النظام السياسي للبناني مرتهن دائماً للخارج السياسي الدولي الإقليمي الذي يُغطيه ويرعاه، الا أن نجاح حزب الله في طرد الاسرائيلي والارهاب في لبنان ومعظم سورية، ادى الى ولادة ظروف داخلية لتحالفه مع التيار الوطني الحر.
لقد أنتج هذا التحالف استقراراً لبنانياً اجتماعياً وسياسياً أجهض مشاريع الفتن المذهبية والطائفية… لكن الغطاء الخارجي للقوى السياسيّة اللبنانية، حماها في مشاريع السطو على الاقتصاد البناني وإفلاس البلاد.
وتمكنت من توحيد الاقتصاد اللبناني لأنها استغلت الصراع بين ثلاثة مشاريع اقليمية، الاول هو المشروع الاميركي الذي ابتدأ بغزو افغانستان والمشرق منذ 2001 لإعادة إنتاج شرق اوسط جديد. والثاني هو المشروع الاسلاماوي ذهب نحو بناء خلافة اسلامية مزعومة بالقتل والذبح والتسعير الطائفي والعرقي واقصى درجات الارهاب.
اما المشروع الثالث فهو «المقاوم» الذي جابه الاميركيين والارهاب وقوى يمنية عراقية سورية لبنانية مرتبطة بهم مسدداً ضربات متواصلة لهذه القوى أدت الى منع الاستفراد الاميركي مع قواه المحلية ببلدان المنطقة. الا ان لبنان بسبب طائفية نظامه المغطاة أيضاً من الطبقة الدينية المتمثلة بالمفتين والكرادلة وشيوخ العقل والمطارين، تمكنت من استغلال الصراع بين المشاريع المذكورة للاستمرار في سطوها على كامل الاقتصاد اللبناني والادارة والدين والتعليم والقضاء والجيش وسط انهماك المقاومين بالتصدي للعدوين الأكثر خطورة، «اسرائيل» والارهاب والغطاء الاميركي السميك.
هذا ما ادى الى الانهيار الاقتصادي الدراماتيكي في لبنان، وعجز الدولة عن إعادة ترميم بناها الدستورية، واستمرارها في تبني أسلوب التحاصص الحكومي وكأن شيئاً لم يكن.
هذا النظام يعرف أنه لا يزال حاجة أميركية، ويدرك ايضاً انه ليس جزءاً من الاستهدافات الأميركية في الشر، بقدر ما يشكل حليفاً أساسياً لحركتها في لبنان والإقليم إذا كان ذلك ممكناً.
بذلك يتبدّى مشهد حقيقي، قد يراه بعض المحللين صعب التصديق، وهو نجاح المقاومة في الحماية الوطنية والسياسية للمنطقة، مقابل نجاح القوى المحلية التقليدية في تنفيذ أكبر عملية فساد في التاريخ، ورسوخها في مواقفها الدستورية.
هنا تفتق الابتكار الغربي عن خطة جديدة للسيطرة على لبنان، يجري العمل على تنفيذها باسلوب متدحرج.
المؤشرات الاولى لهذا المخطط هو الدفع نحو فوضى سياسية واقتصادية واجتماعية طائفيّة تهدف الى تشديد العزلة على الجناح اللبناني المقاوم، تريد هذه السياسة إفهام المواطن اللبناني أنه جائع بسبب حزب الله الذي يضفي صورة غير مستقرة على الوضع الداخلي. ويمنع هيئات النقد الدولية من دون تسليف لبنان ما يحتاجه وهذا يدفع نحو المزيد من الانقسامات الداخلية والتصدع المذهبي والطائفي.
بالمقابل، يقوم الإعلام الغربي والداخلي الموالي له بتسريب معلومات من الصناديق الدولية يرد فيها أن مؤشر «سيدر» جاهز لتقديم ديون للبنان مقدارها اثنا عشر مليار دولار وصندوق النفقد الدولي خمسة عشر مليارات وبين مليار وخمسة مليارات من البنك الدولي. لكن دون الحصول على هذه الأموال، ضرورة اشراف هذه المؤسسات المالية الدولية على النظام الاقتصادي اللبناني لمدة خمس سنوات على الأقل، بمواكبة هذه الارقام المغرية لبلد مفلس كلبنان تصل أوامر اميركية بالبريد الدبلوماسي السريع ان الحكومة المرتقبة يجب ان لا تضم وزراء من حزب الله… هذا يعني باللغة الصريحة ان اسماء الوزراء الجدد يجب أن تنال مسبقاً موافقة السفارة الأميركية.
هذا المشروع الاميركي الجديد هو اذا مخطط لانتداب على لبنان لخمس سنوات متواصلة قابلة للتجديد عبر الهيمنة الاقتصادية او الفوضى…
اما مهامها الفعلية، فهي التوقيع على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، وفتح ملف سلاح حزب الله، باعتبار أن اسباب وجوده لم تعد اساسية، لان ابواب المفاوضات على الحدود البرية أصبحت مفتوحة مع الكيان المحتل… وهذا يشمل بالطبع إيلاء شركة شيفرون الاميركية ومثيلاتها حقوق التنقيب في آبار الغاز اللبنانية بالتعاون مع الطبقة السياسية اللبنانية التي نهبت البلاد في الثلاثين سنة الماضية.
أليست هذه من فئة الحروب الاميركية الجديدة عبر استعمال السلاح الاقتصادي للإمساك بسياسات الدول.
لبنان اذاً أمام إرهاب اميركي غربي كبير فهل يستسلم له ام يجد وسيلة لإجهاضه؟
إن ما يحبط المشروع الخارجي المستهدف للبنان، هو اتفاق القوى السياسية اللبنانية على مسألتين: الاولى ان آبار الغاز والنفط اللبنانية هي حصراً لوقف الانهيار الاقتصادي من دون ربطها بشروط سياسية او تركها بجشع القوى السياسية الداخلية.. وهذا يتطلب إعلاناً وطنياً من الرئاسات الثلاث للدولة بتحريم أي دور لأي سياسي لبناني او من يمثله في موضوعها… وهذا يتطلب تشكيل لجنة وطنية عليا نزيهة وتدير نفسها من دون تعليمات من قوى النظام السياسي، وتعمل على المكشوف في التظهير الإعلامي المباشر للناتج وطرق إنفاقه على اولويات وطنية. وفقط من دون الغرق في لعبة توازنات الطوائف التي يتبنى فينا بعد انها توازنات في السطو على المال العام بين أحزاب الطوائف.
إن الاتفاق بين القوى السياسية يردع المشروع الاميركي ويدفعه الى تراجع كبير..
اما لجهة حزب الله فيجب الإقرار انه سلاح داخلي واقليمي يتصدى لـ«اسرائيل» والارهاب.. بمعنى ان لا امكانية لسحبه الا بعد انتهاء إرهاب يؤكد الأميركيون والأوروبيون على استمرار وجوده.
اما السبب الآخر فيتعلق بالاحتلال الاسرائيلي لأراض لبنانية وسورية واسعة. وهذا بمفرده كافٍ لدعم حزب الله في مواصلة تصديه للعدو الاسرائيلي، وإعادة تسليح الجيش اللبناني بأسلحة موازية للأخطار المحيطة بلبنان والتي تتجاوز بكل تأكيد أسلحة الشرطة التي يتباهى الأميركيون بانهم يقدمونها للبنان في حين ان كل المصادر الدولية تؤكد أن هناك خطراً أميركياً على تسليح الجيش اللبناني بأسلحة فعالة لمجابهة العدوانية الاسرائيلية.
ما يجب أن يشجع كل القوى السياسية اللبنانية على المطالبة باستمرار حزب الله للدفاع عن لبنان واللبنانيين من كل الطوائف ومصادر ثرواته.
No comments:
Post a Comment