Friday, 12 May 2017

كيف تقتل سورية مشروع التقسيم .. أمام عيني أمه أميريكا؟؟


كيف تقتل سورية مشروع التقسيم .. أمام عيني أمه أميريكا؟؟


بقلم نارام سرجون


لاتستهويني في الحياة الا أسرار الأسرار التي تشبه الصور الضوئية التي ان خرجت للضوء قبل معالجتها في الغرف المظلمة احترقت .. ومن طبيعة الأسرار أنها تشبه الأجنة في الارحام .. نتابعها تنمو وتكبر ولكننا لانصل اليها ولانراها و ننتظر خروجها لنتأمل ملامحها .. وان خرجت في غير مواعيدها ماتت ..

لكن هذه حرب لاتشبه غيرها من الحروب لأنها حرب ليست فيها أسرار .. فالعدو واضح جدا .. والنوايا واضحة جدا .. وما ينشر من وثائق ويقال في الخطب يفوق في خطورته مايكتب عليه أنه سري للغاية .. ظاهرها هو أكذب مافيها وباطنها هو أصدق مافيها .. وطاهرها أقذر مافيها .. فليست الحرية ولاقضية الانسان هي هدف أي من القادمين بالثورة .. بل كل مافيها حرب متعلقة بخطوط الطاقة وخطوط النفوذ ومنصات السيطرة على مفاتيح القرن الحالي وقضم الجغرافيا والتهام خطوطها .. وتقسيم الدماء والأديان والأوطان الى شظايا ..

ولكن هل نستطيع أن نقول بثقة الآن بأن المشروع الأميريكي لخلق الشرق الأوسط الجديد قد تعرض لهزيمة كبيرة .. أو هل صار مشروع التقسيم غير قابل للحياة؟؟ اذا فشل مشروع الشرق الأوسط الجديد فان هذا  يعني أن التقسيم هو الذي قصم ظهره .. لأنه لشرق أوسط جديد من دون دويلات جديدة وتقسيم للجغرافيا ..

المعطيات كلها تقول بان الشرق الأوسط الجديد لن يولد وأن هذا الجنين الذي زرعته أميريكا في بطن الثورة السورية لتحمله كالأم وتغذيه من مشيمتها يموت في بطن أمه .. وتموت معه خطوط التقسيم التي  بشرتنا بها كل الخطب والمعاهد والسياسيين ..

علينا أن ندرك داعش هو قلب الثورة وعصبها الذي تراهن على ثباته مهما قيل انها تتناقض معه لأن المعارضة السورية وبعد الأخذ بنصيحة روبرت فورد اقتنعت بأن تلجأ الى قهر الدولة السورية بمخالب  داعش .. فورد في لقاءاته مع المعارضين السوريين كان يقول بان النظام شرس للغاية ولايمكن قهره الا بخلق قوة اكثر شراسة منه وتتفوق عليه في قوة الرعب .. ولذلك فان داعش السورية هي نسخة أنتجتها المعارضة السورية مع المخابرات الغربية والتركية والسعودية وهي مأخوذة من النموذج العراقي أو لنقل بأن المعارضة السورية وحلفاءها استدعت داعش من العراق أو فتحت لها الأبواب سرا (بنصيحة غالية من روبرت فورد) للانضمام الى جهود الثورة السورية العسكرية .. والمعارضة تعلم ان خبرات داعش عالية جدا وفيها خيرة النخب العسكرية للعهد السابق في العراق والتي أعيدت ادلجتها مذهبيا بعد الصدمة النفسية لسقوط بغداد الذي عزي للمؤامرة التي تورطت فيها المعارضة “الشيعية” .. فكانت داعش مبرمجة بعد ذلك لاستهداف النقيض المذهبي لها .. وقبلت المعارضة السورية العرض بتدخل داعش العراقية في الحرب السورية وفق منظورها المذهبي وأنتجت منها معادلة التلاقي بأن المعارضة السورية سنية وسترد بالمثل على جريمة المعارضة العراقية الشيعية .. وكان لابد ان تلتقي المعارضة السورية التي أخذت دور المعارضة العراقية في شقها الشيعي تماما في التحالف مغ الغرب واستنساخ عملية اسقاط البعث السوري كونه يمثل -برأيها – نقطة الثأر الكبرى الجاذبة للجمهور السني الحانق لأنه يشكل نقيضا مذهبيا للمعارضة السورية تماما كما فعلت المعارضة العراقية في استدعاء المزاج المذهبي الشيعي ضد البعث العراقي الذي مثله الرئيس صدام حسين ومجموعته ..

