التطبيع العربي المتسارع مع الكيان الإسرائيليّ مشهد يثير القلق، لكنه لا يستحوذ على كامل تفاصيله، فهناك مشهد آخر يقاومه في كل زاوية من أنحاء سورية، وصولاً إلى الجولان السوري المحتل.
هناك اذاً قتال مسعور بين جزء كبير من الدول العربية، كشف عن علاقاته السرية بـ»إسرائيل» وحوّلها الى تطبيع دبلوماسي، وبالتالي اقتصادي وسياسي وعسكري مقابل سورية التي قرّرت الرد على الانحطاط بتكثيف حركتها المقاومة، لردع ثلاثة احتلالات تنهش من جغرافيتها السياسية وهم الإسرائيليون الذين يحتلون الجولان السوري وفلسطين المحتلة والأتراك في غرب سورية والمناطق الحدوديّة والمحتل الاميركي في شرقي الفرات.
فهل يمكن مقارنة انتفاضة شعبيّة في الجولان بالانهيار العربي في الخليج والسودان والمغرب كتتمة متأخرة للتطبيع المصري الأردني والمتعلق بالسلطة الفلسطينية؟
هل يمكن اعتبار الصمود السوري منذ 2011 وحتى هذا التاريخ في وجه تدخل خارجيّ من قرابة ثلاثين دولة وتنظيمات إرهابية كافياً لجبه الانهيار العربي؟
كانت الخطة الاميركية تلحظ منذ 1990 ضرورة تفكيك العراق وسورية للإمساك بكامل الشرق الاوسط، فتعثرت نسبياً في العراق وسجلت إخفاقاً واضحاً في سورية ما فرض عليها الذهاب مباشرة نحو دفع البلدان العربية المحسوبة على النفوذ الأميركي للتطبيع مع «إسرائيل» في محاولة لمعادلة النجاح السوري في الدفاع عن بلاده وتمكّن حزب الله من طرد «إسرائيل» من لبنان في العام ألفين ومرة ثانية في 2006 وانتصاره على الإرهاب في ميادين سورية وشرق لبنان ولا يزال يؤدي دوراً مستمراً في حماية لبنان من تياراته الداخلية التي تريد التطبيع مع الكيان المحتل، لكن قوة حزب الله الداخلية تمنعها وتحصرها في زاوية ضيقة.
ان نجاح سورية بحماية دولتها لهو من العناصر الأساسيّة في منع الانهيار النهائي من السيطرة على المنطقة العربيّة بكاملها.
قد يعتبر البعض هذه المقارنة مبالغة على جاري الطرق العربيّة في الهرب نحو الإنشاء والبلاغة لتبرير الهزائم، لكن تذكير المشككين بأن الفرنجة في القرن العاشر أسقطوا كامل دول المنطقة وألحقوها بنفوذهم حتى اصبح التوازن الداخلي مفقوداً بشكل كامل وكان كافياً إلحاق هزيمة واحدة بالفرنجة لكي يهرب من تبقى منهم الى بلادهم في أوروبا.
ألا يشبه هذا المشهد ما يحدث الآن في المنطقة، لذلك فإن الأهمية الأولى للصمود السوري هو في منعه الاستسلام الكامل للمنطقة وتأسيسه لحركة مقاومة لرفض الغزو الجديد للفرنجة الجدد الى المنطقة، وما الدول المطبّعة مع الكيان الإسرائيلي والملحقة بالنفوذ الأميركي الا النماذج المماثلة التي كانت قبل ألف عام تقريباً جزءاً من دولة الفرنجة الاستعمارية في بلاد الشام والعراق ومصر.
هنا تكمن أهمية الجولان السوريّ المحتل منذ 53 عاماً متواصلاً.
فهذا المدى الزمني الطويل من الاحتلال والاعتراف الأميركي بيهوديّة هضبة الجولان على شكل هدية قدمها الرئيس الأميركي الحالي ترامب لرئيس وزراء الكيان نتانياهو، كل هذه الأمور لم تقنع أبناء هذه الهضبة بالاستسلام حتى تبين أنهم فخورون بسوريّتهم ولا يقايضون عليها بأي شيء، على الرغم من المحاولات التي قام بها سياسيو لبنان والداخل الفلسطيني لتمرير مطالب «اسرائيل» ببناء مراوح لتوليد الطاقة.
هؤلاء أبناء الجولان انتفضوا في وجه جيش الاحتلال الذي حاول بناء المراوح بالقوة والإرهاب والاعتداء على المتظاهرين ويواصلون استنكارهم بكل أشكال المجابهات غير عابئين بالتهديد الأمني الإسرائيلي من جهة والصمت العربي المتواطئ مع «إسرائيل» ضد مقاومتهم من جهة ثانية.
فكيف يمكن للمغرب أن يُطبّع مع العدو في وقت تهاجم قواته أبناء الجولان؟
وكذلك بالنسبة للإمارات والبحرين والتجاهل المصري السعودي القطري؟
ألا تعادل هذه الانتفاضة في الجولان هذا الانهيار العربي؟ هناك مَن يرى أنها تتفوّق عليه لكن تجاهل الإعلام الغربي لها، ومعه الإعلام العربي قد ينجح في منع تسويقها وتعميمها، لكنه يعجز عن منع تعميمها في كل مكان محتلّ في فلسطين المحتلة وشرق سورية وغربها.
فهكذا اتسعت في مطلع القرن الماضي ثورات سلطان الأطرش في جبل العرب وصالح العلي في جبال الساحل وإبراهيم هنانو في المدن حتى تحرّرت سورية بكاملها.
فهل نحن في وضع مشابه؟
لقد انتصر السوريّون على الاحتلال الفرنسيّ ويجابهون خطة لتفتيت سورية منذ عقد تقريباً بما يؤكد أن ثورات تحرير الجولان وشرقي البلاد وغربها هي من المسائل غير القابلة لأي مفاوضة، وعلاجها الوحيد هو في القتال الاستراتيجي المدروس المبنيّ على قوة داخلية وتحالفات وازنة، وذلك لأن العدو يحتكم على مقدرات متمكنة تحتاج الى إيمان المجاهدين مع قدرات عسكرية من الداخل والخارج، وبذلك يتضح أن مشهد انتفاضة الجولان اكثر وزناً من مشهد التطبيع وأفعل منه لأنه يأتي في سياق جهود دولة سورية مصرّة على تحرير بلادها والتأثير الإيجابي في كامل الإقليم.
No comments:
Post a Comment