المفارقة الكبرى هي أن هدف الصهيونية تحويل الدين اليهودي الى «قومية» يهودية أرضها «إسرائيل» (أ ف ب)
يغادر رؤساء الولايات المتحدة مناصبهم، ويحلّ مكانهم رؤساء جدد إلا أنّ الخطة الاميركية للشرق الاوسط لا تتغيّر، بل تبقى هي هي، لأن لا خطة للولايات المتحدة الاميركية مختلفة عن الخطة «الاسرائيلية»، فكل من يهدد «إسرائيل» يمثل تهديداً للولايات المتحدة، ومنذ أربعين عاماً لا يهدّد «إسرائيل» الا سوراقيا وإيران، ومعهما المقاومة في لبنان وفلسطين.
باشر جورج بوش الابن الى احتلال العراق عسكرياً، أي ممارسة استعمار كلاسيكي وجدته إدارة بوش ملائماً كون الاتحاد السوفياتي قد دُحر وأصبحت الولايات المتحدة القطب الاوحد في العالم.
توقع الجيش الاميركي أن يتم الترحيب به بنثر الورد والياسمين كما أدلج فؤاد عجمي ودانيال بايبس وبرنارد لويس، لكن ذلك لم يحصل بالرغم من القضاء على الجيش العراقي تحت شعار التخلص من البعث، وبرزت مقاومة شعبية ما جعل الإقامة الاميركية في بغداد مكلفة ودفعها للانسحاب، إنما بعد أن نجح بريمر في «لبننة» العراق وتحويله الى نظام يمثل الطوائف لا الشعب ما فتح الباب واسعاً أمام الصراعات المذهبية والاثنية التي سرعان ما تحولت الى نزاع دموي قاتل.
إن دخول داعش الى الموصل واستيلائها على مساحات شاسعة من الاراضي العراقية في أقل من أسبوع دليل على نجاح الولايات المتحدة الاميركية في سياسة «فرق تسد»، وإخفاق الدولة العراقية في لم شمل مواطنيها.
بعد تدمير الجيش العراقي، تحول الاهتمام الاميركي باتجاه المقاومة في لبنان. ففي عام 2006 حاولت إدارة بوش القضاء على حزب الله ومحاصرة سوريا. أفصحت كوندوليزا رايس في ذلك الصيف عن أن الخطة الاميركية لا تتمحور حول لبنان فقط بل تريد إعادة صياغة الشرق الاوسط ليصبح كلياً في قبضتها.
ولت رئاسة بوش ولم تنجح أميركا في الوصول الى مراميها. وانتخب الشعب الاميركي باراك أوباما لأنه
وعد أن يعيد الجنود الى أرض الوطن ويوقف الحروب، خصوصاً أن الاقتصاد الأميركي وصل الى حافة الانهيار عام 2008، وتم تلافي إفلاس المصارف بالاستحواذ على مدخرات الاميركيين، الا أن ذلك لم يمنع الادارة الاميركية ومراكز الابحاث من استنباط وسائل جديدة للهيمنة على الشرق الاوسط.
أذكر أنني تفاجأت حين إعلان البيت الابيض أن أوباما وبعد تبوئه للرئاسة بفترة وجيزة، سيقوم بزيارة رسمية إلى مصر، ويلقي خطاباً موجهاً للعالم الاسلامي من على منبر جامعة القاهرة وبالاشتراك مع جامعة الازهر. تساءلت لماذا يريد رئيس دولة علمانية تفصل الدين عن السياسة التكلم بشؤون دينية، ولماذا اختار جامعة القاهرة تحديداً؟
تمحورت كلمته حول الاشادة بالدين الاسلامي، وفي التشديد على أن الغرب ليس ضد الاسلام، وتلا العديد من الآيات القرآنية لمعرفته بأن ذلك سيترك انطباعاً حسناً لدى مستمعيه.
تبيّن أن زيارة أوباما للقاهرة وخطابه الموجه الى الاسلام السني ما هو إلا مقدمة للخطوات التي تلت الخطاب، إذ أن بعدها بعام سقط مبارك، ووصل الاخوان المسلمون الى السلطة بترحيب ودعم أميركي.
مشروع الهيمنة الاخوانية الذي وضعته إدارة أوباما قيد التنفيذ، مشروع طموح للغاية يرمي الى السيطرة الكلية ليس فقط على الشرق الاوسط، بل على كامل القارة الآسيوية، عبر:
أولاً، القضاء على الجيوش العربية العقائدية قضاء مبرماً كما في حالتي العراق وسوريا، وإضعافه في مصر. وحين يسقط الجيش تسقط الدولة تلقائياً وتصبح ألعوبة بيد القوى الخارجية، فالجيش في النهاية هو حامي الدولة وحدودها الجغرافية.
ثانياً، بدلاً من دول سايكس بيكو، يُبنى عالم سني إخواني، واسع الارجاء، موال للولايات المتحدة الاميركية، تحميه قوات حلف شمال الاطلسي ويمتد من تركيا الى المغرب، وهي المنطقة نفسها التي حكمها الاتراك العثمانيون لمدة خمسة قرون.
ما تريده الولايات المتحدة الاميركية هو إعادة تشكيل المنطقة لا تقسيمها كما يخيل للبعض. ينتج من التشكيل الجديد إلغاء الدولة الوطنية والطموحات القومية ما يتماشى مع مشاريع العولمة التي تقودها، فتكسر سيادة الدول على أراضيها وتقيم مكانها تياراً إخوانياً جارفاً موالياً لها سياسياً واقتصادياً، يضع ولاءه الديني فوق ولائه الوطني.
ثالثاً، يقف هذا العالم السني الاخواني سداً منيعاً أمام التمدد الروسي تماماً كما فعل قبله التكفيريون الوهابيون حين حاربوا الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، وباستطاعته لاحقاً التغلغل والانتشار في مناطق شرق آسيا.
من هنا نفهم لماذا تخلت الولايات المتحدة الاميركية عن حلفاء موثوقين لديها كمبارك وزين العابدين في تونس ومصر، فأمثالهما من رؤساء دول أعجز من لعب أدوار عابرة لدولهم.
رابعاً، يواجه هذا الطوق الإخواني تلقائياً إيران على أسس ظاهرها ديني، إنما باطنها الهيمنة والتسلط، ويغلق الدائرة حول إيران من الجهات كافة بما فيها آسيا الوسطى.
حاربت الولايات المتحدة الاميركية إيران باستعمالها صدام حسين والعراقيين كأدوات في الثمانينيات من القرن الماضي، بينما أشعلت إدارة أوباما حرباً دينية إخوانية أشمل، وتقوم بمهمات أوسع بكثير من حرب بين دولتين جارتين.
خامساً، يُصفى الفلسطينيون بعد إلغاء هويتهم القومية القائمة على الارض، إذ لا هوية قومية أو وطنية من دون أرض، ويُدرجون تحت عناوين دينية: يتوجه ما تبقى من المسيحيين الى الغرب، والمسلم الى دار الاسلام في المنطقة الممتدة من جنوب تركيا الى الاطلسي، فيما اليهودي له أرض فلسطين التي تصبح حصرياً أرضاً له ولأبنائه من بعده.
المفارقة الكبرى هي أن هدف الصهيونية في صراعها الممتد منذ قرن تحويل الدين اليهودي الى «قومية» يهودية أرضها «إسرائيل» يصبح بعدها كل يهودي في العالم قومياً «اسرائيلياً»، ذلك ان الاشكنازي الصهيوني يعي جيداً بسبب تراثه وجذوره الغربية أن لا سلطان له، وأنه سيظل مجرد فرد ينتمي الى المجتمعات التي يحيا ضمنها إن لم يتحول دينه الى قومية، ولبلوغ هذا الهدف استولى الصهيونيون على فلسطين أو سوريا الجنوبية.
لقد تم تمزيق سوراقيا كما لم يتم تفتيت أي بلد آخر إبان الحرب العالمية الاولى فقط لجعل وجود «اسرائيل» ممكناً، ومع ذلك عجزت «اسرائيل» عن السيطرة على المنطقة. وجدت إدارة أوباما أن الحل الأفضل يكمن في انتشار التيار الاخواني في أرجاء العالم العربي، ما يؤدي الى تجاور العالمين اليهودي والسني من دون حروب، خصوصاً أن التيارات السلفية تعتبر الشيعة العدو الرئيسي. فمن كان يصدق أن مصر برئاسة مرسي ستطالب بالجهاد ضد سوريا؟
وهكذا تستميت الصهيونية لتحويل دينها الى قومية غير آبهة للفروقات الاثنية في مجتمعها، بينما نستميت نحن لتحويل القومية الى صراعات دينية.
كادت خطة أوباما أن تنجح لولا ثورة الشعب والجيش على الاخوان المسلمين في مصر، ولولا صمود سوريا.
سقط النظام في تونس ومصر وليبيا؛ ولم تكن أميركا في حاجة إلى تغيير أنظمة دول الخليج بما أنها ملتزمة التزاماً تاماً بدعمها، فتقدّم السعودية المال والرجال والعقيدة الوهابية، بينما تتكفل قطر بتمويل الاخوان المسلمين بالتنسيق مع تركيا. تتفوق خطة إدارة أوباما على خطة جورج بوش الابن لأن إدارة أوباما أدركت أنه من المستحيل تطبيق النموذج الكلاسيكي للاستعمار واحتلال البلدان فذلك مكلف للغاية وسيوَاجه بمقاومة ستطرد المحتل آجلاً أم عاجلاً. الحل الأنسب إذا إيجاد طرف محلي يستطيع أن يلعب هذا الدور.
لا شك في أن أردوغان، رئيس وزراء تركيا آنذاك، ووزير خارجيته أحمد داوود أوغلو لعبا دوراً مركزياً في التخطيط بما أنهما خبيران بشؤون وشجون السلطنة العثمانية، وحزبهما يمثل تيار الاخوان المسلمين في تركيا ويحظى بمباركة الولايات المتحدة الاميركية.
استبدال دول يحكمها الجيش في العراق ومصر وسوريا وليبيا - والتي بالرغم من أخطائها حافظت على مكونات أوطانها - بتيارات اسلامية سلفية متشددة تصبو ليس فقط الى تبوء السلطة، بل الى تغيير شامل للحضارة العربية، يقضي عليها وعلى أديانها ومذاهبها وتراثها الفكري الممتد منذ بداية التاريخ والذي لا يزال حيا يرفد المنطقة بالغنى والفرادة، يندرج تحت باب «إعادة هندسة المجتمعات» (Social Engineering).
فشلْ اللاعب الاخواني المحلي، وخروج الحركات الجهادية الوهابية المتطرفة والعنيفة عن السيطرة، دفع إدارة أوباما الى العودة الى المسار الذي سلكه جورج بوش الابن، أي استعمال عذر محاربة الارهاب للتدخل في أي مكان في العالم، هذا التدخل الذي كان قد رفضه أوباما ووعد ناخبيه بعدم تكراره.
سوراقيا ضرورة بقاء
كان من المفترض بدول سوراقيا أن تتضامن وتتحد أمام التحدي الصهيوني، ولكانت انتصرت، لو فعلت، واسترجعت فلسطين، لكن بعض هذه الكيانات قررت بأنها مستقلة استقلالاً تاماً عن محيطها، ما دفعها الى الارتماء في أحضان الغرب عله يؤمن لها الحماية في مقابل الوصاية.
اليوم تواجه هذه الدول نفسها خطرين يؤديان الى زوال حضارتها كما نعرفها: الخطر الصهيوني، وخطر التكفير الوهابي القاتل. ولا تزال بعض كيانات سوراقيا كلبنان والاردن تتبعان السياسة نفسها بعدم المؤازرة والهروب من مواجهة الامر الواقع عبر سياسة النأي بالنفس، ولولا تدارك حزب الله للوضع واستنتاجه الصائب بأن الحرب ستطاول الجميع، واستباقه للتطورات، لكان نصف لبنان على أقل تقدير قد نزح الى الخارج.
عجز العراق عن الدفاع عن نفسه أمام هجوم الدولة الاسلامية التي أغارت على أراضيه واستولت على ثلثها في أقل من أسبوع. أحد أسباب نجاح الدولة الاسلامية، سياسة الولايات المتحدة الاميركية بعد احتلالها العراق في بث الفرقة بين العراقيين الذين أخذوا ينظرون الى أنفسهم كشيعة وسنة وأكراد. تحاول الولايات المتحدة الاميركية استعادة العراق تحت شعار محاربة الدولة الاسلامية بعد أن فقدت القيادة العسكرية أجزاء واسعة من العراق، وبعد أن أصبح الشرخ واسعاً ما بين الشيعة والسنة والاكراد بسبب تطبيق المبدأ الطائفي والاثني في تقاسم السلطة.
والمضحك في الامر أن كلا من هذه الاطراف الثلاثة يطلب الحكم الذاتي وهو عاجز عن التحكم بمصيره، فما إن أطلت طلائع الدولة الاسلامية حتى سارع المالكي رئيس الوزراء العراقي السابق، كما الأكراد الى طلب المساندة العسكرية من الولايات المتحدة الاميركية!
لم يتأخر اهتزاز إقليم الكرد الطامح للانفصال التام عن العراق، فإذا بمقاتلي الدولة الاسلامية يصلون حدود أربيل، وكادوا يدخلونها لولا تدخل الطيران الاميركي. تبين أن البيشمركة لا تستطيع الدفاع عن أرضها، وبالتالي مطالبة الاكراد بالاستقلال والسيادة وهم بدّده الواقع الاليم، وتبيّن أن من صالح هذه «الاقلية» كما غيرها، أن تطالب بحقوقها ضمن سوراقيا لأن ذلك يحفظ وجودها بدلاً من الانفصال الذي يجعلها أكثر ضعفاً وبحاجة إلى تدخل خارجي دائم لحمايتها كما هي الحال في الوضع اللبناني.
لا يعي العديد من المثقفين العرب خطورة الوضع الذي نحن فيه، ويظنون أن بإمكان دويلات سايكس - بيكو، كل على حدة، أن تجابه الاعصار الهائل الذي يلفنا والذي ظاهره الارهاب الوهابي، لكن باطنه إعادة برمجة دويلات المنطقة على أسس مذهبية تحل الكثير من الاشكاليات للغرب الاستعماري. ويبدو أن هؤلاء المثقفين والسياسيين يوافقون على التعاون مع الاحلاف الدولية التي تدعي محاربة الارهاب، بينما يرفضون التنسيق مع جيرانهم لتدارك الدمار الآتي، أي أنهم يريدون أن يظلوا مرتبطين بالدول الغربية التي كانت السبب في تقسيمهم وإضعافهم.
العراق ممزق بين إثنياته ومذاهبه، الاردن وفلسطين تحت السيطرة «الاسرائيلية»، والمقاومة الفلسطينية تحاول الدفاع عن أرضها وناسها. تمثل سوريا القلعة الاخيرة في صمودها القومي، فهي تحارب دفاعاً عن نفسها ودفاعاً عن كل دول سوراقيا، وليس لنا إلا أن نتصور ما يصبح الوضع عليه في أرجاء سوراقيا في حال سقطت سوريا في يد التكفيريين الوهابيين. لذلك التعاون والتنسيق بين دول سوراقيا ضرورة بقاء.
سوراقيا وإيران
برزت إيران وسوراقيا كمركزين حضاريين متقدمين منذ القدم، وتداخل تاريخهما حرباً وسلماً بسبب تجاورهما، وظلتا تلعبان أدواراً ريادية خلال الحقبتين الاموية والعباسية، لا بل ان الحضارتين اندمجتا في الفترة العباسية وحلقتا إبداعاً في الشعر والفلسفة والأدب القصصي، وفي الطب والعلوم الطبيعية، في الفيزياء والكيمياء، في الرياضيات والهندسة. وامتزجت أسماء الأعلام الايرانية والعربية من إبن سينا الى إبن المقفع الى الخوارزمي وابي نواس وبشار بن برد، والقائمة تطول.
ما يجمع سوراقيا وإيران ليس فقط الاسلام كما يريد أن يروج البعض، بل تراث حضاري فكري، عقلاني يحيا في كل فرد منا بمعزل عن دينه أو معتقده. هو تراث مشترك أعلى من شأن المعرفة بينما كانت قوى مجاورة ترفل في تخلفها وتحكم بالسيف تماماً كما هو الوضع الحالي مع الارهاب الوهابي الذي يرفض مبدأ الاجتهاد، أي أنه في حال حرب دائمة ضد التطور، كل أشكال التطور من التكنولوجيا، الى العلوم، الى السياسة والاجتماع والاقتصاد.
تريد الولايات المتحدة الاميركية أن تختصر تاريخ إيران المتجسد في دولة قومية قوية ومتحضرة الى «دولة الشيعة»، كي تقسم المنطقة وتجعلها تتطاحن فيما بينها.
لقد عنون باراك أوباما محاضرته في القاهرة: «الغرب والاسلام»، واستعمال هذا العنوان فخ وقع فيه مثقفو منطقتنا الذين غالباً ما يناقشون موضوع «الغرب والاسلام» غافلين الخلل الفاضح في هذه المقولة التي لا يستفيد منها الا الغرب الاستعماري، لأن مقارنة الغرب بالاسلام هي كمقارنة الماء بالصخر، أو التفاح بالكرز، فهذان صنفان مختلفان!
الاسلام دين لا حدود جغرافية له، ينتشر في دول العالم كافة كما انتشرت المسيحية واليهودية، وبالتالي من الممكن المقارنة بين الاديان الثلاثة كما غيرها من الاديان، ولكن كيف نقارن بين دين (إسلام) وموقع جغرافي (الغرب)؟
يحتوي الغرب على مسلمين ومسيحيين ويهود، ويعود ذلك إلى التأثير الكبير لشرق المتوسط، منبع هذه الاديان، على الحضارة الغربية على مدى قرون عبر الحروب، وعبر التجارة لأن التواصل بين شرق المتوسط وغربه لم ينقطع يوماً منذ ما قبل ظهور الاسلام والمسيحية واليهودية.
دول الغرب دول قومية تبحث عن مصالحها ولا تحارب دينياً. فالحرب العالمية الاولى والحرب العالمية الثانية نشبت بين دول الغرب المسماة «مسيحية»، وتمحور صراعها حول المستعمرات في أفريقيا وآسيا. وبالتالي حين يستعمل أوباما مقولة التصالح بين الغرب والاسلام فلأنه بهذه الطريقة يلغي مصالح الدول القابعة في العالم الثالث! والغريب في الامر أن يستعمل بعض مثقفينا وسياسيينا هذا المنطق الذي لن يرتد إلا وبالاً علينا.
المسلمون المنتمون الى الهويات القومية الاوروبية او الاميركية يحاربون تحت علم دولهم لا علم الاسلام. العديد من المسلمين الاميركيين حاربوا في العراق وأفغانستان وسيحاربون أية دولة غالبية سكانها مسلمة باسم مصالح دولتهم القومية.
تنادت الدول الغربية والولايات المتحدة الاميركية للحرب على الارهاب لأن مصالحها وتزدهارها المادي يرتكزان على الاستيلاء إلى المواد الاولية الكامنة في جوف منطقة الشرق الاوسط، عدا عن مركزها الجغراسي بين شرق آسيا وغربها.
النداء الذي أطلقه أوباما في القاهرة أراد تحييد الدول الغربية من مرمى السلفية السنية، وتوجيه المقاتلين التكفيريين السنة نحو إيران الشيعية، لأن الولايات المتحدة الاميركية لا تريد أن تخوض حربا لإخضاع إيران، فيتكفل الصراع السني - الشيعي باستنزاف الاطراف كافة. أوباما هو الرئيس الاول للولايات المتحدة الاميركية الذي يتكلم عن حلف «سني» ، فقبله، وخلال التحضير لحرب الخليج الاولى كان النقاش يدور حول أهمية التحاق الدول «العربية» بالحلف الدولي في مواجهة صدام حسين.
يناسب الولايات المتحدة الاميركية أن تتكلم عن «الاسلام» لا «المسلمين»، وعن السنة وكأنهم جسم واحد. فهل السني الاميركي يحيا كالسني السعودي أو الكويتي؟ التحاور حول الدين والمذهب بمعزل عن الحيز الجغرافي الذي يحيا ضمنه السني أو الشيعي أو المسيحي يقود الى خسارة الارض والهوية القومية، فالبيئة التي يترعرع فيها الدين هي التي تقرر في النهاية شكل ومضمون ذلك الدين أو المذهب. فالاسلام في باكستان يتلون بثقافة وحضارة الباكستانيين التي تختلف عن حضارة تركيا أو إيران، لذلك حين نتكلم عن باكستانيين مسلمين فإننا نتكلم عن المشاكل التي يواجهونها كباكستانيين وكيفية مواجهتهم لها.
تصبو أميركا في هذا الخلط المقصود والفاضح الى إلغاء أي فكر وطني أو قومي، فهويتنا إما يهودية أو مسيحية أو إسلامية. ونحن المسلمين إما شيعة أو سنة. ونحن السنة في العراق والشام والسعودية وتركيا وباكستان هويتنا واحدة، وبالتالي لا فرق بين سنة سوريا وسنة تركيا وسنة السعودية وسنة باكستان، ولا ضير في أن تحكم الولايات المتحدة الاميركية سوراقيا باسم السنة، كما لا ضير أن تغير الطائرات الاميركية والسعودية والاماراتية والاردنية شمال سوريا، ومعاذ الله أن يكون ذلك اجتياح للدول وسيادتها.
ساهمت الدول الغربية في إشعال هذا الحريق السني-الشيعي لأنه يناسب أهواءها ومراميها، الا أن مردوده سيكون سلبيا عليها، فبمعزل عن الدمار الهائل الذي تلحقه بالمنطقة، منطق الامور سيقودها الى الفشل وللسبب نفسه الذي أفشل مخططها الطامح لهيمنة الاخوان المسلمين، الا وهو حقيقة الواقع المعاش والذي يقوم على مصالح الدول لا الأديان.
لقد شاهدنا كيف شب النزاع بين السعودية وتركيا وقطر بالرغم من أنها دول «سنية» لأن كل واحدة من هذه الدول الثلاث تريد أن تسيطر على سوراقيا، تماماً كما انشطرت «الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام» عن القاعدة، وللأسباب الجغراسية ذاتها.
أمام هذا التحدي، لا بد من أن يكون الرد من قبل سوراقيا وإيران قومياً وطنياً في الدرجة الاولى، فأي رد طائفي أو مذهبي يعني انتصار المشروع الصهيوني. فلإيران مصالح قومية عليها أن تؤمنها كي يبقى قرارها مستقلاً، والوضع نفسه ينطبق على سوراقيا.
يتحد المطلبان السوراقي والايراني في المحافظة على سيادة بلديهما، ويساندان بعضهما من أجل الوصول الى ذلك الهدف من دون أن يشعر أحدهما بأن عليه أن يغير الآخر أو يسيطر عليه، فلديهما من القواسم التاريخية المشتركة، المنفتحة على كل التيارات الفكرية والدينية، ما يجعلهما أهلاً لريادة المنطقة وإخراجها من ظلمات التكفير والفناء والاستعباد.
* باحثة وأستاذة جامعية
No comments:
Post a Comment