سبتمبر 23, 2019
د. وفيق إبراهيم
يعرف الروس والصينيّون أن التصعيد الأميركي الحربي المدروس في الخليج، هو محاولة أخيرة لإعادة السيطرة على الشرق الأوسط من بوابة تفجير إيران.
فمثل هذا الهدف يدفع إلى إعادة الإمساك الأميركية بالمنطقة من اليمن الى سورية ولبنان مروراً بالعراق معززاً الإطباق الأميركي على أفغانستان والسودان ومصر ومتنعّماً بعائدات النفط والغاز في الخليج، وأنحاء أخرى لم تبدأ بالاستثمار.
بما يعني إنعاش الأحادية الأميركية، مما تعانيه من قصور بنيوي في وظائفها، بضخ إمكانات جديدة، تكبح الهرولة السريعة لنظام تعدد الأقطاب، كبديل للاستحواذ الأميركي المتفرد على العالم.
هذه الأهداف الأميركية شديدة الوضوح ولا يختلف عليها أحد، لكن العجيب فيها موجود في حركة المتضررين منها، خصوصاً من بين القوى العالمية التي اصبحت داخل نظام ادارة العالم وسط إصرار أميركي على طردها منه، وذلك بالعودة الى الإمساك الكامل بالشرق الاوسط.
لماذا للشرق الاوسط هذه الأهمية عند الدول التي تقود العالم؟
اصبح هذا السؤال مستنزفاً والإجابة عنه مستهلكة، لأن هذه المنطقة تجمع بين قدرات اقتصادية هائلة على مستوى ثروات الطاقة من نفط وغاز وشمس، ولا تنتج شيئاً.
ما يجعلها مباحة لكل أنواع السلع الغربية، وهي استراتيجياً قلب العالم الذي يبيح للقوى الخارجية المتسلطة عليها، التموضع فيها لمراقبة القارات المحيطة بتموضع جغرافي فريد، ويكفي أيضاً انها على تماس مباشر مع أفريقيا وأوروبا وتطل على جنوب شرق آسيا.
هناك نقاط إضافية تجسّد القوة الروحية للمنطقة التي تمسك بجغرافية الإسلام وبعض أركانه في الحجّ وخلافه حتى تسيطر على مشاعر مليار و500 مليون مسلم ينتشرون في معظم القارات، ولها تأثير عند المسيحيين لارتباطهم بالقدس ومدن المسيح في فلسطين.
أما الإضافة الأساسية فترتبط بعدم وجود دول متماسكة في الشرق الأوسط، بل سلطات قبلية، وطائفية وجهوية لا تسمح بنشوء انصهار اجتماعي هو اللبنة الأولى للدول المعاصرة. وهذا ما يبقيها ضعيفة تحتاج الى الحماة الخارجية.
لقد جذبت هذه العناصر الأميركيين وارثي النفوذ التاريخي البريطاني ـ الفرنسي والذين أمسكوا بالمنطقة بعد معاهدة كمب ـ دايفيد بين مصر و إسرائيل 1979 وباستثناء سورية وإيران، سقط الشرق الأوسط بكامله في النفوذ الأميركي. هذا النفوذ الذي كاد يلتهم روسيا نفسها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي 1989 فارضاً على الصين الانكفاء الأيديولوجي مقابل التمدّد الاقتصادي.
إلا أن هذين الاستثناءين في إيران وسورية لعبا دوراً كبيراً في التصدّي للنفوذ الأميركي على الرغم من الدعم الأميركي الكبير للإرهاب في سورية وتغطيته للاحتلال التركي والتورط الأردني الخليجي، والكردي مع الدخول العسكري المباشر لقواته.
أما إيران، فيحاربها الأميركي منذ 1980 باقسى أنواع الحروب مع العراق 1980 لمدة ثماني سنوات 1988 والحصار الاقتصادي والعقوبات المتصاعدة حتى الآن، مع التلويح الدائم بغزوها.
إن فشل المشروع الأميركي في سورية وإيران واليمن، خلخل التمدد الأميركي في الشرق الأوسط، وقلّصه في العراق، مفسحاً المدى لحركة روسية وصينية تجمع بين الاهداف الاقتصادية والاحلاف السياسية.
وهذه عناصر تدفع عادة نحو إنجاز جيوبولتيك روسي، وصيني هو الذي يتيح المشاركة بقوة التوازنات المستجدّة في نظام تعدد الأقطاب.
لذلك من الضرورة الإشارة الى أن روسيا المتموضعة في الشرق الأوسط انطلاقاً من الميدان السوري والصمود الإيراني ـ اليمني، ومسارعة الصين الى ترجمة تفوقها الاقتصادي في مجالات الجيوبولتيك استناداً أيضاً إلى الحركة الإيرانية ـ السورية لهي من المعطيات التي تدفع نحو تشكل حلف بين هذا الرباعي، الصيني ـ الروسي ـ الإيراني ـ السوري خصوصاً أن الخطة الأميركية الجديدة عادت الى استهداف إيران بشكل مركب وخطير. كما تحاول خلق ظروف جديدة في شرق سورية وأنحائها الشمالية لتفتيتها، وإلغاء دورها العربي وحتى الداخلي.
اما المناسبة التي استغلها الأميركيون لتطبيق خطتهم الجديدة، فكان القصف اليمني على مصفاتي بقيق وخريص التابعتين لأرامكو السعودية وهو رد على عدوان سعودي إماراتي يقتل المدنيين من الاطفال والنساء منذ أكثر من أربعة اعوام.
إلا أن الأميركيين ذهبوا نحو اتهام إيران بهذا القصف للهرب من حق اليمن بالردّ على العدوانية السعودية من جهة وللتركيز على إيران، كخدمة للأهداف الأميركية الجيوبولتيكية التي تعتقد ان إسقاط الجمهورية الإسلامية هي إعادة لإمساكها الكبير للشرق الاوسط.
ما هي اذاً الأسباب التي تدفع بكين وموسكو الى ممارسات سياسات هادئة في أزمة الخليج؟ وهما تعرفان أنهما مستهدفتان بدوريهما؟
لا يريد الروس دفع الأمور نحو حرب كبيرة، خصوصاً انهم ملمون بالمدى الذي لا يمكن للأميركيين تجاوزه نظراً لقدرة إيران على استيعاب أي هجوم أميركي، كما ان موسكو لا تريد تقديم نفسها قوة معادية للخليج النفطي، لذلك يحذّر الروس الأميركيين من مغبة إعلان حرب لن تؤدي الى ما تريده من هيمنة.
هناك إذاً اطمئنان روسي من القدرات الإيرانية والروسية، مع حرص على تقدّم موسكو الاقتصادي والسياسي في تركيا ومصر والعراق ومناطق أخرى، وتركيز على حماية الميدان السوري بالقوة والسياسة أيضاً، وهذا واضح من خلال الاتجاه الروسي نحو بناء مفاوضات سياسية تجمع سورية وتركيا من ناحية وسورية والكرد من ناحية ثانية، الأمر الذي يكشف مدى مراهنة الروس على سورية قوية متحالفة معهم ومع إيران أيضاً، لذلك فإن أي تطور عسكري أميركي لن يقف الروس منه موقف المحايد، بل الداعم لإيران بالسلاح والاقتصاد، ولسورية بالمشاركة العسكرية المباشرة.
لجهة الصين، فبنت امبراطورية اقتصادية ضخمة، تحاول حماية انتشارها بالسياسة الهادئة من دون تطرّف، فهي على مستوى السياسة حليف كبير لروسيا في مجلس الأمن الدولي ومختلف المنظمات، ولا تتورع عن إرسال مساعدات إلى فنزويلا وشراء نفط من إيران المحاصرة، وقد ترفع وتيرة أدائها بمواكبة الانتقال المحتمل للأميركيين الى الحلول العسكرية، فعندها لن تتأخر الصين عن استعمال إمكاناتها المختلفة.
تؤكد هذه المعطيات ان الحلف الرباعي قابل للتطور على وقع تطور التهديد الأميركي الى حالات حروب وبشكل تظهر فيه المراهنة الروسية الصينية على الصمودين الإيراني ـ السوري كوسيلة لإنتاج عالم متعدد القطب ينقذ الإنسانية من مخاطر رجال بورصة يؤرخون للانهيار النهائي لكامل ما تبقى من أخلاق في العالم الغربي.
River to Sea Uprooted Palestinian
No comments:
Post a Comment