Thursday, 8 January 2015

داعش في السعودية... والإنذار من عرعر

كانون الثاني 8, 2015 

منذ اندلاع النار الإرهابية في المنطقة، دأبت السعودية على تبرير الحالة الإرهابية بالواقع السياسي القائم في الدول التي طرق الإرهاب أبوابها، متبنية الحركات الإرهابية نصرة للشعوب على حد قولها، ووصلت إلى حدّ المطالبة بإقامة ما لا تعرفه هي من ديمقراطية وحرية وصناديق اقتراع، مطالبة مثّلت استخفافاً فظاً بعقول الناس، واستمرت بلعب دور مميز في رعاية الإرهاب ذاك، بدءاً من مدّه بالعقيدة التي تبرر له تكفير الآخر وإباحة قتله وصولاً إلى مدّه بالأموال والأشخاص الذين يدّعون أنهم يمارسون الجهاد بما في ذلك جهاد النكاح، وفقاً لما أفتى به داعية سعودي، بشكل أباح فيه الزنى باسم الشريعة.


وقد ظنّت السعودية أن الاتفاق الذي أبرمته مع تنظيم القاعدة بعد انتهاء «حرب أفغانستان « ضد الاتحاد السوفياتي السابق وعودة ما سمي «الأفغان العرب» أبديّ النفاذ، يجعل مدن الحجاز ونجد وسواها بمنأى عن سيف الإرهاب وإجرامه. وللتذكير بالاتفاق فقط نقول إنه صفقة عقدت بين تنظيم القاعدة والسعودية على أن يكون عمل القاعدة الإرهابية متاحاً ومباحاً في كل أقطار الدنيا باستثناء السعودية، مقابل أن توفر السعودية للقاعدة بشكل مباشر أو غير مباشر كل أنواع الدعم المادي وغير المادي من أجل تمكينها من القوة التي تحتاجها في مشروعها المعلن بحسب ادعائهما «إقامة حكم الإسلام» دون سواه.

لكن الظن السعودي لم يكن في محله، ومن يراجع أحداث العقود الثلاثة الماضية التي أعقبت الاتفاق يجد أن الإرهاب هز الأمن في السعودية لأكثر من مرة وفي أكثر من منطقة، ولم تجرؤ السعودية على إعلان الحقائق المتصلة بالعمليات الإرهابية التي نفذتها القاعدة داخلها، وكانت تلقي باللائمة في كل مرة على إيران أو على تنظيمات أخرى مرتبطة بها ولم توفر حزب الله من تهمها التي كانت تلقيها من دون بيّنة أو برهان أو دليل.

والآن عاد الإرهاب ليطرق الباب السعودي في منطقة قريبة من إحدى بوابات العبور من العراق وإليه، وتحديداً في عرعر المعبر الحدودي الموسمي الذي يفتح في السنة 40 يوماً فقط خلال موسم الحج، وهنا نجد أن عملية عرعر فيها كثير من علامات الاستفهام التي تستوجب المناقشة.

بداية، نتوقف عند التباين في التقييم والتوصيف العراقي والسعودي للعملية، ففي حين يستبعد الأمن العراقي أن يكون الإرهابيون الأربعة قدموا من العراق، خصوصاً أن جغرافية المنطقة العراقية بحسب قول العراقيين لا تسمح لهم بتجنّب المراقبة العراقية التي لم تسجل أيّ تحرك في المنطقة، يرد السعوديون بالقول إن التسلل حصل انطلاقاً من العراق ووقع الإرهابيون في مواجهة مع دورية سعودية.

وبالعودة إلى نتائج الهجوم الإرهابي، نجد أن أحد السعوديين الذين قتلوا في المواجهة هو ضابط برتبة عميد وذو مسؤولية رفيعة في جهاز أمن الحدود التي انتشر عليها منذ أشهر كما أعلنت السعودية ذاتها- 30 ألف عسكري سعودي لمنع تسلل الإرهابيين، وهنا لا يمكن أن نتقبل فكرة أن يكون العميد هو رئيس دورية حرس حدود من بضعة جنود لا يمكن أن يتعدوا العشرة ، ما يقودنا إلى القول بأن العميد قتل في مركزه ولم يقتل أثناء مطاردة الإرهابيين، ما يعني أن الإرهابيين هاجموا المركز في عملية مخططة وقتلوا قائده.

ثم إن المنطقة ذاتها التي حصلت فيها المواجهة تبعد من خط الحدود مئات الأمتار، ولو كان الإرهابيون يقصدون التسلل إلى السعودية فقط، لكان بإمكانهم اكتناف المراكز العسكرية والتسلل من أكثر من نقطة تجنبهم المراقبة السعودية خصوصاً أن المنطقة فيها من الأودية ما يمكنهم من ذلك.

ومع هذا الجدال، جاء بيان «داعش» حول العملية مؤكداً أن قائد العملية يحمل الجنسية السعودية، وقتل على الأرض السعودية ما يجعلنا عطفاً على ما تقدم أكثر ميلاً لتصديق التفسير العراقي المتضمن نفي قدوم الإرهابيين من العراق، والقول بأن منشأ الإرهابيين محلي، شاء المخطط فيه أن يتوجه بضربة إلى قيادة قطاع حدودي، فتمت المهاجمة التي انتهت بقتل قائد القطاع هو العميد الذي أعلن وفاته نتيجة المواجهة. فالمسألة الأكثر قرباً من المنطق التحليلي العسكري هي القول بأن عمليات إرهابية بدأت وتستهدف المراكز والمعابر الحدودية السعودية التي تربطها بالعراق تنفيذاً لخطة ما، قد تكون وضعت سابقاً وبدأ تنفيذها الآن.

أما إذا كان التفسير السعودي للعملية هو الصحيح، أي القول بأن الإرهابيين جاءوا من العراق، فإن في الأمر خطورة لا يمكن تجاوزها، لأن القيام بمثل هذا التسلل لو صحّ وقوعه، لا يمكن أن ينفصل عن مجريات العمليات العسكرية في العراق، إذ إن الجيش العراقي مع قوات الحشد الشعبي أنزلوا بـ»داعش» خسائر مهمة واستعادوا منه أكثر من 60 في المئة من المناطق التي سيطر عليها في الصيف المنصرم، وقد أكدت السلطات العراقية أن محافظة الأنبار- الملاصقة للحدود السعودية – باتت في معظمها في يد الحكومة العراقية وأن الدواعش تراجعوا وقسم كبير منهم بدأ بالفرار من الميدان. وهنا يمكن أن تكون السعودية هي وجهة الفارين وأن يكون من واجه الدورية السعودية مجموعة فارة أو متسللة كما يصف السعوديون، وهنا نسأل هل بدأ الدواعش يبحثون عن عرسال أخرى في السعودية؟

وعلى هذا الأساس وسواء كانت الفرضية العراقية ومستوجباتها هي الأصح ونميل إلى هذا الأمر ، أو كانت الفرضية السعودية هي الصحيحة، فإن هناك نتيجة أساسية تفرض نفسها في الحالين، وهي أن الإرهاب بدأ جدياً يدق الباب السعودي بصرف النظر عما إذا كان صناعة محلية وهو الأرجح أو مستورداً أو آتياً من الخارج، ففي الحالين نجد في الأمر خطورة لا يمكن تجاوزها في ظل بيئة أمنية إقليمية مهتزة. فهل ستدرك السعودية هذه الحقيقة وتقول: «هذه بضاعتنا رُدّت إلينا» وتعمل على معالجتها معالجة جدية؟

ونذكر أن المعالجة الجدية لهذا الإرهاب، ينبغي أن تستجيب للقواعد الثابتة في الأمن والتي أهمها النظرية القائلة بأن «الأمن الوطني المنفصل عن المحيط، بات في ذمة التاريخ وحل مكانه الأمن الإقليمي الشامل المنسق»، وهنا يكون السؤال: هل تبادر السعودية ومن أجل أمنها الذاتي للمسارعة الجدية لإطفاء النار في العراق وسورية وهي نار ساهمت هي في تسعيرها؟ وهل تدرك أن النار إذا استمرت ستنتقل حتماً إليها كما بدأت النذر؟ أم أنها ستبقى تأمل بإحياء الاتفاق مع القاعدة سابقاً والآن مع بناتها وأحفادها وشقيقاتها، وتتصور أن بإمكانها إضرام النار في بيوت الآخرين فقط، ثم تفاجأ بعكس تصورها كما بدأت الأمور تلوح في الأفق؟!

إن عملية عرعر خطرة بذاتها على رغم إأن الخسائر التي نجمت عنها ظلت محدودة، لكننا نرى أن الأخطر منها هو عدم إدراكها بعمق وعدم المسارعة إلى معالجة ما يتوجب معالجته على ضوء منطق الأمن الإقليمي الشامل، فهل تشكل عملية عرعر إنذاراً أخيراً للسعودية؟ أم أن ما في داخلها الآن سيلهيها عن التفكير بما جرى على الحدود؟

أستاذ في كليات الحقوق اللبنانية
River to Sea Uprooted Palestinian   
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!

No comments: