بقلم ارام سرجون
أعترف ان ماأنجزته تكنولوجيا الايديولوجيا في مخابر الموساد وال سي آي ايه كان باهرا في أن ينقل العقل العربي في خلال سنوات قليلة من عقل عدو الى عقل خادم للموساد ومشاريع الغرب ..
تكنولوجيا الايديولوجيا الرهيبة حولت النصر الالهي لحزب الله الى غضب الهي على المسلمين عندما صار العرب والمسلمون لايرون في ذلك الانتصار انجازا لهم بل انجازا لايران .. و”للشيعة “.. حتى بعض الفلسطينيين الذين لاتزال سكين اسرائيل على أعناقهم نسوا اعناقهم النازفة ونسوا السكين وصاروا مقلاعا بيد داود ليقتل به صاحب النصر الالهي وحلفاءه ..
واعترف أكثر أن حقن كل التراث في جرعة واحدة مكثفة قدرها خمس سنوات لاشك سيجعل عملية التخلص من سموم التراث غير المنقّى في العقل والقلب عملية تشبه التلوث باليورانيوم والمواد المشعة لاتزول آثارها الا بعد مئات السنين .. فالتراث الروحاني دوما عميق في أعماق التاريخ وهو مثل العناصر الكيماوية المشعة تبقى متوهجة شعاعيا ولاتنطفئ .. وتعيش آلاف السنين .. والتراث الديني يستحق أن يسمى يورانيوم التاريخ لقدرته على البقاء كعنصر مشع لايخمد ..
ونحن كجيل حل به هذا البلاء الذي استخرجته ورشات وحفارات السلفيين من بين رمال الصحراء لايجب أن نترك هذا اليورانيوم الذي تسرب ولوث المياه والتربة وستسقى منه الخلايا .. لايجب ان نتركه هائما على سطح الأرض فاما اما ندفنه من جديد في الأعماق أو نبطل مفعوله ..
المعضلة ببساطة هي الثقافة المذهبية المعمدة بالدم والمجازر وعملية كي الروح التي ستلوث كل الثقافة القادمة لأنها لوثت مياه الثقافة الراهنة التي ستشرب منها الثقافة القادمة فكل الثقا فة العربية تلوثت بالمذهبية لان الدافع وراء الثورة السورية لم يكن الا ايديولوجيا المذاهب التي صنعتها تكنولوجيا الايديولوجيا الغربية .. فكيف اذا نختصر الزمن ولاننتظر مئات السنين حتى تنجلي هذه اللوثة المذهبية التي تشبه كارثة مفاعل تشيرنوبل الذي تسرب منه الاشعاع السام وتسبب بكارثة .. ونحن لدينا مفاعل (تشيرنوبل المذاهب) في العراق والشام حيث تلتقي العناصر المشعة التراثية المسيحية والاسلامية بشقيها السنية والشيعية .. لأن مرجل المذاهب والأديان ومفاعلها الكبير الذري وانشطارات الاسلام الكبرى ونهوض كل الديانات الأخرى السماوية وقعت في العراق وبلاد الشام وليس في المغرب أو ماليزية .. في هذه البلاد تكمن الطاقة الخلاقة الهائلة للعرب والمسلمين وتنتج الطاقة المشرقية في هذا المفاعل العملاق .. الذي تشقق في الزلزال الأخير وتسرب من الشقوق والتصدعات المذهبية الاشعاع القاتل اذي بدأ بتسميم الشرق .. ولايتوقف التسرب الا باغلاق الشقوق المذهبية
كيف نوقف التسرب الاشعاعي المذهبي؟؟ هل نوقفه بتدمير السعودية التي تضرب على هذا المفاعل كي ينفجر وينفجر معه الشرق كله؟؟ أم نوقفه بتدمير تركيا التي عبثت به وتسللت اليه وكانت تريد للمفاعل ان ينتج لها الطاقة العثمانية ..؟؟ والجواب سيكون: لايقتل المذهبية الا ان تقاتل المذاهب عدوا واحدا ..
