تنحصر الحركة الشعبية اللبنانية حالياً في جمهور ينتمي بغالبيته الى مناطق ذات غالبية مارونية. وهذه الحركة تُصرّ يومياً على تأييد قائد الجيش بذريعة أنه يحمي لبنان كما تذهب ناحية التأييد المطلق والكبير للكاردينال الراعي لأنه يحمي لبنان، على حد قولهم.
هذان القياديان يحظيان حالياً بهذا التأييد الأعمى على الرغم من أنهما لم يشاركا في تحرير لبنان من العدو الإسرائيلي المجمع على عداوته للبنان، لذلك يتسجّل هذا التأييد في خانة الصراعات الطوائفية في لبنان، كما يصل هذه المرة حاملاً معه إحساساً مارونياً بإمكانية خسارة الصيغة القديمة بكاملها التي قام عليها لبنان في العشرينيات بدعم فرنسي كامل.
لا بدّ أولاً من التأكيد على أن صيغة 1920 أصيبت بعطب شديد كاد أن يطيح بها كاملاً نتيجة لاتفاق الطائف.
هذا الاتفاق التهم الأحادية المارونية في السلطة وأدخل السنة الحريرية شريكاً عليها من دون منازع وكادت صيغة 1920 أن تسقط كاملة ولمصلحة ثلاثيّة مع الشيعة والدروز لولا تدخلات دوليّة وإقليميّة خليجيّة.
لكن هذا الأمر لم يظهر الى العلن، لكنه أصبح حقيقة سياسية لا يمكن تجاوزها بسبب التفوق النوعي لحزب الله وحلفائه في الأحزاب الوطنية، ولولا هذه التدخلات الخارجية والخليجية لكانت الصيغة الحاكمة في لبنان مشكلة من هذه القوى الشديدة الفاعليّة في هذه المرحلة بالتحديد.
هذه التطورات أنتجت إقراراً مارونياً ضمنياً بالثلاثية السياسية للسلطة في لبنان، لكنها اصطدمت بمحاولات للمحافظة على صيغة 1920 من بعض القوى الداخلية عند الموارنة الذين يعتقدون بإمكانية استمرارها في السلطة.
هؤلاء اختاروا الشارع وسيلة لمحاولة التمسك بآخر ما تبقى من صيغة 1920 معطوفة على الطائف في إطار الاتفاق الإضافي غير المكتوب مع الشيعة بما يؤدي الى تشكيل ثلاثية تحفظ ثلث لبنان للموارنة لأمد طويل.
هذا ما يفعله الموارنة اليوم في الشارع حاملين فيه لواء الكاردينال وعصمة قيادة الجيش معتقدين أن هذين الحرمين يمنعان الضرر عن بقية الصيغة اللبنانية.
لذلك انتقل الصراع بين الأجنحة السياسية المارونية على قيادة الجيش ورئاسة الجمهورية حيث تشهد الشوارع التحاقاً بقيادة الجيش وتصويره وكأنه منقذ لبنان، مع الالتصاق الشديد بالكاردينال الذي «أعطي له مجد لبنان»، كما تقول العامة.
تشهد شوارع لبنان إذاً محاولة مارونية لصون الجزء الثلاثيّ من السلطة الخاصة بالموارنة، لكنها تصطدم بصراعات مارونية داخلية تعمل على الوصول الى رئاسة الجمهورية او بالاستحواذ بالشارع الماروني.
فقسم كبير من المتحرّكين في الشارع هم من جماعة حزب القوات اللبنانية والكتائب مقابل التزام مؤيدي التيار الوطني الحر بمنازلهم تحضّراً لأيام جسام تبدو واضحة في الأفق.
جرى الانتقال اذاً من الصراع الماروني السني وصولاً إلى الصراع مع الشيعة في اتفاق الطائف وصولاً الى الصراع الماروني في الوقت الحاضر بين القوات والكتائب والتيار؟ إلا أن قوات جعجع حاولت أن تنفي مشاركتها في قطع الطرق فيما واصل سامي الجميل رعاية المتحركين باحثاً عن مكانة فقدها حزبه الكتائب منذ صعود الحريرية السياسية التي دعمت القوات وفضلتها على غيرها من القوى المسيحية لأسباب غربية صرفة وأخرى خليجية.
لذلك فإن ما يجري اليوم هو صراع بين قوى مسيحية تحاول الاستحواذ على تأييد الخليج والغرب، وقد يبحث بعضها عن تأييد ضمني إسرائيلي.
فهل ينجح جعجع وسامي الجميل في السيطرة على كتلة كبيرة في الشارع المسيحيّ؟
هناك تأكيد ان القوات والكتائب تتصلان بشكل شبه يومي بألمانيا ومصر والأردن في محاولة لكسب أدوار تمنحها عدداً معيناً من وزارة يشكلها قريباً سعد الحريري.
وألمانيا ومصر والأردن ذاهبون لعقد مؤتمر دولي لبحث أزمات الشرق الاوسط من فلسطين الى لبنان.
أما القوات فيكاد قائدها لا يعبر يوم واحد إلا ويختلي فيه بدبلوماسيين من هذه الدول. ماذا اذاً عن طلب المتظاهرين باستقالة رئيس الجمهورية؟ هذه تندرج في إطار الصراع الماروني الماروني وبما أنها على هذا النحو فلا قيمة فعلية لها، لأنه تمكّن فريقاً صغيراً من الموارنة من إقالة الرئيس اللبناني بفتح المجال واسعاً للبدء بتغيير أي صيغة تحكم لبنان. وهذا يؤدي بدوره إلى الجزم بأن الكاردينال الراعي لا يقبل بهذا الأمر حرصاً على مارونية الرئاسة، كما أن الجمهور اللبناني الكبير الموالي لعون ليس بهذا الوارد، ومستعدّ للمقاتلة، بالإضافة الى ان جمهور حزب الله والأحزاب الوطنية لا يسمح بهذه الترهات التي تعني إلغاء النظام التاريخي اللبناني.
يتبين بالاستنتاج استحالة إحياء صيغة 1920 وإمكانية إلغاء حتى اتفاق الطائف اذا ما انضبطت الطوائف في كهوفها وانطلقت لقرن جديد يبدأ من 2020 ويجب أن يستمر حتى القرن المقبل بلبنان الطائفيّ الهش.
No comments:
Post a Comment