Thursday, 28 August 2014

هل أمريكا قلقة من داعش أم عليها؟ قتل نصف بن لادن وإنقاذ نصفه الآخر


هل أمريكا قلقة من داعش أم عليها؟ قتل نصف بن لادن وإنقاذ نصفه الآخر
ماذا يعني أن تغيب عن أي نص أدبي أو لاهوتي أو سياسي كلمة هي بالضبط قلبه النابض و"ملكة النص" التي يسير وراءها كل الكلام.. وهي بمثابة حجر رشيد الذي يفك رموز وطلاسم النقش الفرعوني؟؟.. وغيابها يجعل أي نص ألغازا ورسومات وطيورا بلا أجنحة؟؟ فماذا يعني الكتاب المقدس إذا تلي كله ولكن اقتلع منه اسم يسوع المسيح؟؟ وماذا يعني القرآن إن حفظ من غير كلمة الله؟؟ وماذا يعني أن تبنى خلية نحل بلا ملكة نحل؟.

بتر الكلمة التي تضخ الدم في عروق النصوص أو اقتلاعها من النص يجعله ينزف من مكان شرايينها المقطعة دما حتى يموت.. وبدل أن نلمس حرارته نلمس جلدا باردا للكلام وجيفا للمفردات.. ففي كل كلام هناك كلمة واحدة تقود النص إلى وجهته الصحيحة كما يفعل الربان بين البحارة.. وكل الكلام حولها يتيه كما تتيه السفن وبحارتها عندما يقتل القراصنة الربان..

أن تغيب الكلمة الملكة بعينها عن أي نص يعني أن يتحول النص اللاهوتي أو الأدبي أو السياسي من دونها إلى قطيع من الكلام لا راعي له يدهسك بحوافر الثرثرة وبحوافر السأم بدل أن يجر عربة عقلك إلى قلب الحقيقة.. النص الذي لا تذكر فيه الكلمة السحرية وملكة النص يشبه سربا كبيرا من الطيور المهاجرة التي قصت أجنحتها فسقطت في البحر لتأكلها أسماك القرش.. الكلمة الملكة هي السر الدفين والكنز المخبوء في أرض الكلام.. وهي ملكة النحل في مملكتها التي تحفظ سلالة النحل.

ولذلك ماذا يعني أن يحدثك المحدثون والثرثارون ولصوص النصوص عن الشرق الأوسط وعن الحرب على الإرهاب وداعش من دون ذكر "دور سورية المحوري فيه".. وسورية ملكة من ملكات الكلام السياسي وملكة من ملكات علم التاريخ وقصة الحضارة.. لا يستوي بغيابها نص في السياسة أو العروبة أو الإسلام أو الحضارة.. ولا يستوي بغيابها كلام عن عدالة لفلسطين ولا نص عن الحرب ولا نص عن السلام ولا نص عن مواجهة الإرهاب؟؟

لصوص النصوص عندما يكتبون الكلام يسرقون منه الكلمات المقدسة التي تحكم النص وتضبط إيقاعه.. وفي غيابها تتحول النصوص إلى نعوش مرصوفة لكلام ميت مثل بيانات الجامعة العربية أو بيانات مجلس بان كيمون أو خطابات السلاجقة الجدد.. ولذلك لايزال العالم لا يعرف إلا الثرثرة في السياسة والأزمات الكبرى والحرب على الإرهاب.. وكل قراراته اقتلعت منها عيون الكلمات واجتثت منها القلب النابض.. الثرثرة ليست كما في تعريف القواميس بأنها كثرة إنتاج الكلام في مبالغة من غير جدوى بل الثرثرة هي في تجريد النصوص من أسرارها ومن ملوكها وملكاتها ونهب مفرداتها الثمينة ودررها وياقوتها الأحمر.. بل وإحلال أشباه الكلام مكان الكلام.. حيث تحل "من" محل "على" عندما يقال إن أميركا "قلقة من داعش".. ولمعرفة ذلك تعالوا معي إلى زيارة نصوص سياسية سرق منها اللصوص كل عروق ذهبها.. وسبوا كل أميراتها كما يسبي الداعشي نساء سهل نينوى..

