من رأى ربيعا فليغيره بيده .. انه عام الفيل في الشام ...
عامان تعب فيهما الكلام من مبارزة الكلام ولم أتعب .. عامان وكلامي يحفر وجه الزمن .. ويحفر وجه الخيانة .. وأزرع الزيتون وأقطع الصبار .. تعبت المعاول والفؤوس من رحلة المهاوي نحو الجذوع .. ولم يتعب ساعداي اللذان يحملان الفؤوس ويهويان على الجذوع المنخورة..
بعض الكلام بدا وقد ضاق ذرعا وأنا أحمله من مواطنه في القواميس على متن الخواطر والمقالات كل ليلة ليقوم بنوبات الحراسة على العقول والأعصاب .. وأستدعيه على عجل ليقوم بالغارات وأعمال الكوماندوس على الثورة والثوار .. ضج الكلام وأنا أرمي بمفرداته في عمليات استشهادية .. بعض الكلمات التي تفجرت لم تعد الي الا أشلاؤها ووصاياها بأن أستمر .. بعض الكلام تبرم من أنني لم امنح اجازة لأية كلمة .. ومنعته عامين كاملين من السفر والاستجمام وأن يمضي عطلته على شواطئ القواميس الكبرى ..وبين تراث الكلام .. وأعمدة الرخام ... فكيف أعتذر من الكلام؟؟
واغفر لي أيها الكلام ان أخذتك من جديد في رحلة الرفض وبيانات العصيان والتمرد .. واغفر لي أنني سأكرر بأنني لم أستح يوما من المجاهرة بعدم اعجابي بالربيع العربي واحتقاري للبيت الوضيع الذي نشأ فيه والمرضعة التي أرضعته .. وتقززي من الماء الذي شربه والوعاء الذي أكل فيه .. ولن أتهيب من القول أنه لم يعجبني أبناء عمومته ولاأخواله .. ولم تعجبني صلاته ولازكاته ولابيته الذي حج اليه المؤمنون في استانبول وايباك .. لم تعجبني أخته ولاأخوه ..ولاأمه ولاأبوه..
كل مافي هذا الربيع مشبوه ووجوه القادمين عبره بلا ملامح .. وأصواتهم كأنها أصداء في دهاليز كهوف عميقة .. ولم تعجبني حتى نشأته الغامضة الملفوفة بالأسرار والخفايا .. ولاتعاويذه وحجاباته التي كتبها اتحاد علماء المسلمين .. وعاظ السلاطين ..
لن تحرجني شهقات الأحرار وعشاق الديمقراطية وهي تستغرب ازدرائي لأهل الربيع .. ولن أعير تلك العيون المندهشة من تجرؤي على الثوار أي اعتبار وسأسير في طريقي لاألوي على شيء .. وأنا أقول في سري: صدق من قال "من رأى باطلا فليغيره بيده" .. فماذا عمن رأى ربيعا؟؟وهذا الربيع جيش من الباطل؟؟ هل هناك باطل فوق باطل الربيع؟؟
انني سأقول منذ اليوم: من رأى ربيعا فليغيره بيده .. وليخفقه بسيفه خفقا .. ومن رأى ثورجيا فليغيره بيده .. ومن رأى حكم عدالة وتنمية فليغيره بيده .. ومن رأى حكما اخوانيا فليغيره بيده .. فكلها باطل في باطل .. بل هي جذور الباطل بذوره..
هذا الباطل يتغير في بلاد الشام .. وهذا العام يجب أن يكون عام الفيل في قواميسنا!!.. ففي كل مرة يقع الثورجيون السوريون في حيرة انتقاء أسماء لانفعالاتهم واندفاعاتهم ومعارك الهواء .. يسعفهم مكتب الحريري الاعلامي عبر عقاب صقر بانتقاء الأسماء الطنانة التي تلقي الرعب في القلوب .. فانتقي اسم ساعة الصفر .. ثم البركان .. ووصل آخر المواليد العنترية الينا وهو "ملحمة دمشق الكبرى" .. ولكن المواجهة مع الجيش العربي السوري أعادت للحقائق احترامها وللمعارك عقلها .. فلم تكن نتيجة ساعة الصفر الا صفرا ثوريا مكعبا .. وأما البراكين الثورية فقد تم اغلاق فوهاتها وكتمت أنفاسها وجشاءاتها وعطاسها .. واليوم يتكرر المشهد في ماسمي ملحمة دمشق الكبرى ..والتي تستحق اسم الخراب الثالث لهيكل الثورة .. وربما اسم "معركة عام الفيل" ..
من يرى ماذا فعل الجيش العربي السوري بأصحاب الثورات والملاحم الكبرى وكيف "جعل كيدهم في تضليل" فانه لن يحتار في انتقاء اسم لهذه المعركة ولهذا العام بالذات .. ولو بحثت شخصيا عن اسم يناسب معركة ملحمة دمشق التي أرادتها المعارضة بداية الاستيلاء على دمشق لما احترت .. فلقد تجولت بين صفوف الكلام وبين نخب الأوصاف فلم أعثر الا على وصف (معركة الفيل) ولن يكون هذا العام الا (عام الفيل) .. لأن مانقلته تقارير لاتحصى عن دمار لحق بمقاتلي المعارضة يستحق ان تكتب فيه مرثاة انسانية.. وما رأيته من صور الفتك بالمعارضين ومن تقارير عديدة يذكرني بعبارة "العصف المأكول" في سورة الفيل .. عندما هاجم أبرهة الأشرم مكة ليهدم الكعبة في عام عرف بعام الفيل .. فتحول جيشه الى عصف مأكول .. ان هذا العام سيكون عام الفيل الذي ينتهي فيه حلم أبرهة التركي والاسرائيلي والسعودي .. وفي هذا العام ربما ستدفن أباء الرغال ..في الدوحة ..و أمهاتهم..واخوانهم .. وأبناؤهم .. رغال في اثر رغال ..
ان هذه
الثورة الحمقاء تجبرني دون حرج على أن أتعاطف مع مقاتليها وضحاياها وأن أوجه نداء
صادقا الى قياداتها العابثة بأن توقف هذه المجزرة التي تفرم هؤلاء الشباب والصغار
الذين ترمي بهم المعارضة الى هلاك حقيقي .. ان المناظر وصور الموت السخي التي نقلت
لي لم أرها في أية معركة .. مقاتلون مبعثرون بدمائهم على امتدادات الطرق وعلى كل
الأرصفة .. بلا نهاية .. متكومون فوق بعضهم وكأنهم في مهرجان للموت أو موسم حصاد
وجني تكدس فيه المواسم والسلال فوق بعضها .. ان كراهيتي للمعارضة واحتقاري لقادتها
ازداد لأنها جعلتني أتمنى أن تقف هذه المعركة رحمة بمقاتليها .. انني لاأستطيع ان
أتحمل رؤية هذه المجزرة المجانية .. فلاشيء في العالم يستحق أن يدفع بهؤلاء الشبان
من البلاد العربية ومن أبناء السوريين الى هذا الموت السريع والتهلكة الرخيصة..
لايوجد منطق في الأرض يبرر دفع هؤلاء الشباب الى مثل حقول الهلاك المجاني أمام جيش مدرب خصيصا لمواجهة أعتى جيوش العالم .. بل ان الناتو وتركيا نفسها قرروا تجنب المواجهة وترك الأمر لهؤلاء المجانين من المعارضين الذين يتبرعون بأجساد هؤلاء الشباب بلا حساب ..معارضة غبية وأنانية وصلفة وحمقاء متعجرفة ومجرمة بحق أبنائها قبل اجرامها الوطني..
سأقول ناصحا من كل قلبي بأن على المعارضة أن تشفق على كوادرها ومقاتليها وأن تتخلى عن حلم اقتحام دمشق .. ولو كنت في صفوف قيادات الثورة الميدانية لما طلبت من قيادتي التريث في اقتحام دمشق بل الغاء الفكرة نهائيا لاستحالتها .. لأسباب جوهرية يجب أن يدركها كل عاقل وحصيف .. فتطاول الثورة تسبب في اختراقها كثيرا وهذا لم يعد سرا وبعض الأسماء المتعاملة مع الأمن السوري ستكون مذهلة ومفاجئة عندما تنشرها المذكرات والوثائق .. كما أنه لايمكن القيام بعمل عسكري ولامناقشة أية خطة اقتحام لدمشق الا وتكون المخابرات السورية حاضرة عبر عملائها الذين يشاركون الكتائب في الاعداد والتحضيرات التنفيذية حيث تصل جميع النسخ الى الأجهزة الأمنية السورية قبل كل تحرك كبير .. والأهم أن تأخر محاولة اقتحام دمشق على مدى سنتين تقريبا أعطى الجيش السوري والدولة الوطنية السورية وقتا ثمينا جدا لدراسة خارطة الدفاعات المحيطة بالمدينة ونقاط الضعف .. لأن الدفاع عن دمشق سابقا كان مصمما للدفاع عن مدينة معرضة لسيناريو اقتحام بغداد بكتل عسكرية غربية ضخمة وقصف جوي عنيف وليس من قبل موجات بشرية بلا غطاء جوي وتعتمد على الاندماج مع السكان المحليين .. كما أن الطوق المحيط بدمشق من قبل الدولة السورية يزداد قوة وخبرة ويجب بعد الفشل الثالث للمعارضة في الوصول الى قلب دمشق أن تفكر جديا في الاقلاع عن هذا الجنون .. فلا يوجد قائد عسكري فذ يعيد محاولة اجتياح منفذ أو بؤرة فشل فيها ثلاث مرات متتالية بنفس الطريقة وكانت الأولى محرقة والثانية حفلة صيد للأسماك والثالثة أشبه بالابادة الشاملة للقوات المهاجمة حتى صار اسم العصف المأكول هو الاسم الأنسب لكتل الاجساد المحطمة على مداخل دمشق ..انه الخراب الثالث لكتلة المقاتلين..
كنت أستمع الى وفيق السامرائي وهو يشيد بالثوار الداخلين لاحتلال دمشق .. وتبسمت اذ عرفت أن ثورة تنتظر عبقرية السامرائي لن يكتب لها النجاح .. ذلك لأنني حكمت على السامرائي بأنه شخص فارغ بلا مستقبل منذ التقيته مع صديقين في دمشق في فندق الشام حيث وصل للقائي بسيارة مرسيدس زرقاء قدمتها له المخابرات السورية .. وجعل يحدثنا عن صدام حسين وعن أنه ليس به مرض كما يشاع الا ارتفاع الكولسترول والمناقير في فقرات الرقبة .. وحدثنا كيف وصفه الرئيس صدام بالجبان لأنه كان خائفا من المعركة مع الغرب وكتب له بالحرف في ذيل تقريره (لماذا كل هذا الجبن ياوفيق؟؟) .. وأذكر أن وفيق يومها ردد عدة مرات وبشكل ملفت للنظر أمله في التواصل مع الأمريكان ونيل مساعدتهم للمعارضة العراقية في مشروعها التحرري من الديكتاتورية ..
ثم اضاف: أنا متأكد ان السامرائي لن يطيب له المقام في دمشق لأنه يريد بيع نفسه ويسوق نفسه للغرب .. ولذلك يرتاح السامرائي عندما يقال له بأنه قد يكون الرئيس العراقي القادم برعاية الغرب .. وهذا الميل والرهان على الأمريكيين لن يروق للقادة السوريين حتى وان خاصم غريمهم صدام حسين ..
وبالفعل فبعد أشهر قليلة فوجئت بالسامرائي يتحدث من لندن .. ولم يعد منذ ذلك اليوم الى دمشق .. وهاهو اليوم يريد ادخال فلسفته العسكرية الفاشلة الى دمشق ويبارك للثوار معارك التهلكة..
هناك من الثورجيين من يصدق السامرائي البائس الذي يبحث عن أي دور ويعتقد بغباء أن سيناريو اقتحام حلب يمكن تكراره في دمشق .. لكن التسلل الى حلب كان بسبب المؤازرة الكبيرة واللوجستية التركية والغربية وسهولة اقامة غرف عمليات على الحدود التركية للاشراف على معركة حلب التي ستنتهي ان عاجلا أو آجلا لصالح الجيش السوري .. لكن اقتحام دمشق وحسب ما يتناقله خبراء عسكريون محنكون من قلب معسكر الناتو لايمكن حتى للناتو نفسه قبل أن يحضر له قصف جوي عنيف بخمسمئة طائرة ولمدة ستة أسابيع لتذويب كتلة الدفاعات الرئيسية الرصاصية .. وتحتاج دفاعات الجيش السوري حول وداخل دمشق الى القيام ب 18 ألف غارة جوية حتى تصمت القدرة الدفاعية لدمشق حسب معظم الخبراء ..
لم تعد الثورة تخيفني ولا الربيع .. فهاهو الربيع يترنح وهاهي الثورات ترتجف .. وهاهو قلبي يذكّرني بما قاله منذ ولادة الربيع .. بأن لاتخشوا هذا الربيع بعد اليوم .. فكلما شرب الربيع من الدم أصيبت الثورة بالشيخوخة السريعة ... هذا ربيع يشرب الدم حتى الادمان .. ومن يدمن شرب الدم لايتوقف حتى يموت من كرع الدم ... وكلما جندلت الثورة وردة للحرية طلعت من جرح الوردة شجيرة للحرية ...
الربيع يتآكل حول دمشق .. والثورة متعبة .. والحيوان الجريح لم يعد قادرا على لعق جراحه لكثرتها .. وصوته متحشرج .. وحال الربيع لايسرّ..فالربيع العربي وأهله مشغولون في صراعهم من أجل البقاء في تونس ومصر ..
ففي مصر تبدو ثورة مرسي محاصرة بالأعاصير والنيران .. ومرسي الغريق الذي كان يهدد السوريين الذين يقفون على اليابسة باغراقهم في بحاره .. صار يبلع نصف الكلام ونصف التهديد مع ماء البحر الذي يشربه .. تهديد الغريق للواقفين على الصخور والشواطئ صار يستحق الرثاء ..
ومن لايصدق أن الربيع يتآكل بسرعة فلينظر الى أصابع الثورة التي ترتجف في تونس وهي تسدد بنادقها ومسدساتها على كل عين تنظر من خلال ثقوب الربيع التي تتسع .. العيون الناظرة من ثقوب الثورة والربيع ترى مالايجب أن يرى ويجب أن تفقأ ... وعينا الراحل "شكري بالعيد" رأتا مالاعين رأت في تونس ولاأذن سمعت ولاخطر على قلب ثائر وحر .. فقد رأى أصابع المخابرات تصنع عجين الثورة وتخبزه في قطر والسعودية ورأى أن أبناء تونس يرمى بهم في تنور الموت السوري ليستمر حريق الربيع ويخبز الخبازون خبز الحرية المسموم لشعوب الشرق..
ومن لايصدق أن الربيع يتأرجح بعنف فلينظر الى نظرة الرعب في عين الغنوشي وهو حائر .. لأن صوت "شكري بالعيد" يهز فصل الربيع في تونس ومفاصله وركبه .. ثورة بكاملها يهزها هدير رجل واحد اسمه شكري بالعيد .. وكل ديالكتيك حزب "النهضة" والديالكتيك الاسلامي لايقدر بعد اليوم أن يمنع دم "شكري بالعيد" من الصراخ في آذان أهل تونس كما لو كان صوت والد هاملت .. وهاملت التونسي سيسمع صوت أبيه كل يوم الى أن يثأر من قاتله .. وستنهض من دمه كل تونس .. ولاتوجد قوة تحول بينه وبين أن يصفع وجه الثورة .. .. ولن تقدر كل مساجد حزب النهضة أن تمسح دم "بالعيد" عن حيطانها ومآذنها وأذانها لأن قرار اغتياله قد نسجته الخطب والمواعظ الدينية المنفلتة على الناس كثيران المصارعة ونسجته ثقافة العنف الديني الذي جاء راكبا أعلى سنام لناقة الثورة .. مآذن القيروان تتحول الى أنصال خناجر مشرعة تقطر دما .. والمآذن التي تتخضب بالدم لن ترفع أذانا كالأذان بل سترفع مستوى الجريمة والعنف كما هي مساجد الوهابية ومساجد الاخوان المسلمين وصاحب الفتاوى الدموية يوسف القرضاوي ..
ولايقال لشعب تونس وشعوب الربيع الا وصية واحدة: من رأى باطلا فليغيره بيده .. ومن رأى ربيعا فليغيره بيده ..ولن أعتذر من الكلام .. انه عام الفيل ..عام نهاية الربيع .. ونهاية جيش أبرهة .. في الشمال حيث مكة بلاد الشام .. فللبيت رب يحميه .. وللشام رب يحميها ..
ديوك المعارضة بدأت بنتف ريش بعضها
أردوغـــان وطابور الحمقـــى
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of this Blog!




No comments:
Post a Comment