الحقيقة أن أي حرب هنا أو هناك لن تحل المشكلة المذهبية الراهنة التي ستنتقل ان تركناها لتعيد انتاج كل أنواع التفاعلات المشعة المؤذية .. العرقية والدينية والعشائرية .. ولكن ربما هناك حل وحيد لهذه الحرب المذهبية .. ولايملك مفتاحه الا حزب الله .. ومفتاحه هو الجليل أو ديمونة .. ولاشيء سيعيد النصر الالهي الا عملية بقياس تحرير الجليل او قصف ديمونة الذي سيكون بمثابه كعب أخيل أو كعب اسرائيل .. فهل يقدر حزب الله أن يقدم على تحرير الجليل أو قصف ديمونا لهدم الربيع العربي وهدم الوهابية وهدم التسرب الاشعاعي المذهبي؟؟ .. واذا مااهتز الجليل أو ديمونا اهتزت القبائل العربية .. وأفاقت الشعوب التواقة للنصر .. وغاصت سقيفة بني ساعدة في الرمال ودخل “الجمل” الذي نسبت له معركة الجمل الى متحف الديناصورات .. ولكن هل هذا واقعي أم حلم طوباوي؟؟
وهنا دعونا نتحدث عن الواقعية التي تفترض أن اقتحام الجليل أو ضرب ديمونا خياران خطيران لان اسرائيل والعالم كله لن يسمح لحزب الله أن يفعل هذا دون رد عنيف .. ولايبدو هذا السيناريو واقعيا في ظل الظروف الراهنة .. ولا يجب تضخيم التصورات والامكانات للقيام بهذا المشروع الضخم وتكليف حزب الله به وهو لايملك حتى المبرر للبدء به .. لأن حزب الله في هذه الظروف لايمكن أن يقدم على المبادرة نحو اقتحام الجليل الا في حالة واحدة تمنحها له القيادة الاسرائيلية بيدها وهي أن تبادر اسرائيل بالهجوم على حزب الله .. فان حدث هذا فان حزب الله لايجب أن يفوّت فرصة ذهبية تأتي مرة في العمر كما حدث عام 20066 (عندما أعطت اسرائيل دون قصد الذريعة لحزب الله لامطارها بالصواريخ واذلالها) تنقله لتنفيذ الخيار “الضرورة” الذي قد تقدمه له اسرائيل نفسها هذه المرة أيضا ويمكنه عندها أن يحول الفخ الاسرائيلي لتدميره الى فرصة لاتفوّت لتدمير المفاعل المذهبي الطائفي التي تشغله اسرائيل في المنطقة وتلوثها بنفاياته التكفيرية الوهابية ..
ان من يحلل كلام السيد حسن نصر الله عن تحرير الجليل في احد الخطابات فانه يلاحظ أنه ربطه “بظرف ما قد تطلب فيه قيادة المقاومة من المجاهدين في حزب الله بالتحرك لتحرير الجليل” .. وهذا يعني أن الظرف المنتظر هو ظرف تقدم فيه المبررات الكاملة لتبرير التحرك أمام العالم وهذا سيكون في حال اطلاق اسرائيل عملية عسكرية عنيفة وشاملة ضد حزب الله او سورية أو ايران .. وتبدو اشارة السيد حسن نصرالله الى خيار ديمونا على أنها كلام رادع يحمل الانذار لاسرائيل التي يمكن ان تحرض ترامب على التحرش بايران أو مساندتها لتدمير حزب الله .. ويرى كثيرون ان كلام السيد نصرالله ليس لحماية ايران من تصريحات وخطط ترامب ونتنياهو العسكرية لأن ترامب قد يلغي الاتفاق النووي أو يعطله لكنه لن يهاجم ايران عسكريا على الأغلب .. الا أنه قد يساند عملية اسرائيلية ساحقة لتدمير حزب الله تتلو سقوط الاتفاق النووي .. لأن اسرائيل تدرك أن ايران من غير حزب الله يقل تأثيرها كثيرا على اسرائيل فتصبح مثل ليبيا أو الجزائر مؤيدة لفلسطين وعاجزة بحكم البعد والفاصل الجغرافي .. فاذا وقعت اسرائيل في غواية الثأر من حزب الله بعد اسقاط الاتفاق النووي فان هذا سيجعل ايران وحلفاءها غير ملزمين بأي ضبط للنفس وستطلق يد حزب الله في الجليل لتنفيذ الخيار الضرورة .. وسيكون التهديد الذي أعلن مؤخرا بضرب ديمونا سببا في ردع أي تدخل غربي أو ناتوي لحماية أو استرداد الجليل من حزب الله الذي أطلق معادلة ديمونا الرادعة ضد جنون وانتقام غربي من أجل اسرائيل في حال تحققت معادلة تحرير الجليل .. الضرورة تأتي من حقيقة أن حزب الله يجب أن يفكر في حرب تحرير الجليل عندما تتحول الحرب عليه الى فرصة له .. لا يستعيد بها الجليل فقط بل يستعيد موقع الحزب المقاوم الجليل ذي الشرف الرفيع الذي لايضاهيه أي شرف الذي عملت على تجريده منه ماكينات الاعلام الوهابي والاخواني .. شرف انجاز تحرير أول قطعة من فلسطين منذ احتلالها .. ودفن كل نفايات التلوث الوهابي والتكفير التي لوثت العقل العربي والمسلم ولوثت حتى الخلايا والدماء والمياه في الشرق ..
