الصراع المندلع في لبنان حول الجهة التي يجب أن تؤول اليها وزارة المالية في الحكومة المرتقبة التي يعكف على تشكيلها الرئيس المكلف مصطفى أديب، ليست أكثر من عنوان قد يكون مهماً، إنما في إطار الحرص الأميركي للإمساك بالسياسة الأميركية.
هذا ما يكشفه الإصرار الحاد من قبل مجموعات لبنانية سياسية مرتبطة بالأميركيين والسعوديين ترفض تسلّم أي شيعي لوزارة المالية، ولو اقتضى الأمر اعتذار أديب ودفع البلاد نحو الفراغ.
فينكشف وجود مشروعين متناقضين الأول يزعم ان مصطفى أديب يشكل حكومة مستقلة بمفرده بشكل لا يأخذ فيه بأي اقتراح للقوى النيابية السياسية، فيما يؤكد المشروع الثاني، أن هناك محاولة تشكيل لحكومة، أعطى الأميركيون لفريق لبناني مكون من الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري ومعه ثلاثة رؤساء سابقون للحكومة هم فؤاد السنيورة وتمام سلام ونجيب ميقاتي، الحق باختيار اسماء الوزراء وطبيعة الحقائب، على أن يلبوا في الدرجة الاولى مهمة إبعاد حزب الله والرئيس نبيه بري وحلفائهم عن الحقائب الاساسية، خصوصاً وزارة المال التي تمتلك التوقيع الثالث في الدولة على معظم المراسيم والقوانين الى جانب توقيعي رئيس الجمهورية والحكومة.
هنا، بدا الفرنسيون تائهين في مبادرتهم لسببين: انتقادات أميركية حادة تستهدفهم بزعم أنهم لطيفون مع حزب الله ويلتقون بقياداته، أما السبب فيتعلق برفض حزب الله والرئيس بري، التخلي عن وزارة المالية التي يجزمون اتفاقية الدوحة إناطتها بهم عرفياً كحال الإناطة العرفية التاريخية لرئاستي الجمهورية للموارنة والحكومة للسنة وقيادة الجيش ومديرية المخابرات والإنماء والإعمار ومطار بيروت وطيران الشرق الاوسط والأمن العام والقضاء الاعلى، كلها مواقع موزعة مذهبياً بما يكشف ان الصراع على المالية يضمر خفايا اشتباك كبير أميركي مع حزب الله للسيطرة على السياسة اللبنانية من خلال الإمساك بحكومة أديب المرتقبة وقراراتها.
فمن يتصوّر أن وزارة المالية التي يمسك بها رئيس المجلس نبيه بري منذ أكثر من عقد تنتزع هذه الأهميات المحلية اللبنانية والخليجية السعودية والفرنسية والأميركية..
مع أن هذا لا ينفي مطلقاً أهميتها الداخلية في تحقيق هيمنة على السياسة اللبنانية من خلال الثنائية المارونية ـ السنية الى ثلاثية تخترقها الشيعية الثلاثية..
لكن الواضح أن هذه الشيعية السياسية هي جزء من إنتاج القرار السياسي اللبناني منذ انتصار حزب الله على إسرائيل في معارك 2006، ونجاحه في طردها من الأراضي اللبنانية، فأين الجديد إذا؟
لا بد أنه موجود من خلال وضوح التقاطع الأميركي ـ الفرنسي الذي انتج المبادرة الفرنسية الاخيرة في لبنان، وتبين أن مكابحها أميركية الصنع تعتمد خطة السيطرة على لبنان عبر حنين بعض اللبنانيين الى الفرنكوفونية ويجب بالمفهوم الأميركي، ان تحاصر حزب الله بإبعاده عن الحكومة.
الأمر الذي يوضح أن الأميركيين عبر الوساطة الفرنسية، يريدون نصب كمين دستوري حكومي، يلوّح ببعض حسنات الصندوق الدولي ومؤتمر سيدر والبنك الدولي لوقف الانهيار الاقتصادي اللبناني.
إلا أن لهذه الحسنات ما يقابلها أميركياً، وهي مخفية بألاعيب بعض رؤساء الحكومات السابقين الذين نجحوا بإيهام الرأي العام بأن الصراع داخلي على حقائب وأوزان طوائف فيتبين بالعمق أن الأميركيين يريدون حكومة تستطيع ان تربط بين وقف الانهيار الاقتصادي الداخلي وبين امتناع القوى اللبنانية عن التدخل في حروب الاقليم.. وهذا يعني إلغاء مشاركة حزب الله في ضرب الإرهاب في سورية وحدود لبنان الشرقية، وانتهاء دوره في الجنوب عبر تسليم قوات الطوارئ الدولية حق انتهاك القرى والبلدات اللبنانية الى عمق يصل الى سبعين كيلومتراً.
علماً ان الصورة الحالية للجنوب، هي احتلال اسرائيلي لبلدة الغجر ومزارع شبعا وكفرشوبا واحتلال مساحة من الحدود البرية والبحرية.
فلماذا يريد الأميركيون استصدار هذه القرارات من حكومة أديب؟
لديهم هدفان: إغراق لبنان بفوضى مسلحة تطالب بنزع سلاح حزب الله ونقل هذا الخلاف الى منظمة الأمم المتحدة، مع محاولات إعلان هذه الحكومة لحيادية لبنان في الصراع مع «اسرائيل» كما يطالب البطريرك الماروني الراعي وحزب القوات والخليج الذي احتضن أخيراً «اسرائيل».
بذلك يتضح ان ما يجري في لبنان من صراعات طوائف ليست إلا حجاباً رقيقاً يستر محاولة أميركية لنقل لبنان الى حلف التطبيع مع «اسرائيل» ـ أو الحياد معها على الأقل ـ وهذا يتطلب مشاركة شيعية في حكومة أديب ليست على قدر وازن من الفاعلية الوطنية.
فهل هذا ممكن؟ إن إصرار الثنائي الشيعي على وزارة المال وتسمية وزرائهم ليس عملاً طائفياً، بقدر ما يؤسس قدرة دستورية على مجابهة المشروع الأميركي الذي يريد دفع لبنان الى احضان «إسرائيل».
No comments:
Post a Comment