Monday, 12 September 2016

الكتابة بالبرق على دفاتر حلب .. ماذا قال الاتفاق الروسي الاميريكي؟؟



 

نارام سرجون

 كما أنني أرتاب في ربطات العنق الفاخرة والياقات البيضاء التي يرتديها ذوو السوابق واولئك الذين تقول سجلاتهم انهم لصوص وقوادون .. فانني أرتاب في الكلام الفخم الذي يرتدي المخمل الناعم والقماش الأنيق الذي يصنعه اللصوص والمنافقون ..

وكما أنني أرتاب بالرصاصة المصنوعة من الذهب فانني أرتاب بالكلام المرصّع بالذهب .. لأن الذهب يزين كل شيء الا جسد الكلام .. بل ان الكلام البديع هو الذي يزين جسد الذهب الشاحب الأصفر .. فما أقبح الكلمة التي يلبسها أصحابها الفضة والماس ويكسون جسدها الدافئ اللين البض بصفائح الذهب الباردةويعرضونها في معارض الكلام ..

انني أرتاب بكل شيء جميل يتزين بالجمال .. بل انني أرتاب في الجمل المقدسة لكتب الله عندما تكتب بماء الذهب على جدران المعابد والكنائس والمساجد .. كما أرتاب في عبارات السماء كثيرا عندما تخرج مجوّدة مذهّبة من أفواه الطغاة والزناة والقتلة مخلوطة بالتكبير والدم .. فهل يحتاج كلام الاله ليكتب بماء الذهب ليكون جميلا وباهرا ولامعا كالبرق كما يكتب الله بالبرق والنجوم كلامه على دفاتر السماء؟؟ ..

فلا تلوموني لأنني لاأقرأ البيانات السياسية مثل أي سياسي .. بل أخضعها دوما لمعاييري الصارمة .. وأنزع عن البيانات الديبلوماسية الحرير والقماش الموشى بالقصب والذهب .. وأخلع عنها أطواق الماس والياقوت الأحمر ثم اتأمل وجوهها وأجسادها العارية .. وأقدر أن أقول بثقة أنني لذلك قلما أكترث بما يقال في البيانات التي تصدر عن الديبلوماسيين ومؤتمراتهم الصحفية وخاصة الأميريكيين .. فنحن من صنعنا الكلام واخترعنا وجه اللغة .. وهم دوما يفسدونها بما يلبسونها من حرير ويثقلونها بصفائح الذهب حتى لاتقدر ان تعوم في الروح .. فتغرق في مياه العقل ..

هذا هو مافعلته عندما قرأت تفاصيل الاتفاق الأخير بين الروس والاميركيين بشأن هدنة حلب .. فاتفاق آخر الليل مليء بالمساعدات الانسانية .. ومليء بالامنيات بالسلام للشعب السوري .. ومحشو بالجوز والعسل و”المعتدلين” .. وفيه وعود وعهود ومواثيق .. ولكن بعد أن نعري البيان الجميل ونجرده من أقنعته المسرحية ونستعيد الحروف التي ينبض فيها دمنا منذ زمن أوغاريت نكتشف الحقيقة التي تريد متاريس الذهب أن تخفيها .. وهي أن جيش الولايات المتحدة السري في سورية والمتمثل بالمعارضة المعتدلة والمتطرفة على وشك الانهيار في حلب .. وأن الوضع العسكري على الارض ينذر بشر خطير يقترب من جيش الفتح الذي تزدحم فيه الملائكة وطلاب الحور العين .. وان حملة الابادة الأفقية والعمودية التي تعرض لها اضطرت الولايات المتحدة الى أن تشتري الحياة له ولمن بقي في أحياء حلب الشرقية ساعة بساعة وتحقنه بالأمل والصبر .. سهر جون كيري حتى الصباح مع لافروف يطلب الرحمة بجيش الفتح ومقاتلي المعارضة اليائسين .. لم يعد جيش الفتح يريد الا استراحة من المجزرة والمقتلة التي تعرض لها وحفظ ماء الوجه ..

وصار المحيسني يبحث عن سلم من السماء ينزله من أرض الحور العين التي استحالت جحيما الى أرض الواقع .. فماذا سيفعل بالحور العين في السماء اذا لم يبق مقاتلون له في حلب ..؟؟

قبل السهرة الطويلة المضنية الروسية الاميركية بأيام لفت أنظارنا أن الاعلام الغربي يستيقظ فجأة على هدير الدبابات السورية وهي تطحن جيش الفتح في الراموسة وحول الكليات العسكرية وتبحث عن أي عظم بقي للمسلحين حول المنطقة .. وصار الاعلام يبحث قي ملفاته العاجلة عن ملف السلاح الكيماوي – الذي كان كالعظم الرميم الذي يراد احياؤه – ليهدد به ودفع به الى مجلس الأمن وتوعد وهدد .. بل انه دخل الى مستودعات الجيش السوري وجعل يدس فيها السلاح الكيماوي لتلفيق الاتهام الممل البليد باستعمال أسلحة محظورة .. وقد صارت لعبة السلاح الكيماوي ممجوجة ومستهلكة وذريعة لاتجد لها مشجعين مثل أي فيلم قديم يعرض في السينما من زمن الأبيض والأسود .. ونعرف كل الحبكات فيه التي لم تعد تفاجئ أحدا .. ولذلك تم رمي الذريعة الكيماوية لترهيبنا فيما سافر الاميريكيون على عجل الى جنيف لغاية أخرى تماما .. ففي كل ساعة تأخير يذوب جيش الفتح الذي تبين انه جيش مصنوع من الزبدة .. والزبدة الآن يطعمها الجيش السوري وحلفاؤه النار في حلقها وبطنها ..

من يقرأ الهدنة التي تلت تدمير قيادات الصف الأول لجيش الفتح ومفخرة القاعدة في غارة جوية قيل انها غامضة تركت جيش الفتح بلا رؤوسه “النووية” بعد ان سقط القادة المخضرمون الذين كانوا يقطفون المدن في سلال القاعدة فاذا برؤوسهم تسقط في سلة حلب الكبيرة بضربة واحدة .. وكل ماقيل عن دور اميريكا في قطف رؤوس جيش الفتح كعربون للروس على جديتهم في حرب القاعدة ليس مقنعا لأن من يهرول الى جنيف ليشتري ساعة من الحياة لمسلحي حلب لايقتل زعماء التمرد الذي يريد انقاذ حلب الشرقية قبل اي اتفاق بل ينتظر الاتفاق ويقدم الثمن الذي اتفق عليه بعده .. أما أن يدفع الثمن سلفا فانه لن يكون سياسيا اميريكيا .. فالاميركي تاجر ماكر ومراوغ وله عقل شايلوك وهو لايدفع الأثمان سلفا على الاطلاق وينتظر وصول الهدية بالبريد العسكري .. ولم يحدث عبر كل تاريخه انه دفع ثمنا الا بعد انجاز الصفقة التي يبحث عنها ..

ولذلك فان غالب الظن ان من أعدم نخبة قادة جيش الفتح هو نيران سورية لأن تكنيك العملية وطريقتها ذكرتنا بعملية تصفية قادة جيش الاسلام في الغوطة عند اجتماعهم الاخير مع زهران علوش .. وذكرتنا بتصفية حجي مارع في حلب ومن ثم قادة أحرار الشام في ادلب في الاجتماع الشهير الذي بتر رؤوس أحرار الشام .. وقد لفت نظري تحليل غربي يميل الى أن احتمال اقدام اميريكا على تصفية قادة جيش الفتح احتمال قوي في حال ثبتت المعلومات التي تقول ان الاميركيين لم يقدموا حلفاءهم عربون صداقة للروس بل تمت تصفيتهم لأنهم لمسوا في تقارير الاستخبارات وتناهى الى مسامعهم من مصادر عدة أن تغييرا وتمردا في قيادة جيش الفتح بدأ يتبلور بعد ان تبين للقيادات انهم دفعوا الى معركة يموتون فيها وحدهم دون أن يظهر الداعمون في الحلف الغربي اي بادرة عسكرية لردع الطيران الروسي عن المعركة .. وأن قادة جيش الفتح وخاصة السوريين منهم ربما كانوا في صدد تعليق معركة حلب واعلان انسحابهم منها واعلان براءتهم من دم آلاف المسلحين الذين ماتوا مجانا دون ظهير وعدوا به .. وهذا الاعلان لو حدث كان سيكسر الأمل في أحياء حلب الشرقية .. حيث ستنهار المجموعات المسلحة بسرعة وستنتهي معركة حلب خلال أيام دون أن يحصل الاميركيون على مايريدونه من اثمان .. فتمت تصفية قادة الصف الاول لاستبدالهم بقيادات اكثر مرونة وولاء وتقبل باستمرار المعركة وقد أدركت انها ستعاقب بقسوة اذا مافكرت بالتمرد ..واتجهت اميريكا في نفس الوقت الى محاولة اطالة المعركة فقط .. ريثما تحضر جبهة أخرى وتحرك آخر من الشرق او الجنوب قبل ان ينهار كل شيء في حلب كما صار متوقعا ..

والشكل الظاهري للصفقة الاميركية مع الروس هو انها اشترت بثمن ما ممرا للمساعدات الانسانية للمحاصرين لمدة 48 ساعة والبعض يراها ممرا خطيرا للسلاح لتأمين صمود المحاصرين في حلب .. ولكن البنادق المحاصرة لاتكفيها المساعدات بل تحتاج الى الأمل .. وقد يدخل الى مسلحي حلب كل شيء يطلبونه في الصناديق الا الأمل .. والأمل للمحاصرين لاتحمله الشاحنات بل تحمله الدبابات القادمة لنصرتهم والجيوش التي ستأتيهم بالنجدة .. ولكن من ذا الذي يغامر بتحدي الحلفاء على أرضهم وفي أجوائهم من أجل مسلحي حلب؟؟ ومن هو الجيش الذي سيركب الدبابات من أجل أن يموت من أجل مقاتلي حلب الشرقية؟؟

حتى اردوغان وقف يتفرج بعيدا في جرابلس وهو يدعو لهم بالنصر .. وماأرسله هو تصريحات عتيقة صدئة صارت اذا مرت من بين اسنانه سمع لها صرير الكلمات الصدئة .. وكأن فمه ناعورة تتحرك في نفس المكان وترتفع وتهبط وتغرف نفس الماء منذ ست سنوات ..

الروس والسوريون وحلفاؤهم ليسوا بالاغبياء ولا بالسذج كي ينجزوا انتصارات بالدم والجهد ثم يهدونها للمسلحين بمناسبة عيد الأضحى .. وفي نظر العسكريين من كل المدارس الغربية والشرقية تكاد تكون معركة حلب في خواتيمها .. وستنتهي .. اما على طريقة داريا أو على طريقة بابا عمرو .. وفي رأي البعض فانها قد تنتهي على الطريقة السوفييتية في برلين في ايار عام 45 .. فالحصار مطبق والممرات الانسانية لاتمنح للمنتصرين بل لمن ينتظر الاستسلام أو الموت .. وماقيل للاميركيين صراحة هو أن ادخال أي سلاح الى الاحياء الشرقية لن يعني الا أن تكون نيراننا أغزر وأكثر فتكا .. وان من يعطي السلاح للمحاصرين انما يعطيهم الموت السريع بسلاحنا .. فماذا يفيد الذئب الحبيس في قفص فولاذي ولو أطعمته لحم الذئاب؟؟

من يقرأ الاتفاق عاريا من تزيينات الاميركيين للثورجيين وانجازاتهم ووعدهم بالامل يعرف انه اتفاق توسل فيه الغرب الرحمة لمسلحي حلب .. وفيه اعتراف اميريكي أن كل اللحى هي اميركية الهوى وأن اميركيا تحاول انقاذ جيشها السري ..

وفي الاتفاق نفاذ صبر روسي سوري لأنه اعطي بالقطارة وبالساعات والايام .. وترك هامش الاتفاق الخاص بالحلفاء الروس والسوريين ليكون أكبر من أوراق الاتفاق نفسه .. وسيضع الاميركيون اللجام في فم المعارضة السورية وفي أفواه بنادقها خوفا عليها .. ولكن هذا سيصيب روح جبهة النصرة بالأسيد .. فتزيينها بشعارات الاعتدال وتذويبها في أحواض المعارضة السورية وغسيلها فيها لحمايتها يعني انه تمت هزيمة عقيدتها وطبعها وروحها المتأصلة فيها وحدث شرخ في كيانها وايديولوجيتها الجذابة للمتطرفين .. فتسييس جبهة النصرة وتذويبها يعني أنها تموت عمليا كايديولوجية جذابة للرفض اللاهوتي الصلف ..

ربطات العنق والياقات البيضاء وأطواق الذهب التي يسربها الاميركيون لم تغير من حقيقة الاتفاق بأنه استجداء للرحمة وحاول أن يخفي شكوى وانين المعارضة المسلحة وأحزان جيش الفتح الذي جاء الاتفاق ليحفظ ماء وجهه لينزله عن شجرة تحرير حلب التي صعد اليها ولايعرف كيف ينزل عنها .. لأنه الآن سيقول بأنه كان يريد تحرير حلب ولكن المتآمرين منعوه ..

ومن أجل ذلك .. أنصحكم أن ترتابوا بكل شيء يقال في السياسة .. ولكن اياكم أن ترتابوا بالجيش السوري لانه لايكتب كلام الاله بماء الذهب ليكون جميلا وباهرا ولامعا كالبرق بل يكتب كما يكتب الله بحبر البرق على دفاتر السماء .. وهو اليوم يكتب بالبرق على دفاتر حلب ..



River to Sea Uprooted Palestinian   
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!

No comments: