2021-08-17
مجلة تحليلات العصر الدولية – محمّد صادق الهاشميّ
منذ أيام أتابع الجدل في مختلف الاوساط عن مستقبل شيعة أفغانستان في ظلّ دولة طالبان، وما هو دور إيران؟ وبعد تتبعٍ دقيقٍ، ومحاورات معتمدة مع جهات عالمة نعرض إليكم التالي :
لا ريب في أنّ إيران ضدّ الأمريكان , والأمريكان لا يخفون عداوتهم لإيران وعموم التشيّع , وأنّ الأمريكان أصحاب مشروع لا يمكن أن يمضي في المنطقة – كما يرون هم – في ظلّ وجود الصحوة والنهضة الاسلامية والمقاومة، وهذا الأمر واضحٌ للجميع , كما أنّ إيران تريد أنْ تصل إلى قمّة التطوّر الحضاريّ، وتتموضع هي والشيعة في العالم في قلب التطورات , وأنْ لا يبقي الشيعة خارج الحدث، فيأتي الغربيون ليمزّقوا المنطقة كما حصل في سايكس بيكو وغيرها والمسلمون يتفرجون.
وإيران لا تقبل أنْ يبقى العالم الإسلاميّ متفرّجاً على ما تفعله أمريكا في العالم الإسلاميّ، وتلك ثوابت لا يمكن النقاش فيها بالنسبة لإيران .
وفق هذه المقدّمة لا نعني أنّ إيران سعت أو ساعدت على تسليم أفغانستان بيد الطالبان، بل الذي حصل باختصار هو ما يلي :الأمريكان قبل خمس سنوات دخلوا بمفاوضات عبر قطر مع الطالبان، دون علم إيران، بل ومن دون علم الحكومة الأفغانية المنتخبة , وهم الذين خططوا لاستيلاء الطالبان مجددا على البلاد لأسبابٍ كثيرةٍ، وهنا تتعدد القراءات حتى داخل إيران.
إنّ إيران أدركت أنّ ثمّة حواراً ( أمريكيّاً – طالبانيّاً ) فلا بدّ لها أنْ تدخل على الخطّ، وتعدّ العدّة لتدارك الخطر، وتوجيه الموقف داخل أفغانستان، وتؤثّر على طالبان بما يجعل تأثيرهم أقلّ خطورةً على الشيعة في أفغانستان، وحتّى على إيران؛ لأنّ الطالبان مكوّن كبيرٌ ومؤثّر مجاورٌ لإيران، وهنا تمكّنت الحكمة الإيرانية من استيعاب واحتواء وترويض الطالبان حقناً للدماء، ونزعاً لفتيل الفتنة التي يخطط لها الأمريكان مع أنّ ما حصل ليس خيارهم الاختياري .
نعم، إنّ إيران دخلت – بحكم التكليف الشرعيّ، وما تقتضيه الحكمة التي لابدّ من ممارستها في هذا الظرف الحسّاس – لمنع الحرب الأفغانية ودفع مشكلة تدفق الملايين من الأفغان لإيران مجددا , فإنها بالكاد تمكّنت من أنْ تعيد (4) مليون أفغانيّ مهاجر إليها أبان الحرب والأحداث في فترة حكم طالبان الأولى قبل 20 عاماً.
إيران أمام مخططٍ أمريكيٍّ خطيرٍ لا يمكن النظر إليه بسطحيةٍ؛ فإنّ كلّ الاحتمالات ممكنة، إلا أنها تدرك أنّ الواقع يفرض التوجّه منها نحو الاحتواء لترويض طالبان والسير بهم إلى تقبّل أنْ يكون هناك تعايش وسلام، وأنْ تنتقل طالبان من عقلية القبيلة والتفرّد إلى عقليةٍ واقعيةٍ لتأسيس نظام سياسيّ، وليس نظاما قبليّاً .
خلال متابعاتنا للأحداث نجد أنّ التصريحات الطالبانية والمواقف تتجه إلى نوعٍ من تقبّل الآخر، ويبدو أنّ الطالبان اليوم أكثر لينا من قبلُ؛ لأسبابٍ كثيرةٍ , وهذا ما تفيده الوقائع والمجالس الحسينية والشعائر والدخول السلميّ لعموم المدن الأفغانية, أمّا ما يعرض من صورٍ للإرهاب فهي قديمة وتوجد فعلا بعض الثغرات .
الطالبان اليوم لا يمتلكون حرية العودة إلى الإرهاب لأسبابٍ كثيرةٍ؛ كونهم يدركون أنّهم محاصرون من الروس والصين وإيران، فليس أمامهم إلّا أنْ يلبسوا ثوب التعايش، ويمارسوا عقلية العمل السياسيّ، لا القبليّ , وهذا ما أكّدته المواقف المتعددة الى الان والتصريحات .
الطالبان بدل أنْ يستثمرهم الأمريكيّ والسعوديّ كشوكةٍ ضدّ التشيّع ولأجل إرباك الموقف في آسيا؛ فإنّ إيران تسعى جادّة لترويضهم و((بقفازات)) في غاية الدقّة، ورسم مخرجات الحكم بيدها لا بيد الأمريكان , فكان المؤتمر الأوّل الذي رعته إيران بقيادة وزير الخارجية الإيراني السابق السيّد ظريف، وعشرات اللقاءات السرية، وسوف تستمر .
الطالبان قوّة متواجدة على الأرض الآن ومستقبلا , وبدلاً من أنْ يكونوا أداةً طيّعةً بيد الإرهاب والمخططات الصهيونية، فإنّ إيران تسعى أنْ يكونوا متعايشين مع الواقع، وهذا ما تتجه إليه الأحداث، ولكنّ كلّ شيء محتملٌ، وعلى الحكيم أنْ يمارس حكمته في كلّ الأحوال.
طالبان اليوم المحرّك الأوّل لهم هو دولة قطر؛ لأنها تريد أنْ تُوجِدَ ضدّاً نوعيّاً للسعودية والإمارات، وهذا أمر مهم بالنسبة للشيعة لتفكيك قوي التحالف الطائفي .
طالبان بحكم الواقع محاصرون جغرافياً، وهذا مصدر ضعفهم الذي يجعل من إيران تُدرك إمكانية احتوائهم وفق الحقائق التالية :
(أ). إنّهم محاصرون من الروس وإيران والصين وباكستان، وأغلب هذه الدول تختلف معهم، وتخافُ من الإرهاب وهذا الأمر يمنع على الطالبان العودة إلى الارهاب .
(ب) . الأفغان لا منفذ جغرافي لهم ولا تصدير ولا توريد إلّا عبر هذه الدول، وإيران هي الأقرب لهم .
(ج). الصين لديها مشروع الحرير، والروس لها تاريخ من الدماء في أفغانستان، وهذا الأمر حساس يحدد طبيعة السلوك الطالباني.
(د). مقايسة الأفغان بين إيران والروس والصين حتما يختارون الصين وإيران أوّلاً.
(هـ). الشيعة الأفغان وإنْ كانوا أقلّية في الداخل إلّا أنّ وجود إيران المجاورة لهم يمنح الشيعة الأفغان عمقاً وقوّة.
(و) إيران لديها تحالف صيني حول خطّ الحرير، وتفاهم مع الروس حول المنطقة، ومستقبل الغاز، ومياه البحر المتوسّط، وقزوين وسوريا, فلا بدّ أنْ تخرج طالبان من أيدولوجية الإرهاب وفق الواقع الدولي .
هذا هو الواقع المنطقيّ، علما أنّ إيران لم تتخلَّ عن المسلمين في البوسنة والهرسك، ولا الشعب الفلسطينيّ، ولا شيعة العراق ولبنان، وهي من دافعت عن سورية، وبالتأكيد أنّها ستقف مع شيعة ومسلمي وقوميات أفغانستان، وكلّ هذا يحتاج إلى جهد وصبر طويل، لأنها لاتريد ان تخسر حلفائها.
اقتبس مايلي من تصريح :اعتقد ان (الكيان الأمريكي) بمسمياته المختلفة مخترق،وبعيد عن واقع المنطقة،وقد استطاع القطريون التأثير عليه بالتنسيق مع زلماى كما أثر الاماراتيون على الإدارة السابقة.
وضع الشيعة ليس سهلا و هناك مساع للمحافظة على مكتسباتهم السابقة ونسأل الله التوفيق .
No comments:
Post a Comment