لن عرف الحكاية اذا عرفت بدايتها فقط او نهايتها او جزءا منها .. ومن يظن ان حكاية السفينة العالقة في قناة السويس عابرة فليعلم انه لايعلم .. فحكاية السفينة الانتحارية ايفرغرين التي انتحرت في وسط القناة – مثل اي انتحاري ارهابي يفجر حزامه الناسف لالحاق الاذى بخصومه – لتخريب فكرة قناة السويس .. يعود سرها الى عام 1956 عندما انتحرت سفينة استشهادية لغاية أخرى يقودها الاستشهادي ضابط البحرية السوري المسيحي جول جمال في بورسعيد .. ذلك العمل الاستشهادي كان دفاعا عن قناة السويس المصرية ابان العدوان الثلاثي على مصر .. وكان ذلك اعلانا لاغلاق قناة السويس الى اشعار آخر الى ان تصبح مصرية بالكامل ..
في تلك اللحظة عام 56 ظهرت أسرار القناة .. فالقناة تبين انها عزيزة على قلب بريطانيا وانها احدى اهم جواهر التاج البريطاني .. ولكن أخطر الأسرار ظهرت عندما تبين ان الجغرافيا هي التي تقرر ملكية الطرق الدولية .. في تلك اللحظة المصرية المصيرية الناصرية تنبه البريطانيون الى حقيقة الجغرافيا وهي ان هذه القناة ليست في انكلترة بل في مصر .. ومن يملك الجغرافيا يملك القرار على الجغرافيا .. ولذلك فان البريطانيين لم يمانعوا في ان تقفل او تقتل قناة السويس وتردم اذا لم تكن لبريطانيا او فلتخلق قناة سويس بديلة او استنساخ القناة في النقب الفلسطيني .. وهذا ماكان في صلب التخطيط الغربي .. لذلك ظهرت فجأة منذ الستينات مشاريع شق قناة بديلة من العقبة (ايلات) الى البحر المتوسط عبر النقب في فلسطين المحتلة تحت رعاية اسرائيل ..
العالم الغربي لايحب النوم في العسل كما بعض البسطاء من السياسيين في الشرق .. لأن قرار قتل قناة السويس ظهر ووضع أخرى تحت رعاية اسرائيل يعني ان القناة ستكون نقلت وكأنها صارت في بريطانيا .. لأن اسرائيل مربوطة بالسلاسل الى الغرب ولاتقدر الا ان تكون طوع بنان الغرب لحاجتها اليه .. فهي مخفر متقدم ونواطير من المستوطنين اليهود الذين يرتبط مصيرهم بجرة قلم من أوروبة .. واذا فكرت اسرائيل في التمرد فان الغرب سيتركها لمصيرها في هذا البحر العربي الهائل بل وسيوجهه لتحطيمها .. واذا كان الرئيس الامريكي يقول للملك السعودي انك لن تبقى اسبوعين اذا تخلينا عن دعمك فان نفس الكلام يقال لاسرائيل .. فهذه الاسرائيل ستقع في خمسة ايام اذا قرر الغرب تركها لمصيرها ..
هذه بداية الحكاية .. اي منذ لحظة تحرير القناة وظهور ضابط بحري انتحاري يحول سفينته الى سفينة انتحارية وتغلق القناة الى اشعار آخر .. ولكن مابعد هذه البداية نصل الى وسط الحكاية الذي يبدو مشطوبا وخفيا وجزءا لايراه أحد ولايلتفت اليه أحد بسبب زحمة الاحداث التي غطت بضجيجها على صوت الحكاية الحقيقية .. ففي وسط الحكاية حدثت بداية الانتقام من قناة السويس وبداية الجريمة لاغتيالها .. الى ان نصل الى نهاية القصة التي ظهرت منذ أشهر ..
مشكلة اي جريمة اغتيال انها تحتاج تحضيرا .. وجريمة اغتيال قناة السويس والانتقام منها كانت تحتاج تحضيرا جيدا لمسرح واسع .. وتحضير المسرح يعني تدمير السيطرة المصرية على منظومة الفكر الناصري والقومي التي صنعت ظاهرة جول جمال المواطن المشرقي الذي يستميت من اجل الدفاع عن كل الشرق وهي الظاهرة التي صنعها زمن الضباط الاحرار والرومانسية الناصرية .. وتم كسر الرومانسية الناصرية عام 1967 لاحلال الحلم الساداتي محلها والذي هو باختصار النوم في العسل .. الحلم الساداتي كان يحلم بالرفاه ودولة اللاحرب ولذلك كان عليه تفكيك المنظومة الفكرية الناصرية القومية المشاغبة بطموحها بكل رومانسيتها والتخلص من تلك التركة في مصر وحول مصر .. وبناء منظومة كامب ديفيد .. ونجح الحلم الساداتي في استئصال النزعة العسكرية من نفوس المصريين بمعاهدة كامب ديفيد التي كانت مخدرا قويا فيما يتم انجاز العمل بصمت لتجريد مصر من كل اسلحتها التي كانت تحمي قناة السويس .. وأهم أسلحتها كان القومية العربية التي جعلت ضابطا سوريا مسيحيا يفجر نفسه في سفينة فرنسية (مسيحية) والذي كان يعني ان قناة السويس صارت محمية ب 200 مليون عربي .. وهذا هو رعب الغرب الذي وجد نفسه ان الحلم الرومانسي المصري وضعه وجها لوجه مع كتلة 200 مليون عربي مستعدين للموت..
وبعد 12 سنة فقط من كامب ديفيد تم ضرب العراق حيث تدربت القوات الامريكية في الصحراء المصرية بتسهيلات كامب ديفيد عبر كثير من المناورات على حروب الصحراء في ماسمي بسلسلة (مناورات النجم الساطع) والتي كانت تحاكي حربا في الصحراء وفيها عرفت مشاكل الحروب الحديثة في الصحراء وتم تجنبها كلها في حرب عاصفة الصحراء التي كانت تدريباتها تتم في صحراء مصر .. والمصريون لايعرفون انهم يحضرون مسرحا لقتل العراق ومن ثم اضعاف مصر واغتيال قناة السويس ونهر النيل ..
وبعد عشر سنوات اخرى تم الاجهاز على العراق نهائيا في احتلال مباشر .. فيما محبو منظومة كامب ديفيد في مصر ينامون في العسل ويسمع شخيرهم الى المريخ وهم يحمدون الله ان السادات كان فطنا وذكيا انه جنبهم هذه الصراعات والحروب .. فرغم كل ماقيل عن أسباب حرب العراق فان هناك سببا لم يتم التركيز عليه وهو ان التجارة القادمة من الصين تفكر في طريق بري على طريق الحرير من ايران الى العراق الى سورية .. وهذه قد تكون قناة سويس برية ..
ولذلك وضع اميريكا داعش في وسط الطريق .. وكان المراد قطع الطريق البري .. ليس من أجل قناة السويس بل من أجل الا تموت القناة البديلة الاسرائيلية التي صارت تتحضر بمشروع مدينة نيوم السعودي .. الذي لايوجد اي سبب لبنائها الا انه ليخدم مشروعا اسرائيليا ما ..
بعد تدمير طريق الحرير بما يسمى (الثورة السورية) .. وميناء بيروت .. وتعطيل قناة السويس .. صار الحل الوحيد لتجارة أسيا والغرب في اسرائيل فقط .. فكل الطرق الدولية تمر من اسرائيل .. طريق حيفا – دبي البري .. وقناة ايلات -المتوسط .. وهذه الطرق كلها بيد الغرب طالما هي بيد اسرائيل حيث لايوجد ناصر ولارومانسية ناصرية .. والغرب موجود في الخليج المحتل والذي تم نشر جاليات غير عربية بشكل واسع فيه لاعلان هوية جديدة لاعلاقة لها بمنظومة الناصريين والقوميين العروبيين الذين قد يهددون الطرق الدولية ..
من جديد سيخرج علينا أصحاب النوم في العسل ويسخرون من نظرية المؤامرة لان وظيفتهم هي تطبيع المؤامرة .. اي جعل المنظر التآمري منظرا طبيعيا لا يد للانسان فيه .. فهم يرون ان داعش ليست مؤامرة امريكية لقطع التواصل الجغرافي وقاعدة التنف التي تجثم على الطريق الواصل من العراق الى سورية ليست الا بالصدفة .. والربيع العربي ليس مؤامرة بل بسبب توق الشعوب العربية الى الكرامة والحرية .. وليس لان الشعوب البسيطة صارت لها وظيفة تنفيذ المشاريع الغربية دون ان تدري .. والقذافي قتل بسبب غضب الجماهير وليس لأنه اراد تحقيق فكرة نكروما بالولايات المتحدة الافريقية وصك عملة ذهبية لها ..
واليوم وبعد مرور 130 سنة على افتتاح قناة السويس يتقرر ان باخرة عملاقة تنفذ عملية انتحارية في قناة السويس .. لأن السفن تحركها الامواج وليس الرياح .. فاين هي الامواج في قناة السويس كي تجنح بها سفينة .. ولايمكن ان تحرك الرياح هذا الجبل العملاق الذي طوله 400 متر ويحمل مايعادل 100 الف سيارة .. ليجنح بهذه الزاوية مالم تكن عملية انتحارية للسفينة التي ارتطمت بالضفة الشرقية للقناة .. فما هذه الصدفة في انها حدثت بعد تفجير ميناء بيروت وبعد تفعيل الاتفاق التجاري بين دبي وحيفا؟؟ وبعد تعطل طريق الحرير السوري؟؟
ماذا سيحل المصريون اليوم من مشاكل خلقها لهم الوهم الساداتي والحلم الساداتي الذي كان نوما في العسل؟؟ سد النهضة يسرق مياههم وقناة السويس تسرق منهم ..
النيل سرق في اثيوبية .. وقناة النيل كثرت سكاكينها .. بين حلمين تصارعا .. بين سفينتين انتحاريتين .. سفينة قادها جول جمال الضابط البحري السوري من أجل قناة السويس في الحلم الرومانسي الناصري .. وسفينة انتحارية صنعها زمن الحلم والنوم في عسل كامب ديفيد .. سفينة نعلم ان من أرسلها هو نفسه من أرسل الانتحاريين الى بغداد ودمشق والى ابراج نيويورك .. ونسف موكب الحريري .. ونسف ميناء بيروت .. ومن أراد ان يكسر الشرق .. ويقيد كل جرائمه ضد مجهول ..
=============================
يذكرني هذا الحدث بفيلم مصري لمحمود ياسين (بعنوان وقيدت ضد مجهول) كأنه نبوءة عن اليوم لنوستراداموس .. كان يلعب فيه دور شرطي بسيط للحراسة ولكن في كل حي يحرسه كانت تزداد السرقات فقرر رئيسه وضعه لحراسة الاهرامات .. فلاشيء يسرق هناك .. ولكن الهرم الاكبر يختفي ويسرق .. فيقرر رئيسه وضعه في مناوبة حراسة على كورنيش النيل .. فماذا سيسرق هناك ؟؟ ولكن ينتهي الفيلم بتلفون مفاجئ لرئيس الشرطة ليبلغه بأن نهر النيل سرق !! في رمزية عن سرقة رمزية مصر ..
No comments:
Post a Comment