كل الكلام والجعجعة الأمريكية والغربية عن الحرب على الإرهاب لا معنى له على الإطلاق وكلام ثرثرة.. ومن يصدقه فسيستحق لقبا من الألقاب الفخمة التي تسبغ على الملوك الأميين مثل "حكيم العرب" الذي منحه السيسي (لأبو متعب).. ومثل "شيخ العرب" الذي منحه له خالد مشعل القطري.. ومثل "حمار العرب" الذي استحقه أبو متعب بجدارة برأي الشعب السوري..

فمن الكلام المنقوص والمشرد الذي سرقت منه الملكة وطار بلا أجنحة فسقط، تصريح ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا من أن الغرب يحتاج إلى التعاون مع دول المنطقة لحرب داعش.. لأن كاميرون عدّد وبشكل مقصود هذه الدول واحدة واحدة من دون أن يذكر أهم فقرة في الحرب على داعش والإرهاب وهي "التعاون مع الدولة السورية".. وتغييبه المتعمد لها بذكره وتعداده الدول التي ستساعده دون اسم سورية يدل على أن النية هي العكس وهي أن تتعاون هذه الدول مع الإرهاب ضد سورية تحت ذريعة محاربة الإرهاب.. لأن منطق الحال يقول: ماذا يعني أن تحارب الإرهاب المولود في سورية من رحم الثورة السورية وصلب ربيع العرب من دون الحكومة السورية؟؟

فتغييب سورية من نص كاميرون "الدقيق" جعل نصه مزيجا غريبا من ملهاة ومأساة.. فهل هناك ملهاة وكوميديا أكثر من أن يحاول الغرب تحطيم داعش بدعم سعودي وتركي وقطري..؟؟ وهل هناك من مأساة أكثر من الضحك على عقول الناس من أن بريطانيا وأمريكا تريدان محاربة داعش في العراق ولكن ليس في سورية وتريد محاربته في سورية من دون الدولة السورية؟؟ أي مثل أن تقرر طائرة من دون طيار قصف نصف بن لادن فقط أو نصف أيمن الظواهري وتترك النصف الآخر دون قصف.. واليوم تريد أن تقول لنا فكاهيات الغرب إن نصف أبي بكر البغدادي عدو فيما نصفه الآخر ليس عدوا بل هو إسلام معتدل يحارب في سورية حرب الحرية ضد طاغية مستبد..

ما هذا العالم الذي يريد محاربة إرهاب داعش وجبهة النصرة ويبحث ذلك مع تركيا وقطر والسعودية والإمارات.. ذلك لا يشبه إلا أن تبحث قيادة الشرطة في مدينة طريقة التخلص من لصوص ومجرمي المافيا فتجري مشاورات مع زعماء المافيا واللصوص في المدينة التي انتشر فيها رجال المافيا.. وتعقد اجتماعات مع زعماء المافيا لتبحث معهم كيفية القضاء على عصابتهم وتستمع إلى توصياتهم في أفضل طرق تدمير المافيا.. أما البطل الشعبي ابن المدينة الذي يطارد المافيا بجهوده ومسدسه ويقاتلها ويحمي الأطفال فلا يدعى إلى الاجتماع لأن رئيس المخفر يعتبره خارجا عن القانون بسبب أن البطل الشعبي يحمل سلاحا غير مرخص من الشرطة حتى وإن كان يدافع فيه عن المدينة وأهلها ويهزم رجال العصابات..
إن التعلل بأن تقديرات الغرب كانت مخطئة بشأن نمو وتحرك داعش وقوتها هو النفاق بحد ذاته.. فالغرب يتهرب من مواجهة الاتهامات المحرجة بذريعة صارت مملة لنا وهي أنه أساء التقديرات وقراءة الأحداث وأن استخباراته لم تقدم النصيحة الملائمة بشأن نمو الإرهاب في سورية.. وتشبه هذه الذريعة كذبة أن تقديراتهم وتقارير استخباراتهم بشأن حتمية وجود أسلحة الدمار الشامل العراقية كانت خاطئة.. وذريعة أن قرار حل الجيش العراقي وقوات الشرطة والأمن العراقية في اليوم التالي لسقوط بغداد كان خطأ كبيرا.. وأن دعمهم للمجاهدين في أفغانستان كان خطأ أيضا دفعوا ثمنه في أبراج نيويورك.. فما هذا الغرب الذي يخطئ دائما في حساباته ولكن نحن من يدفع الثمن الباهظ لحساباته الخاطئة؟؟.. وكيف يمكن أن يتهرب من مسؤوليته بعبارة.. سخيفة هي: للأسف وقعنا في الخطأ لو لم يكن الخطأ هو الهدف المقصود من سياسته..