لذلك فان قوة التقسيم والتمزيق للخريطة السورية كانت تتركز في داعش لأن صناع الثورة كانوا يراهنون على قوة داعش في دعم مشروع التقسيم لأن مشروع التقسيم الكبير هو ما كلفت به داعش باطلاقه بعد فشل اطلاقه من وسط سورية بحرب طائفية في حمص (بابا عمرو) .. ومنحت كل التسهيلات لها عبر فتح أسواق النفط والتجارة عبر تركيا واسرائيل .. وكان من الواضح أن هناك تنسيقا ميدانيا عاليا بين داعش والنصرة وأن هناك تقاسما وتناوبا على الجبهات بينهما مهما قيل عن حالة صراع مزعوم .. فقد اقتطع كل تنظيم جغرافيته وشعبه وموارده ونقاط حدوده ونوافذه وبدا في عملية الانعزال عن الآخر والاستقلال والدفاع عن مكاسبه ضد الآخر وتكفيره دون محاولة تدمير الخصم .. وكان هذا مايلفت النظر في أن التنظيمين فيهما كل مايجمع ويتوافقان في الرايات والأهداف والمنطق والطريقة ولكن مع هذا كانا ينفصلان جغرافيا وسياسيا في حين كان كل واحد منهما يقوم بتسهيل عمل الآخر عسكريا .. فكلما تقدم الجيش السوري على حساب النصرة تحركت داعش وضربت الجيش في وسط ظهره وبالعكس .. فبعد تحرير حلب تحركت داعش نحو تدمر وهددت حمص لأنه كان هناك اعتقاد أن الجيش سيتوجه الى ادلب حيث النصرة تخشى الهزيمة .. وكلما توجه تركيز الجيش نحو داعش تحركت النصرة للتخفيف عن داعش كما حصل عندما تحركت النصرة في حماة وجوبر وحركت الجبهات عندما ظهرت نية للجيش لمسابقة الاميريكيين نحو المنطقة الشرقية وتدمير خطوط داعش ..

ان داعش في الحقيقة هي قلب “الثورة السورية” ونجاح الثورة العسكري يعتمد على قوة داعش التي أظهرت بأسها في المنطقة الشرقية وعصفت بنقاط الجيش القوية .. وجميعنا نذكر جون كيري عندما قال بأن الاميريكيين يراقبون داعش وهي تتمدد نحو تهديد العاصمة دمشق لاجبار الأسد على التفاوض معنا .. وكان واضحا أن الغاية من خلق داعش على خط الفرات كان لمنحها حيزا جغرافيا واسعا في الصحراء بحيث تتولى المنطقة الشرقية الفاصلة بين سورية والعراق .. لكن لم يكن من المتوقع ان تتمكن داعش من  السيطرة على اكثر من ذلك الفراغ الصحراوي لأن داعش لايقوى على التمدد كثيرا لاعتبارات متعلقة بامكاناته فهو لايملك الفائض العددي للانتشار الا في مدن الصحراء حيث الكثافة السكانية محدودة .. وهو لايملك الفائض العددي للتمدد نحو الداخل السوري الكثيف سكانيا حيث ستتولى النصرة هذا الأمر .. كما أن عملية الفصل الجغرافي والانفصال ضد رغبات السكان لاتقدر عليها الا منظمة فائقة الجريمة غنية بالعناصر الأجنبية التي لاتنتمي الى المجتمع المحلي وقوامها مهاجرون من أصقاع الأرض بحيث أنها تمارس الرعب والترهيب دون موانع قانونية لردع اي تمرد أو قوة رفض .. وبحيث يكون قرار التقسيم قائما بقوة الأمر الواقع ولاتدفعه قرارات دولية فتتجنب الدول الراعية لمشروع التقسيم الاحراج أو اللوم أو الاتهام المباشر بأنها ترعى التقسيم .. الذي يبدو انفصالا طبيعيا بقوة العنف الذي يفرض نفسه حتى وان بقيت داعش لسنوات طويلة منطقة خارج الشرعية الدولية وتعيش وكانها (مثلث برمودا) أو كيان شاذ عن النظام الدولي لايقبل الترويض ولايكبح جماحه ..

أما جبهة النصرة فانها تكمل مالاتقدر عليه داعش حيث تتولى عملية مشاغلة الجيش السوري ومنعه من الحشد ضد داعش .. وهي تنظيم مشابه لداعش لكن العنصر السوري فيه أكثر وضوحا وهو متغلغل في الريف السوري مما يسمح له بالاستناد الى حاضنة معقولة .. وهذا التنظيم كان يتم تحضيره كي يتحول الى  كيان سياسي يمكن التفاوض معه بحيث يتم الاعتراف به دوليا ليحكم الجزء الغربي من سورية بعد تدمير الدولة السورية ولايخوض اي حرب تحرير مع داعش شرقا وبذلك يتم التقسيم شرقا وغربا ..بكيانين اسلاميين يتقاسمان النفوذ ويتبع كل منهما مرجعيته الخاصة وشرعيته .. وهذا ماسيؤدي بالساحل الى النضوج للانفصال والتفكك أوتوماتيكيا وقد يتبعه جبل العرب كنتيجة اجبارية .. وبذلك يكون التقسيم قد أنجز بفضل داعش والنصرة ..

وفي هذا المشروع لن يكون للأكراد حصة كبيرة في التقسيم وذلك لأن تركيا هي من يشرف على قوة  الكيانين الاسلاميين اللذين يمحقان اي قوة كردية تفكر بالانفصال والابتعاد بكيان مستقل شمال سورية ..

وقد تمكنت الديبلوماسية الروسية والسورية من تفعيل الورقة الكردية ضد تركيا باعلان دستور قيل بأن روسيا اقترحته وفيه لم تتم الاشارة الى عروبة الجمهورية السورية وهو يعني عرضا شهيا للأكراد لايضاهيه اي عرض قدم لهم من قبل الأميريكيين الذين لم يقدروا على القول علنا بأنهم سيلجمون الأتراك ويمنعهونهم عن سحق الاحلام الكردية حيث أن من سيتصدر لهذا الدستور هو تركيا قبل أي طرف .. وطبعا تحاول اميريكا بالمقابل الاحتفاظ بالأكراد عبر التلويح بدعمهم وتسليحهم ضد رغبة تركيا ..

كانت عملية تحرير حلب هي أول ضربة قاصمة لمشروع التقسيم لأن النصرة هزمت في حلب وظهر أنها  تعرضت لضربة موجعة جدا حيث خسرت خيرة مقاتليها ومعاقلها وبدت أنها تترنح فهي لم تعد منذ تحرير حلب قادرة على القيام سوى بعمليات محدودة وهذا كان واضحا بعد عمليتي حماة وجوبر .. اللتين فشلتا ..  والملاحظ أن هذا الضعف انعكس على اداء داعش العسكري أيضا التي تأثرت بشكل ملحوظ بهزيمة النصرة كثيرا في تفاعل غريب متبادل بين التنظيمين اللذين يبدوان مرتبطين بنفس حبل السرة .. ولذلك فان النصرة  ستتأثر أكثر اذا ماهزمت داعش وفق نفس الملاحظة والمنظور ..

وهنا ظهرت المناروة الذكية الثانية فهي اقتراح تخفيف التصعيد في مناطق متفرقة وفيها تواجد للنصرة وهي ضربة أخرى قوية لمشروع التقسيم الذي أوكل الى داعش والنصرة .. واختيرت مناطق تخفيف التصعيد بعناية لعزل النصرة وبحيث أنه لايمكن قيام كيانات في هذه المناطق .. بل ان ادلب التي هي الأقرب الى تركيا لن تقدر تركيا على اقتراح انفصالها او الحاقها بها لأن ذلك سيعني أنها يجب أن تعترف بالمقابل بكيان كردي على غرار الكيان الادلبي .. فاذا قامت بسلخ ادلب مثلا فان انسلاخ الشمال الكردي سيكون  النتيجة التالية لأنها قدمت المبرر القانوني والشرعي والميداني لذلك ولاتستطيع القول بأنها ترفض كيانا كرديا اذا قبلت بكيان مستقل مشوه في ادلب .. وسيكون القلق الكردي في أقصى مستوياته وهو يرى نفسه محاصرا بين كيان ادلب وكيان اسلامي على نهر الفرات .. وعندها لن تقف روسيا وسورية حائلا أمام  انفعال الحركة الكردية التي ستصاب بالرعب من هذا الفخ وسيطلق لها العنان ضد تركيا .. وهذا هو هاجس تركيا .. وقد سمع الاتراك رسائل روسية صريحة بهذا الخصوص قيلت على شكل نصائح ودية بأن اي محاولة لسلخ ادلب او عزلها ككيان غالبا ما سيتلوه حرب كردية تركية حتى الموت تصل الى أحشاء  تركيا لن تقدر روسيا على كبح جماحها ولن تقدر على مساعدة تركيا لتجنبها خاصة اذا ما غذتها الحكومة السورية من منطق انها تريد مساعدة شعبها في المنطقة الكردية ليدافع عن نفسه ..

واذا ما تحرك الجيش واسترد المنطقة الشرقية مع الحشد الشعبي العراقي فان شيئين سيتحطمان هما:الثورة السورية ومشروع التقسيم .. فمن غير داعش في الشرق لا تقسيم .. ومن غير داعش في الشرق  فان القوى العسكرية المتبقية للارهاب ليست ذات شأن بدليل أن اقصى ماتقدر عليه النصرة قدمته في معركة حلب ولكنها هزمت وسحقت في تلك المعركة الكبيرة .. ومن لايصمد في حلب التي حشد العالم فيها لمنع سقوطها فانه لن يصمد في ادلب الا اسبوعين او ثلاثة .. فالقوة الحقيقية الآن في الرقة والمنطقة  الشرقية ..

وتم اقتراح المناطق خفيفة التصعيد لتشكل بؤرة لتبريد الحرب وهي ستظهر وكانها استجابة لاقتراح ترامب في ايجاد مناطق باردة يعود اليها اللاجئون .. فيما يتم تحريك قوات ضخمة في نفس الوقت نحو المنطقة  الشرقية لأن استطلاع الحلفاء كان يراقب منذ فترة التحركات في الجنوب وعلى الأراضي الاردنية والتي فهم منها انه للتوغل في جنوب سورية ووصل خط الفرات بجنوب سورية بحيث تلتقي القوات الاميركية في المنطقة الشرقية مع القوات الامريكية ومرتزقتها في الجنوب السوري على شكل قوس يكمل عزل شرق سورية عن غربها بشكل كتيم ..على الرغم أن الغاية الرئيسية منها هي فقط منع القوات السورية من التحشيد نحو المنطقة الشرقية وابقائها في الجنوب مستعدة لاحتمال التحرك الغربي نحو المنطقة الجنوبية .. وبذلك تكون هذه القوات مغناطيسا يمسك بحديد وفولاذ الجيش السوري ويمنعه من تهديد داعش .. لأن داعش هي قلب التقسيم .. وقلب الثورة السورية التي ستسقط بسقوط داعش المخلب الأسود للثورة  السورية ..

الاميريكيون يحسون أنهم يجب أن يفصلوا الشرق باي ثمن ولكن محور المقاومة تابع سيره نحو المنطقة الشرقية وفي نفس الوقت أظهر اعلاميا رصده الدقيق لصور الحشود الغربية والمرتزقة في الجنوب كي يقول بصراحة أنه يقظ وان الحشود مرصودة وان ضربها سهل للغاية وان تورطها قد يكلفها غاليا ..

مما سبق نجد أن الديبلوماسية السورية ليست ساذجة وهي تتعامل مع خريطة معقدة جدا ببراعة تحسب لها  وأن العقل السياسي السوري متقد ويتفاعل مع كل التحركات بهدوء وطمأنينة .. وهذا من اسباب ثقتنا به وعدم انجرافنا وراء العواطف والانفعالات تجاه كل ما يقال وما تروجه الدعاية .. والسبب هو اننا نتعامل مع حرب واضحة لا أسرار فيها ولاحجب .. بل كل شيء على الطاولة ..وكل الأطراف وضعت أقنعتها جانبا فلم يعد هناك حاجة لارتداء الأقنعة في حفلات لا يتنكر فيها أحد .. الا الأغبياء الذين يمثلون علينا دور  الثوار والمعارضين السوريين .. ونحن نرمقهم ونراقبهم ونرى الألوان والأصبغة تذوب عن وجوههم واشعارهم وشعاراتهم ..





River to Sea Uprooted Palestinian   
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!

No comments: