدتها الخلفية في تركيا نكثت بوعدها فترك الاسلاميون في سورية ليلاقوا مصيرهم البائس في أسوأ هزيمة عقائدية واجتماعية وعسكرية ولن تقوم لهم قائمة بعد اليوم بعد الهزيمة السورية ..

من سخرية الأقدار أن شعوب المنطقة لاتستفيد من الدروس وتكرر نفس المسار المليء بالحفر وتقع في نفس الحفر دون أن تنحرف عنها مليمترا واحدا .. فلاسلاميون رأوا مصير العراق بعد تدمير استقلاله الوطني مقابل بيع السلطة في بغداد .. فكرروا نفس الخطأ في ليبيا وسوريا واليمن في تدمير أو محاولة تدمير الاستقلال الوطني ..

وهاهم الأكراد وقبل أن تجف التجرية الاسلامية البائسة والتي لايزال دمها طازجا في الصحراء وعلى أرصفة حمص وحلب يخوضون في نفس المياه والمستنقع وتحت اشراف نفس القوى التي أغرت الاسلاميين بتحركهم الأهوج غير المدروس ويوجهون سهامهم نحو القوى التي فشلت الحركات الاسلامية في زحزحتها ..

وذريعة القيادات الكردية هي أن الوقت ملائم للتحرك فالمنطقة أنضجتها الحروب ومثخنة بالجراح وأرهقت بالنزاعات ولن تقدر على خوض نزاع كبير آخر بعد الاستنزاف الكبير الذي أصابها .. فيما الحركة الكردية نضجت وقويت ولاتزال حيوية .. وهي الآن تستطيع بيع نفسها مقابل ثمن غال وهو تأسيس الكيان الكردي .. وهناك ضغط اعلامي سخي لاقناع الشعب الكردي أنه يعيد تجربة واستنساخ تجربة اسرائيل التي نجحت بالرهان على الغرب واجراء عقد تخادم مع الغرب حيث تخدم اسرائيل الغرب مقابل دعمه اللامحدود لها .. فقد استمتعت الى أحد القايديين الأكراد المتحمسين وهو يقول:

(بأن كردستان تشبه في الميلاد مراحل تكون اسرائيل .. فوعد بلفور أعطى صافرة الانذار ثم قام الغرب بالتهيئة باحتلال المنطقة وتفتيتها واحاطة المولود الجديد بكيانات ملكية موالية للغرب هي السعودية والاردن .. ولذلك جاء عام 48 وكانت عملية اعلان قيام اسرائيل سهلة للغاية وناضجة للغاية والمنطقة منزوعة الألغام .. ولذلك فان الدولة الكردية قد حصلت على الوعد سلفا كما وعد بلفور .. وهي تعد نفسها للاستقلال .. وهي لحظة تاريخية لن تتكرر حيث انهكت الجيوش العربية المحيطة بكردستان .. وحطمت مدنها تحطما شديدا ولن تقوى معارضتها للدولة الكردية على النهوض عن سرير الانهاك فورا غرف العناية المشددة .. وهناك لحظة في الغرب حاسمة تنظر الى التحرك الكردي باهتمام ولكنها تنتظر منه اظهار القوة والبأس كي تراهن عليه وتتحالف معه علنا .. لأن هناك رغبة في قيام كيان يحل محل داعش لابقاء المنطقة منشغلة عن اسرائيل .. ونحن يجب أن نستغل هذه اللحظة النادرة) ..

وكما نلاحظ في سياقات التبرير نجد أيضا تشابها في تفسيرات الاسلاميين الذين رفضوا ادعاءنا بنظرية المؤامرة وقالوا ان الغرب ذكي ورأى انطلاق قطار الثورات العربية في الربيع العربي الذي لايمكن ايقافه فركبه وابرم اتفاقا معه بدل مواجهته عندما رأى اندفاعه .. وهذا التفسير كان لالغاء دور المؤامرة وللتغطية على حقيقة مناقضة تماما لذلك وهي الاسلاميين هم الذين رأوا أن الغرب اندفع نحو الشرق بعد احتلال العراق وبدا قطار الاستعمار يعود الى الشرق فركبه الاسلاميون للوصول الى السلطة وأبرموا الاتفاق البغيض معه ..
أي ان الأكراد يريدون ان يستعملوا نفس ذرائع وتبريرات الاسلاميين من ان قطار الغرب الذي حمل الاسلاميين رأى أن الاسلاميين قد سقطوا ولكن الأكراد قد نهضوا ولايمكن ايقاف دولتهم وليس أمامه من خيار الا التحالف مع الأكراد الذين قبلوا الصفقة وصعدوا الى القطار ليوصلهم الى الدولة المنشودة ..

الخطأ الكردي في الحسابات ليس جغرافيا فقط وليس سياسيا بل تاريخي لأن لاوجود للوبي كردي في الغرب مثل اللوبي اليهودي كي يقاتل من أجل كردستان بل هناك استعمال وظيفي للأكراد من أجل اللوبي اليهودي الذي لايهمه وجع الأكراد طالما أنهم يتلقون الرصاص بدل اسرائيل .. وهذا اللوبي اليهودي لم يندفع للقتال الى جانب الاسلاميين رغم تحالفه معهم بل اكتفى بمؤازرتهم سياسيا وأحجم عن التورط العسكري المباشر ولكن عندما تم سحقهم اكتفى بالقاء نظرة الأسف عليهم ومضى لايلوي على شيء .. والأهم أن هناك علاقة عقائدية بين الغرب واسرائيل من خلال العهد القديم والعهد الجديد أقرب من العلاقة مع القرآن كتاب المسلمين الأكراد وسيكون حجم التعاطف العقائدي ضعيفا .. ناهيك عن أن قيام اسرائيل لايشبه ظروف ومصاعب الدولة الكردية لأن قيام اسرائيل تم التحضير له باسقاط الدولة العثمانية وعدم السماح بقيام دولة بديلة حيث قام الغرب على الفور بالحلول محل الوجود العثماني ولم يسمح بنهوض دولة عربية تشكل جيشا منظما ولم يخرج من الشرق الا عندما كانت اسرائيل جاهزة للنهوض .. فخرج الفرنسيون والبريطانيون بعد أن جهزوا مسرح الشرق الأوسط بتكوين جسم يهودي عسكري معتبر خلال عشرين سنة يقابله غياب أي جيش معاد .. وعندما نهضت اسرائيل لم يكن عمر الدولة الوحيدة المستقلة يومها – وهي سورية – المرشحة للمواجهة والاعتراض الا عامان لم يكونا كافيين لتجهيز جيش قوي ودولة راسخة يمكن أن توقف اسرائيل .. أما الأكراد اليوم فانهم ينهضون عقب حرب طاحنة انتصرت فيها الدولتان الرئيسيتان اللتان قد تواجهان المشروع الكردي وهما عسكريا أقوى بكثير بسبب تراكم الخبرة العسكرية وتدفق السلاح الذي جعل توازن القوى لصالح الجيش السوري .. ومع ذلك فلن تكلف سورية نفسها عناء زجر الأكراد لأن الجغرافيا تحاصرهم من كل مكان وليسوا في وضع الاسرائيليين على شاطئ البحيرة التي تصلهم بأوروبة .. كما أن تركيا التي كانت تزمجر وتهدد بالدخول لنصرة حلفائها الثورجيين السوريين لم تفعل لأن خسارة الثورة السورية لن تؤثر على تركيا مباشرة أما انتصار الدولة الكردية فسيضرب ويزلزل كيان تركيا من الداخل وينسفها لأن الأكراد في تركيا مثل حزام ناسف محيط بجسد تركيا سينفجر بمجرد ان تصله النار الكردية من الشمال السوري والعراقي .. لذلك فانها معركة وجود ومصير لتركيا وليست قضية معارضة سورية لاتضر ولاتنفع .. وقد بدأ أردوغان يفاوض لتسليم ادلب مقابل أن تتعاون المنطقة معه لتدمير الكيان الكردي دون اعتراض سوري أو روسي أو عراقي .. وهم الذين يعلمون أن التركي هو من سيتكفل بعلاج الصداع الكردي ..

هناك مراهقون ومراهنون ومضاربون ومقامرون ومستثمرون وتجار عقارات وسياسات يريدون أن يربطوا ظهور الشمس الكردية التي تتوسط العلم الكردي بالنجمة الاسرائيلية التي تتوسط العلم الاسرائيلي .. ويريدون توريط الشعب الكردي واستدراجه الى أكبر مواجهة له عبر التاريخ والى عملية استعداء لكل من حوله .. ويروجون الى تلاقي الشمس النجم في مواجهة الهلال الخصيب التاريخي الأزلي وسيخوضونها كما لو انها حرب النجوم .. ولكن اذا كان هناك من حصيفي الراي وذوي عقل راجح فعليهم أن يعلموا أن من المحال أن تظهر الشمس مع النجوم في الطبيعة في وضح النهار .. فهما لايلتقيان .. والشمس الكردية لايجب أن تلتقي مع النجمة الاسرائيلية .. وكل من يظن أنه سيرى النجوم في الى جانب الشمس لتحل محل الهلال الخصيب واهم .. وكل من يظن أنه سيرى الشمس تسير مع النجوم في الليل الداجي عندما يغيب الهلال أكثر وهما .. الا اذا كان الواهمون يصرون على ان يروا النجوم في عز الظهر .. لانهم سيرون فعلا النجوم في عز الظهيرة .. فهناك زمن قادم قد يجد الأكراد أنفسهم وحيدين محاصرين بأعتى قوى .. وستتخلى عنهم النجوم ويحل الليل البهيم الشتوي العاصف على أحلامهم .. حيث لاترى لاشمس ولاقمر .. ولانجم ولا ضوء نجم .. لاشيء يبقى الا الهلال الذي بدا حكاية الحضارة ولن تنتهي الحكاية الا كما يريد أن ينهيها ..

   ( الثلاثاء 2017/09/26 SyriaNow)

Related videos

Related Articles
River to Sea Uprooted Palestinian   
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!

No comments: