JANUARY 27, 2017
مشروع “دستور بريمر” الروسي ينسف هوية سورية العربية والإسلامية ويمنع جيشها من أي دور في فلسطين.. ولهذا يجب تعديلة جذريا.. المحاصصة الطائفية “فتنة” دمرت العراق ولا نريدها ان تجهز على سورية.. واليكم قراءة مختلفة
عبد الباري عطوان
يعيد الروس، بطرحهم مسودة دستور جديدة لسورية، تجربة بول بريمر الحاكم العسكري الأمريكي للعراق، التي بذرت بذور الطائفية في البلد، وقسمته الى أقاليم، في اطار صيغة الفيدرالية، واسست لحكم ذاتي كردي بصلاحيات رئاسية توفر كل أسس وركائز “الاستقلال” والانفصال لاحقا.
السيدة ماريا زاخاروفا، الناطقة باسم زارة الخارجية الروسية، نفت هذا “الربط” او “المقارنة” في لقائها الصحافي الأسبوعي، وأكدت ان بلادها لا تحاول فرض شروط التسوية، او دستور على السوريين، انما الهدف من هذه الخطوة تحفيز الحوار السياسي في اطار قرار مجلس الامن الدولي رقم 2254.
من الطبيعي ان تردد السيدة زاخاروفا هذا الكلام، ولكن واقع الحال مخالف لاقوالها تماما، فإختيار مؤتمر الاستانة لتوزيع مشروع الدستور على الوفود المشاركة وباللغة العربية، يوحي بأن موسكو جادة في طرحه، وسيكون العمود الفقري للتسوية وتحديد ملامح “سورية الجديدة”، ونظامها السياسي، ولا مانع من ادخال بعض تعديلات على بعض المواد، لكنها من المرجح ان تكون تعديلات هامشية.
***
كان لافتا ان المعارضة السورية المسلحة، كانت البادئة برفض هذه المسودة الروسية بشراسة، حيث اكد السيد يحيى العريضي المتحدث باسمها “ان تجربة بول بريمر في العراق واضحة”، محذرا الكرملين من تكرار الغلطة نفسها، “فالشعب السوري هو الوحيد الذي يملك حق كتابة الدستور، وأثبتت تجربة العراق بأنه عندما تعد دولة خارجية الدستور فان فرص نجاحه معدومة”، وربما تتجنب الحكومة السورية الصدام مع حليفها الروسي علانية، وفضلت ادخال تعديلات جوهرية على هذه المسودة، جرى تسريبها لبعض الصحف، واكتفت بذلك حتى الآن على الأقل.
اخطر ما في هذه المسودة، التي نؤمن بأنها “بالون اختبار” لقياس ردود الفعل، واغراق طرفي الازمة السورية في جدل وخلافات سياسية، حتى لكأنهم بحاجة الى خلافات جديدة، هو تحويل سورية الى دولة “غير عربية” إرضاء للاقلية الكردية، وإقامة حكم ذاتي للاشقاء الاكراد في شمال البلاد، على غرار نظيره في العراق، واعتماد اللغة الكردية كلغة رسمية الى جانب شقيقتها العربية، وإدخال نظام الأقاليم او اللامركزية، وتكريس المحاصصة الطائفية في المناصب العليا، والنص على ذلك صراحة في الدستور المقترح.
اذكر انني شاركت في برنامج يحمل اسم “مناظرة” يحظى بتمويل غربي في شهر حزيران (يونيو) الماضي في تونس، وكان البرنامج النقاشي يتناول النص على حقوق الأقليات في الدستور، ورفضت ذلك بشدة، وقلت ان هذا يعني التمييز ضدها، وجعل هويتها الوطنية منقوصة، وطالبت بالنص صراحة على المساواة الكاملة في الدستور لكل أطياف الشعب الطائفية والدينية والعرقية في الدستور والقوانين معا في اطار التعايش والدولة المدنية، وفاز هذا الطرح عندما جرى طرحه على الحضور للتصويت بأغلبية كبيرة، رغم انه جرى اختياره بعناية فائقة للتصويت لصلح الطرح الآخر.
اعترف انني ذهلت عندما قرأت معظم فقرات مشروع الدستور الروسي المقترح لسورية، وادركت ان عملية التمهيد له بدأت مبكرا، وفي اطار منظومة من الفعاليات السياسية والإعلامية في بعض ارجاء الوطن العربي، وها هو يتبلور تدريجيا.
الأقليات الطائفية والعرقية والدينية كانت، وما زالت، تتعرض للظلم والاضطهاد من الأغلبية الحاكمة، في بعض الدول العربية، وهذا طرح ينطوي على الكثير من الصحة، ولكن هذا الاضطهاد يأتي في ظل أنظمة ديكتاتورية، ومن المفترض ان ينتهي عندما تترسخ الديمقراطية، فالدستور الأمريكي، ومعظم الدساتير الغربية، ان لم يكن كلها، لا تنص على حقوق حصرية للاقليات، وعلى المحاصصة العرقية والدينية والمذهبية، انما على المساواة في المواطنة والحقوق والواجبات، وتحتكم الى الإعلان العالمي لحقوق الانسان كمرجعية أساسية في هذا الصدد.
روسيا تريد تطبيق نظامها اللامركزي على سورية دون النظر الى الفوارق الكبيرة في المساحة، والخريطتين الديمغرافية والجغرافية، فسورية بلد صغير، بالمقارنة الى الاتحاد الروسي العملاق، وتجربتها مختلفة، وتقع في جوار إقليمي غير الجوار الاقليمي الروسي، وعليها التزامات دينية ووطنية وقومية لا يمكن شطبها “بجرة دستور”، والا لما عادت سورية التاريخية التي نعرفها وتمتد جذورها لاكثر من ثمانية آلاف عام.
وقد يجادل البعض ان هذه المسودة للدستور التي تحرم رئيس الجمهورية، أي رئيس جمهورية سوري، من معظم صلاحياته، وتحوله الى “وسيط”، وتمنع أي دور للجيش السوري خارج حدوده، وتشطب هوية البلاد العربية، وتسقط بند الشريعة الإسلامية كأساس للتشريع، هذه البنود تأتي، ويا للمفارقة، في وقت يسيطر فيه الرئيس فلاديمير بوتين على كل الصلاحيات، ويعدل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان دستور بلاده بحيث يصبح رئيسا مطلقا بصلاحيات كاملة، والشيء نفسه يقال عن دونالد ترامب في أمريكا أيضا، والامثلة عديدة.
***
لسنا مع الديكتاتورية، وحصر الصلاحيات في يد الرئيس، ونعارض أي دور للجيش، أي جيش في قمع شعبه، ونطالب، وسنظل، بالفصل الكامل بين السلطات، والحقوق غير المنقوصة للمواطن، سواء كان ينتمي الى الأغلبية او الأقلية، وفي اطار سيادة القانون، ولكننا لا نريد تكرار تجربة العراق واليمن وليبيا في سورية، او أي بلد عربي آخر، مثلما لا نريد ان تتحول بلادنا الى حقل تجارب للتفتيت والحروب الاهلية والطائفية والعرقية.
الملامح الأولية لهذا الدستور تؤشر الى محاولة لعزل سورية عن محيطها العربي، ومنع أي دور لها في التصدي للاحتلال الإسرائيلي لاراضيها أولا، وفلسطين التاريخية ثانيا، ولا نعتقد ان السلطة السورية، او المعارضة الشريفة يمكن ان تقل به.
سورية الجديدة التي يجب ان تنهض من وسط هذا الدمار الذي الحقته بها المؤامرة الخارجية، بهوية عربية إسلامية اكثر تجذرا وصلابة، واذا كان هيمنة الأكثرية على الأقلية وحرمانها ابسط حقوقها خطأ لا يغتفر، فأن محاولة تغيير هوية البلاد الوطنية والتاريخية، ومن اجل إرضاء الأقلية خطيئة اكبر، ومشروع فتنة، وعدم استقرار وحروب مستقبلية.
للمرة المليون نؤكد اننا مع المساواة والتعايش ونبذ الطائفية والعنصرية، ونرجوكم اعطونا دستورا مثل الدساتير المحترمة، والمعمول بها في الغرب والشرق، التي توحد ولا تفرق، وتحترم الهوية الجامعة، والكرامة الوطنية.
JANUARY 27, 2017
مشروع “دستور بريمر” الروسي ينسف هوية سورية العربية والإسلامية ويمنع جيشها من أي دور في فلسطين.. ولهذا يجب تعديلة جذريا.. المحاصصة الطائفية “فتنة” دمرت العراق ولا نريدها ان تجهز على سورية.. واليكم قراءة مختلفة
عبد الباري عطوان
يعيد الروس، بطرحهم مسودة دستور جديدة لسورية، تجربة بول بريمر الحاكم العسكري الأمريكي للعراق، التي بذرت بذور الطائفية في البلد، وقسمته الى أقاليم، في اطار صيغة الفيدرالية، واسست لحكم ذاتي كردي بصلاحيات رئاسية توفر كل أسس وركائز “الاستقلال” والانفصال لاحقا.
السيدة ماريا زاخاروفا، الناطقة باسم زارة الخارجية الروسية، نفت هذا “الربط” او “المقارنة” في لقائها الصحافي الأسبوعي، وأكدت ان بلادها لا تحاول فرض شروط التسوية، او دستور على السوريين، انما الهدف من هذه الخطوة تحفيز الحوار السياسي في اطار قرار مجلس الامن الدولي رقم 2254.
من الطبيعي ان تردد السيدة زاخاروفا هذا الكلام، ولكن واقع الحال مخالف لاقوالها تماما، فإختيار مؤتمر الاستانة لتوزيع مشروع الدستور على الوفود المشاركة وباللغة العربية، يوحي بأن موسكو جادة في طرحه، وسيكون العمود الفقري للتسوية وتحديد ملامح “سورية الجديدة”، ونظامها السياسي، ولا مانع من ادخال بعض تعديلات على بعض المواد، لكنها من المرجح ان تكون تعديلات هامشية.
***
كان لافتا ان المعارضة السورية المسلحة، كانت البادئة برفض هذه المسودة الروسية بشراسة، حيث اكد السيد يحيى العريضي المتحدث باسمها “ان تجربة بول بريمر في العراق واضحة”، محذرا الكرملين من تكرار الغلطة نفسها، “فالشعب السوري هو الوحيد الذي يملك حق كتابة الدستور، وأثبتت تجربة العراق بأنه عندما تعد دولة خارجية الدستور فان فرص نجاحه معدومة”، وربما تتجنب الحكومة السورية الصدام مع حليفها الروسي علانية، وفضلت ادخال تعديلات جوهرية على هذه المسودة، جرى تسريبها لبعض الصحف، واكتفت بذلك حتى الآن على الأقل.
اخطر ما في هذه المسودة، التي نؤمن بأنها “بالون اختبار” لقياس ردود الفعل، واغراق طرفي الازمة السورية في جدل وخلافات سياسية، حتى لكأنهم بحاجة الى خلافات جديدة، هو تحويل سورية الى دولة “غير عربية” إرضاء للاقلية الكردية، وإقامة حكم ذاتي للاشقاء الاكراد في شمال البلاد، على غرار نظيره في العراق، واعتماد اللغة الكردية كلغة رسمية الى جانب شقيقتها العربية، وإدخال نظام الأقاليم او اللامركزية، وتكريس المحاصصة الطائفية في المناصب العليا، والنص على ذلك صراحة في الدستور المقترح.
اذكر انني شاركت في برنامج يحمل اسم “مناظرة” يحظى بتمويل غربي في شهر حزيران (يونيو) الماضي في تونس، وكان البرنامج النقاشي يتناول النص على حقوق الأقليات في الدستور، ورفضت ذلك بشدة، وقلت ان هذا يعني التمييز ضدها، وجعل هويتها الوطنية منقوصة، وطالبت بالنص صراحة على المساواة الكاملة في الدستور لكل أطياف الشعب الطائفية والدينية والعرقية في الدستور والقوانين معا في اطار التعايش والدولة المدنية، وفاز هذا الطرح عندما جرى طرحه على الحضور للتصويت بأغلبية كبيرة، رغم انه جرى اختياره بعناية فائقة للتصويت لصلح الطرح الآخر.
اعترف انني ذهلت عندما قرأت معظم فقرات مشروع الدستور الروسي المقترح لسورية، وادركت ان عملية التمهيد له بدأت مبكرا، وفي اطار منظومة من الفعاليات السياسية والإعلامية في بعض ارجاء الوطن العربي، وها هو يتبلور تدريجيا.
الأقليات الطائفية والعرقية والدينية كانت، وما زالت، تتعرض للظلم والاضطهاد من الأغلبية الحاكمة، في بعض الدول العربية، وهذا طرح ينطوي على الكثير من الصحة، ولكن هذا الاضطهاد يأتي في ظل أنظمة ديكتاتورية، ومن المفترض ان ينتهي عندما تترسخ الديمقراطية، فالدستور الأمريكي، ومعظم الدساتير الغربية، ان لم يكن كلها، لا تنص على حقوق حصرية للاقليات، وعلى المحاصصة العرقية والدينية والمذهبية، انما على المساواة في المواطنة والحقوق والواجبات، وتحتكم الى الإعلان العالمي لحقوق الانسان كمرجعية أساسية في هذا الصدد.
روسيا تريد تطبيق نظامها اللامركزي على سورية دون النظر الى الفوارق الكبيرة في المساحة، والخريطتين الديمغرافية والجغرافية، فسورية بلد صغير، بالمقارنة الى الاتحاد الروسي العملاق، وتجربتها مختلفة، وتقع في جوار إقليمي غير الجوار الاقليمي الروسي، وعليها التزامات دينية ووطنية وقومية لا يمكن شطبها “بجرة دستور”، والا لما عادت سورية التاريخية التي نعرفها وتمتد جذورها لاكثر من ثمانية آلاف عام.
وقد يجادل البعض ان هذه المسودة للدستور التي تحرم رئيس الجمهورية، أي رئيس جمهورية سوري، من معظم صلاحياته، وتحوله الى “وسيط”، وتمنع أي دور للجيش السوري خارج حدوده، وتشطب هوية البلاد العربية، وتسقط بند الشريعة الإسلامية كأساس للتشريع، هذه البنود تأتي، ويا للمفارقة، في وقت يسيطر فيه الرئيس فلاديمير بوتين على كل الصلاحيات، ويعدل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان دستور بلاده بحيث يصبح رئيسا مطلقا بصلاحيات كاملة، والشيء نفسه يقال عن دونالد ترامب في أمريكا أيضا، والامثلة عديدة.
***
لسنا مع الديكتاتورية، وحصر الصلاحيات في يد الرئيس، ونعارض أي دور للجيش، أي جيش في قمع شعبه، ونطالب، وسنظل، بالفصل الكامل بين السلطات، والحقوق غير المنقوصة للمواطن، سواء كان ينتمي الى الأغلبية او الأقلية، وفي اطار سيادة القانون، ولكننا لا نريد تكرار تجربة العراق واليمن وليبيا في سورية، او أي بلد عربي آخر، مثلما لا نريد ان تتحول بلادنا الى حقل تجارب للتفتيت والحروب الاهلية والطائفية والعرقية.
الملامح الأولية لهذا الدستور تؤشر الى محاولة لعزل سورية عن محيطها العربي، ومنع أي دور لها في التصدي للاحتلال الإسرائيلي لاراضيها أولا، وفلسطين التاريخية ثانيا، ولا نعتقد ان السلطة السورية، او المعارضة الشريفة يمكن ان تقل به.
سورية الجديدة التي يجب ان تنهض من وسط هذا الدمار الذي الحقته بها المؤامرة الخارجية، بهوية عربية إسلامية اكثر تجذرا وصلابة، واذا كان هيمنة الأكثرية على الأقلية وحرمانها ابسط حقوقها خطأ لا يغتفر، فأن محاولة تغيير هوية البلاد الوطنية والتاريخية، ومن اجل إرضاء الأقلية خطيئة اكبر، ومشروع فتنة، وعدم استقرار وحروب مستقبلية.
للمرة المليون نؤكد اننا مع المساواة والتعايش ونبذ الطائفية والعنصرية، ونرجوكم اعطونا دستورا مثل الدساتير المحترمة، والمعمول بها في الغرب والشرق، التي توحد ولا تفرق، وتحترم الهوية الجامعة، والكرامة الوطنية.
River to Sea Uprooted Palestinian
No comments:
Post a Comment