لاأعرف كيف تفكر الأقدار ولكنها ليست حمقاء بالتاكيد .. بل ان الحمقى هم الاسرائيليون الذين اعتقدوا في حساباتهم أن الربيع العربي سيطلق الربيع الاسرائيلي لأن الحرب السورية ستكون خاطفة واياما معدودات وينتهي كل شيء .. وتبدأ بعدها تصفية الحساب مع حزب الله ومع كل من قاوم يوما لاسدال الستار على نهج الممانعة التي بدأت بعبد الناصر ووصلت الى زمن السيد حسن نصرالله والرئيس بشار الأسد .. وكانت معركة القصير مفصلا وخبرا سيئا لاسرائيل لأنها أظهرت أن حكاية الأيام المعدودات لن تكون واقعية أبدا وأن اقتحام القصير أثبت تماسك محور المقاومة في أحلك الظروف .. ولكن لم يكن القادة الاسرائيليون يتصورون سيناريو أسوأ من سيناريو تحرير حلب بعد أن اعتقدوا أن حلب ربما تقصم ظهر النظام وان لم تسقطه .. لأن التوقعات المتفائلة والسعيدة كانت تتحدث عن معركة قاسية جدا وطويلة ستنهك الجيش السوري وحزب الله الذي قد يموت هناك بعيدا عن الجليل .. لأن خبرة العسكريين في اقتحام المدن سيئة ومريرة .. ولاتنتهي الا بصعوبة وطيف هزيمة بعد دفع ثمن باهظ .. ولكن الجيش السوري فعلها مع حلفائه ..
الاسرائيليون استفاقوا على حقيقة لم يضعوها بالاعتبار بعد معركة حلب وهي ان حزب الله سيتمكن من استعادة قسم كبير من قواته التي شاركت في تلك المعركة .. وقد تكون قريبا وجها لوجه مع الجليل تنتظر نهاية الحرب السورية .. ورغم الاختلاف البيئي والجغرافي بين جبهة حلب وجبهة الجليل الا ان الحقيقة التي لابد من الاقرار بها هي أن اقتحام الجليل اكثر سهولة بكثير من اقتحام حلب .. حيث ستوفر الأحراش والغطاء النباتي للمقاتلين تمويها ومظلات ممتازة عند الاختراق كما أن الاقتراب من المستعمرات سيحيد فاعلية سلاح الجو خاصة أن المساحة في شمال فلسطين ضيقة ومحدودة بالقياس الى معارك الحزب في سورية حيث الانتشار الواسع للجغرافيا المترامية التي تشتت قوى وكتائب الحزب الذي سيتكثف ويتركز بكامل قوته في جبهة ضيقة شمال فلسطين .. ناهيك عن أن التفوق في حرب المدن سيعطي حزب الله التفوق بلا منازع عند اقتحام هذه المستعمرات والمستوطنات الشمالية ..
ضرورة حرب الجليل تأتي من حقيقة ان حزب الله قد آذته الحرب المذهبية المفروضة عليه أكثر مما أوجعته حرب تموز وكل مواجهاته مع اسرائيل .. ويدرك الحزب أن اسرائيل كانت موفقة في اختيار المواجهة غير المباشرة معه عبر وكلاء المذهب الوهابي الذين سعّروا الصراع المذهبي واضطر حزب الله لكي يدافع عن نفسه وعن منظومته وسمعته وعن تاريخه الذي حاولت اسقاطه الحرب المذهبية .. ولكن لايمكن للحرب المذهبية أن تنتهي أو تتحرك بسرعة الا بحرب أخرى تلغيها .. مثل حرب تحرير أو مواجهة قومية تجعل الهم الطائفي أقل أهمية .. والحزب يرى أن من مصلحته تدمير الحرب المذهبية البشعة التي تشن عليه التي لن تتوقف من داخل لبنان ومن دول النفط التي تحقن الجمهور بالكراهية المذهبية بشكل متواصل .. فكما صار معروفا فان نصر تموز هو الذي جعل حزب الله متفوقا ومدرسة ملهمة للشعوب العربية التي اذهلها النصر الالهي ولم تفتش عن مذهب الحزب الذي انتصر لأنها نسبت الانتصار اليها واعتبرت الحزب جزءا من تركيبتها وثقافتها الاسلامية لأن مالدى الحزب من خلفية دينية لاهوتية له امتدادات وتماهيات مع الثقافة المنتشرة في العالم الاسلامي عموما .. كما أن نصر 56 المصري ضد العدوان الثلاثي الخارجي جعل الجماهير العربية ميالة لأن تنتسب الى النصر المصري لأنه واجه عدوا مشتركا للجميع وانتصر فانتمت الجماهير بعواطفها الى فكر المنتصر وهذا مانشر الدعوة القومية الناصرية بسرعة الى أن منيت بالهزيمة فانفض الناس عنها والتفوا حول أوهام كثيرة لاستبدالها ..
ان الأكاديميين العسكريين الاسرائيلييين لديهم قناعة ان حزب الله لن يجد طريقة اسرع لاستعادة مكانته الممانعة التي شوهتها المرحلة الاعلامية الحالية في الربيع العربي الا بنصر مبين وساحق ومذهل على اسرائيل يتوق اليه ويتحرق لانجازه اذا ماتلقف الفرصة .. نصر يضعه في مقدمة القوى العربية التي ستنال المجد وتكون انتصاراته سببا في تراجع المرحلة المذهبية لأن ايقاظ النصر على اسرائيل هو الوحيد الذي يرقأ الجراح ويسكت الأصوات التي تشوه الروافض المتهمين انهم يتآمرون مع الصهاينة والفرس على الاسلام وأهل السنة وفق المنطق الوهابي ويغسل اسم حزب الله مما ألصق به زورا من أنه لايريد تحرير فلسطين بل نشر المشروع الفارسي الشيعي بدليل انخراطه في الدفاع عن سورية التي سوقت عربيا واسلاميا على أنها دفاع عن طائفة ونظام حكم وهلال اخترعه ملك الأردن الذي ينتمي الى أم يهودية ..
الاسرائيليون يؤمنون بهذا الكابوس .. ومن يتابع المناورات الاسرائيلية يلاحظ أنها تتضمن عمليات اسعاف في المدن وعمليات اخلاء سريعة للمناطق المأهولة بسبب صواريخ أو تعرضها للاقتحام من قبل “ارهابيين” .. لكن هناك نشاطا محموما في الشمال لرفع السواتر والشراك وحقول الألغام .. يبدو أن المناورات القادمة ستكون من أجل اخلاء المدن المستهدفة بسرعة قصوى كي لايبقى مدنيون لتمكين سلاح الجو من ابادة القوات المهاجمة وتحطيم كل شيء على رؤوس المقاتلين ..
هل يمكن أن يحول الحزب أي هجوم اسرائيلي من ورطة الى فرصة؟؟ وهل هناك فرصة افضل من هذه؟؟ جيش تمرس على أقسى أنواع حرب المدن والاقتحام .. ومقاتلون منظمون وشرسون ومدربون تدريبا عاليا ولايفصل بينهم وبين الجليل الا سياج .. وحاجة ماسة لاطفاء حرب مذهبية تطهرهم من نفايات الاتهام والتزوير التي ألقيت عليهم .. انه السفر الى الجليل .. والمعراج الى النقاء الجهادي .. في رحلة بدأت من حلب الى ديمونا .. مرورا بالجليل ..
River to Sea Uprooted Palestinian
No comments:
Post a Comment