في معرض الردّ على تصريحات منسوبة إليه يهاجم فيها الجنود الأميركيين فتح الرئيس الأميركي النار على قادة البنتاغون قائلاً: ربما يكون كبار المسؤولين في البنتاغون لا يحبونني لأنهم لا يريدون فعل شيء سوى خوض الحروب، ولذا فإنّ كلّ تلك الشركات الرائعة التي تصنع القنابل والطائرات وكلّ شيء آخر ستكون سعيدة.”
وجاءت هذه الإشارة السلبية من ترامب تجاه البنتاغون في سياق عملية تجاذب منذ ان هدّد ترامب باستخدام قانون التمرّد للاستعانة بقوات إنفاذ القانون خلال الاحتجاجات التي أعقبت وفاة المواطن من أصول أفريقية جورج فلويد على يد أحد ضباط الشرطة في جريمة وحشية ما زالت تداعياتها مستمرة حتى اليوم.
يومها أعرب الجنرال مايك بيلي رئيس هيئة الأركان المشتركة عن أسفه لانه سار مع ترامب في ساحة لافييت.
ويعتبر هذا السجال المتصاعد بين الرئيس الأميركي وكبار جنرالاته الذين عيّنهم بنفسه، كما عيّن أيضاً وزير الدفاع مارك اسبر (الذي كان مسؤولاً تنفيذياً ومقاول دفاع في شركة “رايثيون” التي تعدّ من أكبر الشركات المتخصصة في أنظمة الدفاع) تعبيراً جديداً عن عمق الأزمة البنيوية التي يعيشها النظام الأميركي، كما كان يردّد دائماً أخي وصديقي الدكتور زياد حافظ منذ عشرين عاماً، والتي يبدو أنها على ملامح انفجار كبير مع الانتخابات الرئاسية الأميركية في اوائل نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل حيث يعلن الطرفان الجمهوري والديمقراطي رفضهما منذ الآن لنتائج الانتخابات اذا لم تأت لصالحه الى درجة انّ أحد كبار المسورلين في الحزب الديمقراطي قد أشار الى دعوة القوات المسلحة الأميركية الى إخراج ترامب من البيت الأبيض في حال رفضه الاعتراف بهزيمته.
لكن هذا السجال المستجدّ بين البيت الابيض والبنتاغون، المضاف الى سلسلة سجالات تملأ الساحة السياسية والشعبية والاقتصادية والاجتماعية الأميركية، يذكر بمقولة ردّدها الجنرال دوايت ايزنهاور رئيس الولايات المتحدة بين عام 1952 -1960، عشية مغادرته البيت الابيض محذراَ من مخاطر “المجمع العسكري الصناعي على الدولة الأميركية وسعيه لانتهاج سياسات حربية تؤمّن لشركات السلاح موارد لا تنضب، فيما تؤمّن هذه الشركات وظائف مجزية لكبار الجنرالات بعد مغادرتهم الخدمة العسكرية.
اليوم يأتي ترامب، وهو رئيس “جمهوري” أيضاً، كما ايزنهاور، ليشير الى هذه العلاقة بين كبار الجنرالات وكبار المقاولين في تعبير عن غضبه من عدم تجاوب البنتاغون مع خططه بإعاد انتشار القوات العسكرية الأميركية خارج الولايات المتحدة (وهو مطلب يرتاح اليه المواطن الأميركي)، كما لعدم تجاوبه مع رغبته بتطبيق قانون التمرّد الذي يضع بنظر أميركيين كثر، أكثريتهم من البيض، حداً للفوضى الأمنية التي تعيشها المدن والبلدات الأميركية منذ أشهر.
لا شك انّ هذه التحوّلات تستحقّ دراسة معمّقة على أكثر من صعيد، ولكن لا بدّ من دراستها على مستوى تداعياتها على حجم النفوذ الأميركي خارج الولايات المتحدة، وخصوصاً في بلادنا، حيث ما زال الكثير من الحكام والمحللين أسرى تحليل قديم يرى بأنّ “واشنطن قدر”، وأنّ سياستها تمتلك من القوة ما لا يسمح لأحد بمواجهتها.
انّ اشارة ترامب الى العلاقة بين كبار الجنرالات وكبار المقاولين، مجدّداً تحذيرات سلفه في الرئاسة والحزب الجمهوري، دوايت ايزنهاور، من تغوّل “المجمع’ الصناعي العسكري، الذي لا يستبعد بعض المحللين دوره في جريمة اغتيال الرئيس الديمقراطي جون فيتزجرالد كنيدي عام ١٩٦٣، وشقيقه روبرت عام ١٩٦٦، ليصبح الأمر تماماً بقبضة “المجمع” الذي لم يتوقف عن شنّ الحروب على شعوب العالم، وبشكل خاص على الشعوب العربية والإسلامية…
انها قراءة من خارج السياق، ولكنها ضرورية لكي نفهم أكثر السياسة الأميركية في منطقتنا او بالأحرى اللاسياسة الأميركية التي لا تحركها إلا مصالح الكيان الصهيوني وأمنه…
انها قراءة ضرورية لكلّ من يضع كلّ أوراقه بالسلة الأميركية وهو التحليل الذي أدخل الأمة كلها منذ عام 1977(زيارة السادات للكنيست) في اتفاقات متعدّدة باسم “السلام” الذي لم ينجب سوى الحروب لهذه المنطقة…
الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي
No comments:
Post a Comment