بقلم نارام سرجون
لم تعد السياسة علما ولافنا منذ ان بدأ الربيع العربي ورأينا مارأيناه .. السياسة كانت نوعا من الاحجيات والمعادلات الصعبة والمركبات التي يجب تفكيكها .. وأحيانا كانت شكلا من اشكال التنجيم الصعب ..
ولكن أمتلك الثقة الكاملة لاقول ان أبسط مواطن عربي صار يعرف تماما كيف يمكن ان يستنتج اتجاه الحدث السياسي لبلاده وللمنطقة ويستطيع كل مواطن عربي ان يكون خبيرا استراتيجيا ولديه مركز دراسات عن بلده يغنيه عن الخبراء الاستراتيجيين للجزيرة والعربية الذين لم يتوقعوا شيئا الا وحدث نقيضه .. فمثلا كلما ظهر الرئيس الاميريكي في خطاب عن الشرق الأوسط يتنبه المنعكس الشرطي السعودي أو السلماني عند المواطن السعودي .. حيث ومن غير تفكير لايجد السعوديون أنفسهم الا وهم يمدون ايديهم الى جيوبهم لافراغها مما فيها من أموال وقطع نقود حتى من القروش والملاليم .. لأنه بعد كل خطاب عن الشرق الأوسط يعرف السعوديون جميعا كبيرهم وصغيرهم ان الملك السعودي سيدفع المعلوم والجزية على داير مليم .. وسيشاهد بن سلمان في واشنطن يجلس مذعنا وهو يعرض للنسويق ويضع عليه ترامب لوحة المشتريات والاسعار فيما بن سلمان يهز رأسه كالابله ضاحكا لاحول له ولاقوة ..
وكلما خرج اردوغان بخطاب ناري عن القدس يعرف المقدسيون أن مصيبة قادمة في القدس .. لأن هذا الكذاب والممثل لايفعل شيئا سوى الثرثرة والاستعراض وهو سبب مصائب القدس لأنه كان قائد الربيع العربي الذي استهلك شباب العرب ومدنهم ومالهم .. فعقب كل خطاب يخفق قلب فلسطين هلعا ويتسرع لأنه صار معتادا ان كل خطاب أردوغاني سيتلوه تصفيق اسلامي وتكبير ولكن لاشيء آخر الا ان نتنياهو سيغرز انيابه في لحم قلبها وينهشه وهي تتألم .. والحقيقة هي ان اردوغان الثرثار هو من أضعف القدس وأوصل ترامب ونتنياهو الى مرحلة اللااكتراث لأنه طحن العالم الاسلامي بحروب الاخوان المسلمين وشغل دول الطوق ومحور مقاومة اسرائيل بحروبه العثمانية المجنونة واسلامييه الذين سهلوا لاسرائيل وترامب قرار نقل السفارة الاميريكية الى القدس لأنهم استهلكوا أشرس المقاتلين الاسلاميين في تدمير أنفسهم وأموالهم وامكاناتهم وتدمير كل الشعوب المحيطة باسرائيل واشغال كل أعداء اسرايل عنها ..
فهل نسأل المواطن العربي عن توقعاته السياسية كلما ذهب ملك الاردن الى أميريكا مثلا؟؟ طبعا سيعرف المواطنون العرب من المحيط الى الخليج ان الملك سيجول على صالات القمار أولا ثم سيذهب الى البيت الابيض ليتلقى تعليمات بشأن مؤامرة جديدة وعن هلال طائفي جديد أو قمر عرقي أو شمس مذهبية .. وهل يجهل المواطن العربي ماالذي يتوقعه اذا شاهد امير قطر او ملك البحرين يستقبلان وزير الدفاع الاميركي .. المنطق يقول ان القواعد الاميريكية ستشتغل في قصف بلد عربي ..
وعلى العكس من تلك البدهيات الواضحة .. يستطيع كل مواطن سوري وعربي ان يعرف ماذا سيعني لقاء الرئيسين بوتين والاسد .. في كل لقاء بين الرئيس الأسد وبوتين ترتعش التنظيمات الارهابية ويتحسس كل ارهابي رأسه .. بينما تلتفت عيون المجرمين الى السماء بحثا عن السوخوي .. ويجد نتنياهو نفسه يزداد قلقا على طائراته .. كل لقاء بين الأسد وبوتين يعتبر فاصلة عسكرية كبيرة تسبب الرعب للكثيرين .. فترتعد الرياض وتبول في ثيابها وتهتز الدوحة وتقبل انقرة بقضاء الله وقدره .. وبعد كل لقاء تستعد قطعة كبيرة من الجغرافيا السورية لخلع ثياب الاعدام لارتداء ثياب الحرية .. صارت هناك معادلات بوتين والاسد السياسية .. فكل لقاء بين بوتين والاسد يعني للرئيس الاميركي انه سيخسر قطعة جديدة من سورية التي يحتلها بشكل غير مباشر بالارهابيين .. منذ اول لقاء والذي كان لقاء السوخوي .. ثم تلته لقاءات حلب وغيرها .. هذه المرة ربما اقترب الأسد وبوتين كثيرا من ترامب في الشرق السوري .. ورغم كل مؤشرات السلام ونهاية الحرب السورية فان الاميريكيين يعلمون ان وجودهم في المنطقة الشرقية صار على كف عفريت .. فهناك عبارة اهتزت لها واشنطن قالها بوتين وهي ان القوات الاجنبية يجب ان تحزم حقائبها .. وهي عبارة لايقولها شخص وزعيم عالمي مثل بوتين اعتباطا فهو اتخذ قرارا بشأنها أو أنه تبلغ عبر قناة ما أن الأميريكيين يريدون أن يفتحوا مفاوضات الخروج والانسحاب .. فكل كلمة يقولها بوتين يجب ان تترجم خاصة انها تقال في لقاء مع الأسد الذي يملك الارض بالجيش والشرعية والذي يحارب بوتين الى جانبه .. واذا حاول البعض تفسير الكلام على انه موجه لايران وحزب الله .. وانها في سياق تفاهم اميركي اسرائيلي روسي فهي محاولة تفسير غير موفقة .. لأن الروس والسوريين ليسوا اغبياء لاخراج حلفائهم قبل اتمام الحرب وترك الاميريكيين في الشرق ينعمون بالراحة والاستقرار كي يغيروا الاتفاق ويطلقوا داعش او اي تنظيم جديد .. ومن المعلوم أن لحلفاء سورية من الايرانيين وحزب الله دورا هاما في المعارك البرية ضد الارهاب الذي مثل القوات البرية الاميريكية .. واذا خرج حلفاء سورية من الجغرافيا فاننا سنعود الى نقطة الصفر ولكن اذا خرج الاميريكيون فليس هناك حاجة لبقاء القوات الحليفة بذات الكثافة والدور .. ويمكنها ان تعود الى حالة استشارات فنية وصاروخية كما كانت قبل الحرب .. فالجيش السوري عاد قويا وتمرس على أشرس المعارك .. وتطور .. وأضاف عامل الثقة بالنفس الى رصيده .. والمواجهة مع اسرايل ستكون مواجهة تقنية وصاروخية .. الا اذا تغيرت معطيات المعارك ..
هذان الرجلان لايلتقيان اعتباطا ولاتعنيهما الاحتفالات الاعلامية والكرنفالات التي تقام لملوك الخليج الذين يذهبون لدفع الجزية في الغرب .. فمما لاشك فيه أنهما اجتمعا من أجل أمر هام جدا قادم .. لايسر من سمي (أصدقاء الشعب السوري) .. ولايسر المعارضين الذين ينتظرون منذ 8 سنوات بطاقة الدعوة لاستلام السلطة واعلان نهاية عصر الأسد .. وربما ساجرح مشاعرهم كثيرا وستغوض كلماتي كالسكين في أحشائهم للقول انها بداية عصر الأسد كزعيم عالمي .. بدأت منذ هذه اللحظة التي أعلن فيها لأول مرة بشكل ديبلوماسي ان الوجود الاميريكي في شرق سورية قد انتهت صلاحيته .. وهذا التهذيب الديبلوماسي .. فيه انذار ديبلوماسي .. ولاشك أن على الاميريكيين ان يردوا التحية الروسية بأحسن منها .. والا ..
هذا الحدس والاستقراء في علم السياسة له مماثل فيزيولوجي .. هو ظاهرة بافلوف .. فعندما يرى الناس ملكا سعوديا في واشنطن او أي عاصمة غربية ترتسم ابتسامة عربية عفوية لاارادية فيها مرارة .. فيما يسيل لعاب الاوروبيين والاميريكيين كما كلب بافلوف عندما يسمع جرس الطعام .. جرس الاميريكيين اليوم هو بن سلمان .. حيث يفيض لعابهم ولعاب اوروبة كلما لمحوه كما لو كانوا يلعقون الليمون الحامض ..
ولكن عندما يرى العالم الأسد وبوتين معا .. ترتفع درجة حرارة الأرض .. ويخفق قلب السماء الأزرق للقاء السوخوي .. ويسيل لعاب الدبابات .. وترقص البنادق .. وتجف الحلوق في الغرب والشرق .. فيما تتبلل عروق المدن الحزينة الظمأى بالأخبار السارة .. وتتهيأ الدنيا للأخبار العاجلة ..
River to Sea Uprooted Palestinian
No comments:
Post a Comment