هل يصدق إلا المجنون أن الغرب لم يكن يعرف بعد كل فرق التفتيش وتقارير هانز بليكس أن العراق كان خاليا من قطرة كيماوية واحدة وان أسلحة الدمار الشامل لا وجود لها؟؟ إن سياقات الأحداث بعد ذلك وبعملية تحليل راجع تشير أن غزو العراق تم بعد أن تأكد الأميركيون بنسبة 100% أن العراق قد جرد تماما من كل سلاحه التقليدي وغير التقليدي وصار فريسة سهلة الهضم.. ولم يكن هناك أي سوء في التقديرات الاستخباراتية.. ولكن شماعة التقديرات الخاطئة تعفيهم من قتل مليون ونصف عراقي.. وتعفيهم من جريمة تاريخية بتدمير نسيج بلاد مابين النهرين الذي عجزت عنه آلاف السنين من الحروب..

وهل يصدق إلا المجنون أن الغرب لم يكن يعرف عواقب حل الجيش الوطني العراقي والشرطة العراقية في مجتمع فيه 30 مليون مواطن تركوا فجأة دون راع للقانون ودون رجل أمن واحد لتنتشر الميلشيات الطائفية مثل الفطر وتتكاثر كل أنواع الجريمة وفرق الموت وتنفلت بلاكووتر ليلا فيما تحول مئات آلاف الجنود العراقيين إلى عاطلين عن العمل تصطادهم عروض المليشيات وشركات الأمن للعمل فيها والولاء لها لا للوطن حتى تحلل المجتمع العراقي وتفتت وبدأ يفرز كنتيجة طبيعية ظواهر العنف الجماعي وظواهر الأقاليم المتمردة على الدولة؟؟ وبعد كل هذا يقول المسؤولون الأمريكيون عندما يسألون عن ذلك -بمن فيهم بريمر نفسه صاحب قرار حل الجيش العراقي- إنه كان قرارا خاطئا للأسف وغير صائب!!..

ولكن أين الخطأ أيها السادة؟ أليس معروفا في كل دولة أن غياب أجهزة الدولة والجيش والشرطة يعني إطلاقا للجريمة والفوضى؟؟ كل ماحدث في العراق خدم الهدف الرئيسي للغزاة وهو إنهاء وجود دولة موحدة قوية ومجتمع متماسك وتصدعت بلاد مابين النهرين.. ألم تكن النتيجة أن غياب الجيش العراقي أنتج بيئة حاضنة لكل منظمات الجريمة والتطرف وهو ما أنتج داعش وهيأ من داعش قوة تفرغ المجتمع من أقلياته وتستدرج الجميع إلى حرب طائفية.. وكانت داعش سببا لتطرح أميركا فكرة تقسيم العراق والفيديراليات من جديد؟؟

وهل يصدق عاقل مثلا أن قرار تحطيم الدولة الليبية مثلا كان خطأ غير مقصود ناتج عن سوء التقديرات الغربية؟؟ لأن النتيجة هي أن ليبيا التي نعرفها تتلاشى وتتشقق تماما وفق الخرائط التي كنا نراها منذ سنوات تصدر في الغرب ولا نصدقها.. وما فعله الغرب عن سابق تصور وتصميم نتج عنه تحلل دولة لم يكن فيه ذرة واحدة خارج الحسابات..

واليوم يعيد الغرب نفس اللعبة القذرة من أنه أخطأ التقدير ولم يكن يدري أن داعش ستظهر بهذه القوة وأنها ستهدد مصالحه وحلفاءه وأنه الآن صار مستعدا لقتالها لإيقاف تمددها لأنه قلق من نموها.. وهناك -من جديد- اعتراف خبيث بسوء تقديرات الغرب بشأن الإرهاب في المنطقة!!.

لا أدري لماذا تستفزني تحذيرات البيانات الغربية والسعودية من خطر داعش وأن داعش تجاوزت الخطوط الحمر.. فماهي إلا تصريحات مخاتلة مخادعة.. والأمريكيون هم سادة المراوغة والتنكر والخداع.. لأن من راقب تطور الأحداث في سورية منذ البداية لم يكن يحتاج إلى كبير عناء ليدرك فورا أن الربيع العربي هو موجة إسلامية عاتية.. شعاراتها إسلامية.. وأبطالها إسلاميون.. ونداءاتها إسلامية.. ولباسها إسلامي.. ومفكروها إسلاميون.. وتتحرك بالفتاوى الإسلامية من المساجد في دول الخليج المحتل غربيا.. وتمويلها إسلامي من قطر والسعودية.. ودمها إسلامي ولهاثها إسلامي.. فهل يتوقع غبي أن موجة أولها "إخوان مسلمون ووسطها جبهة نصرة وقاعدة ألا تكون نهايتها داعش"؟؟

هل كان يتوقع من هذا الحراك الديني العنيف الذي دلّل من قبل الغرب ووصف برومانسية بالربيع العربي أن ينتج له جمهوريات اسكندنافية؟ أو أن تحتفل بانتصاراتها وحريتها بفرق سيمفونية في الشوارع؟ ماذا كان متوقعا من ثوار همج يقتلون الراحل القذافي بتلك الطريقة المهينة والبشعة والوحشية ودون أن يحقق المجتمع الدولي الذي ساند الثوار الليبيين في تلك الممارسة المهينة للإنسان وحقوقه واكتفى قادته بالتشفي والشماتة وإسداء النصح لغيره بتجنب مصيره!!؟؟ ألم يقتل القذافي على نفس الطريقة الداعشية الهمجية؟


ما الفرق بين مشهد قتل وتعذيب الراحل القذافي وبين ما تفعله دواعش سورية والعراق بالأسرى؟؟ لا فرق بالتأكيد..

ألم يقتل في مدينة ليبية واحدة هي تاجوراء قرابة 30 ألف شخص في مذبحة مروعة داخل بيوتهم على يد الثوار (دواعش ليبيا) ولم ينبس الغرب ببنت شفة ليوقف دواعش ليبيا؟ بل تركهم يرسلون شحنات السلاح إلى موانئ لبنان إلى أشقائهم دواعش سورية؟؟

لم لم يؤت بالقتلة الليبيين أو زعمائهم إلى العدالة الدولية مثلما أحضر رادوفان كارادزيتش ليتعلم القادمون إلى مؤسسات الحكم العربية النهج الإنساني في الحكم ومعادلة الجريمة والعقاب؟ ألم يشاهد الغرب موظفي البريد يرمى بهم في مدينة الباب السورية من المباني في أعنف مشاهد مروعة في العالم.. ألم ير ذبائح نهر العاصي ومشهد الديرية الذبيحة وهم يقطعون الأجساد بالسواطير وملايين الصور المروعة عن وحشية الثوار السوريين وهم يحرقون ضحاياهم أحياء ويذبحونهم ويدفنونهم أمام الكاميرات؟؟.. ومع هذا أصر هذا الغرب على دعمهم وتبرير همجيتهم بل وزارهم جون ماكين في حلب؟؟ هل يريد هذا الغرب الأفاق أن يقنع شخصا عاقلا أن كل مؤسسات الغرب التي ترسم الخطط لعشرات السنوات لم تقم بتقييم الوضع وطرح الأسئلة على الخبراء عن مآل هذه التحركات وتطورها الحتمي نحو داعش الذي قد يهدد حلفاءه ومصالحه؟؟

الغريب أن نفس مشهد العنف الذي تقوم به داعش الآن قد شاهده سكان لندن في أيار عام 2013 عندما قطع متطرفون مسلمون رأس جندي بريطاني في وسط لندن ثم تحدثوا إلى الكاميرا وأيديهم ملطخة بالدماء.. تابع الفيديو وتأمل:
https://www.youtube.com/watch?v=M8hjZ1d42qg

ولكن الحكومة البريطانية والإعلام الغربي تعامل مع الخبر ليوم أو بضعة يوم ثم تشاغل عنه بسرعة وطمره بدهاء لينساه الناس لأن الغرب كان منشغلا في تحشيد الرأي العام الغربي من أجل قبول مشروع التغيير الإسلامي القادم برعاية الإخوان المسلمين الذين كان يصر الغرب على وصفهم بالقوى المعتدلة الإسلامية المتميزة عن القاعدة وفي وقت تحتاج الثورة السورية إلى العمل العنيف دون تشويش.. في حين أن الشرطية البريطانية ايفون فليتشر التي قتلت برصاص غامض أمام السفارة الليبية في لندن عام 1984 لم يكل الإعلام البريطاني عن الحديث عنها منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم بمناسبة وبدون مناسبة.. ولا أعرف ماهو الفرق بين ذبح جندي بريطاني في شوارع لندن وبين ذبح صحفي أمريكي في سورية رغم أن الصورة المخيفة للغرب والتي كان يجب أن تدق ناقوس الخطر هي في ذبح جندي بريطاني في لندن وليس في ذبح صحفي في منطقة نزاعات معقدة بعيدة جدا عن لندن دخلها خلسة.. إلا أن الغرب الذي أغمض العين عن حادثة لندن وكل أحداث سورية يجعل اليوم من تصرفات داعش وذبح الصحفي الأمريكي محفزا لتحركه لأن داعش هي الحصان الذي سيحمله من جديد إلى آفاق أخرى في الشرق مثلها مثل القاعدة التي صنعها الغرب لمحاربة خصومه ثم امتطاها عبر أحداث سبتمبر المدبرة ليعيد احتلال الشرق الأوسط ويبدأ مشروع التفتيت وتحت نفس المنطق التبريري المخادع (للأسف أخطأنا التقدير والحسابات).. وداعش تحركت في التوقيت المطلوب أمريكياً الذي سيجعل الجميع يبرر دخول أمريكا إلى معادلات الحل في المنطقة.

لا أدري كيف يستوي عند الغربيين أننا سنصدق قلقهم من داعش وهم من تجاهل العنف المجنون في سورية طوال ثلاث سنوات وتجاهل حز الرقاب والإعدامات الجماعية أمام الكاميرات للأسرى والمجازر التي دعمها مجلس الأمن لأن الثوار الإسلاميين كانوا يقدمون لكل جلسة مجلس أمن مائدة عامرة من الجثث والمجازر السورية حيث كان بان كيمون ومندوبو بريطانيا وفرنسا وأمريكا يقررون سلفا وفي دقائق ودون تحقيق أن القاتل هو الجيش السوري.. وغبي من يعتقد أن الناتو مغفل وأن عيونه ومجساته في المنطقة عمياء لتجهل أن القاتل والسفاح في تلك المجازر هو المنظمات الإسلامية المسلحة والمدعومة من تركيا وممالك النفط..

ولا أدري كيف يمكن أن يكون الغرب أعمى البصيرة وهو يجتهد ويفتي لجمهوره طوال أربع سنوات كيف أن ثوار سورية إسلاميون معتدلون ولا يشبهون الإسلاميين المتشددين رغم أن مستوى العنف الذي مارسته المجموعات المسلحة في نفس تلك الفترة كان داعشيا بامتياز ودون أدنى فرق.. وبذات الشعارات (المسيحي لبيروت والعلوي للتابوت) التي هي نفس شعارات داعش في سهل نينوى الآن ومن نفس الجذر.. أي قتل طائفي للأقليات وتهجير للمسيحيين.. بل إن مشهد نهش قلب جندي سوري شهيد كان يلقى آذانا صماء من قادة الغرب لولا أن بوتين انفعل مرة وهو يوبخ الغرب على نذالة الصمت على تلك الوحشية.. وبدل أن تنبه المؤسسات الغربية السياسية إلى أن هذا المشهد يعني أن الثورة السورية صارت مدرسة للتوحش ومزرعة للضباع والتماسيح فإن محطة البي بي سي أجرت مقابلة مع المجرم الذئب الذي نهش القلب وقدمته على أنه ضحية مسكين لوحشية النظام السوري وبرأته من وحشيته أمام الجمهور بروايات متخمة بالكذب الصريح على أنه تعرض للفظائع.. تابع المقطع:

http://www.bbc.co.uk/news/world-middle-east-23196438

ولم تقل البي بي سي إن هذه الظواهر المنتشرة بكثافة في نهج الثوار دون شك غير مبررة على الإطلاق وستنتج نوعا فظيعا من المجرمين الذين لم يعرفهم التاريخ مثيلا لهم ويجب إيقافهم فورا ومحاكمتهم مع قادتهم.. فالذين يذبحون الشخص أمام كاميرات ويفتون بالذبح والاغتصاب والسبي للطوائف علنا أمام الكاميرات وعلى المنابر قام الكونغرس الأمريكي بمحاولة التغطية على تلك المشاهد والخطابات العنيفة الدموية بتمثيلية سخيفة لـ"سيزر المقنع" الذي ادعى كذبا أنه صور آلاف الضحايا في السجون السورية (طبعا من دون هوية ضحية واحدة).. بل إن أستاذا جامعيا كويتيا سلفيا اسمه شافي العجمي يمول الثوار السوريين وقف علنا أمام الكاميرات يتباهى أن مجموعته نحرت طفلا سوريا أمام أبيه وأمه وهو أمر لم تجرؤ عليه حتى كاميرات النازيين والصهاينة.. ومع ذلك بقي طليقا ولم تتقدم منظمات بان كيمون وحقوق الإنسان البانكيموني ولم يعره قاضي المحكمة الجنائية الدولية أي بال أو طلب استجوابه واعتقاله.. أما من قتل السفير الأمريكي في ليبيا فقد خصصت له فرقة اعتقال ونقل إلى قفص في أمريكا لينال العدالة التي يستحقها..

إن كل تقديرات المراقبين والمتابعين العقلاء كانت تتنبأ بأن النتيجة الحتمية لهذا السلوك البربري هو خلق ثقافة عنف ستخلق مجتمعا عنيفا متشددا دينيا ومنفصلا عن الواقع هو مايعرف اليوم بداعش.. وهو يعيش نوستالجيا الزمن الراشدي والفتوحات المليئة بالفخر الروائي عن الشعوب التي وصلتها رسالة الفاتحين.. ووجد المجاهدون أنفسهم كمن كان يحلم بلعبة الخلافة وإذا بهم في حقيقة أرض الخلافة الموعودة وأرض الأحلام حيث الجواري والسبايا وحكم الشريعة ويكاد أحدهم يقول لك إنه يحس أنه يسير بجانب الرسول ويسمع أنفاسه ويسمع حوله الصحابة وخاصة في مشهد مقزز يصور اليزيديين يعلنون إسلامهم بالقوة..

من يرى البذرة يستطيع أن يعرف الثمرة التي ستعطيها هذه البذرة وسيعرف أي شجرة ستنهض منها.. ولكن الغرب كان يرى شجرة الشوك تنهض أمامه في سورية إلا أنه سقاها وحماها لأنه يريد للشوك أن ينبت في أرضنا ويقتل كل الورد وكل القمح وكل أشجار الزيتون..

الإصرار على تغييب سورية من مكافحة الإرهاب ورفض التعاون معها سببه بسيط وهو أن لا نية لحرب داعش وأن سورية هي البلد الوحيد الذي يحارب الإرهاب وأن كل الدول التي تدعو اليوم لمحاربة الإرهاب ومواجهة داعش إنما تريد إسعاف الإرهاب الداعشي بتدخلاتها من أجل إطالة أمده في سورية والمساومة عليه..

ولكن الحقائق على الأرض هي أن خزائن الأسرار في دمشق.. في دمشق أسرار داعش التركية والسعودية.. وفي دمشق أسرار أبي بكر البغدادي.. فكل الكلام عن حرب أمريكا لداعش مثل الكلام عن حرب داعش لأمريكا.. وكل التهويلات من أن أمريكا تخشى من داعش هراء لأن الحقيقة هي أن أمريكا تخشى على داعش من أن تهزم في سورية والعراق..
اليوم تدور الكلمات الغربية وتدور وتناور تريد القفز فوق النهر الذي حدد مساره وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمره الصحفي.. فمن يريد مكافحة الإرهاب عليه أن يجفف منابعه المالية بمنع تمرير المال إليه ومنع شراء نفطه المسروق إلى تركيا.. وبتجفيف منابعه الفكرية وبحيراته الدينية ومستنقعاته العقائدية في الفضائيات والمنابر الدينية الوهابية السعودية والقطرية.. وفي فكر الإخوان المسلمين وفكر حزب العدالة والتنمية..

على كل حال.. لقد جرب الأمريكيون نفس الخدعة فيما مضى وجربوا تجاهل الحقيقة وحاولوا بناء نصوص في العراق وفق نصائح لصوص النصوص.. وفشلت كل نصوصهم لأنها خلت من اعتراف لدور سورية المحوري.. إلى أن ظهر نص الحقيقة في تقرير بيكر- هاميلتون.. وفي قلبه تربعت سورية على عرش الوصاية على كل الكلام..
لاشك أننا جميعا نذكر تقرير بيكر هاميلتون الذي كانت فيه الوصفة السحرية لمشكلة أمريكا في العراق هو الاعتراف بدور سورية في الحل العراقي والتخلص من حالة الإنكار لهذه الحقيقة.. التقرير قال إن على أمريكا التعاون مع سورية وإيران للخروج من المأزق العراقي وأن اللاعبين الرئيسيين في العراق المحتل هما الرئيسان بشار الأسد وأحمدي نجاد.. وعلى الغرب الإقرار بهذه الحقيقة وبناء خططه عليها.. وهذا ماكان..
ومهما راوغ الغرب والعرب على إطلاق نص لمكافحة داعش من دون التنسيق مع الدولة السورية سيبقى حبرا على ورق.. ولا قيمة له.. وسننتظر تقرير بيكر هاميلتون الجديد الذي سيعترف من جديد أن لا حلول لقضايا الشرق إلا بالتنسيق مع سورية.. فكل حلول المنطقة في خزائن دمشق.. وكل مصائر المنطقة تتقرر في دمشق.. عندها لكل حادث حديث.

River to Sea Uprooted Palestinian   
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!

No comments: