Saturday, 12 August 2017

عودة عنيفة للدور الأميركي التخريبي في لبنان



أغسطس 11, 2017

د. وفيق إبراهيم

تجنح السياسة الأميركية تحت وطأة الصعود العسكري لأخصامها في سورية والعراق إلى تحريك قواها الداخلية في لبنان، لخلخلة وضعه الداخلي ومنعه من إقامة علاقات طبيعية مع سورية، بما يؤدّي إلى إصابة مؤسّساته الدستورية بالشلل الذي قد ينعكس على الشارع احتراباً وعنفاً.

ولبنان دائماً موجود في دائرة الاهتمام الأميركي، لأنّه عرين حزب الله، عنوان الانتصار الكبير لجبهة المقاومة في سورية والعراق واليمن، وله جواران حدوديّان واستراتيجيّان مع فلسطين المحتلة وقضيّتها، ومع سورية وأزمتها.

وكانت واشنطن تعمل في السنوات الماضية على السيطرة السياسية على لبنان، من خلال مؤسساته الدستورية الرئاستان الأولى والثالثة ، وبشكل ربط نزاع لا يتحرّش عسكرياً بالحركة السوريّة لحزب الله، مكتفياً بخطاب تقليدي مكرّر أصبح كأسطوانة تردّد أغنية لا يسمعها أحد عن أطماع إيران وحزب الله والشيعة.

الملاحظ هنا، ولادة تغيّر أميركي كبير في سياسة الولايات المتحدة اللبنانية، أعقب مباشرة انتصار حزب الله في جرود عرسال على «جبهة النصرة» المتفرّعة من منظمة القاعدة… فهل غضبت واشنطن لهزيمة الإرهاب؟

هناك مؤشّرات متتابعة حدثت منذ ذلك الانتصار الكبير، وتكشّف بعض المستور… وبدأت بجولة للسفيرة الأميركية الجديدة في بيروت على مجمل القوى السياسية الداخلية الموالية لها وغير الموالية، باستثناء حزب الله. وأعلمت رسمياً أنّ واشنطن ترفض أيّ تنسيق بين الجيش اللبناني والجيش السوري والمقاومة لتحرير جرود رأس بعلبك والقاع، بما يؤشّر إلى صدور «إذن» أميركي بالتصعيد.

وأضافت للقوى الموالية لها وللخليج فقط، بأنّ الانتصارات التي حدثت في لبنان وسورية والعراق ليست حاسمة، لأنّ واشنطن بصدد تركيب حركة شرق أوسطية جديدة ذات بُعدين عسكري بواسطة قواعدها العسكرية والمنظّمات السوريّة والعراقية التابعة لها والأكراد، بالإضافة إلى حركة سياسية تجمع بين القوى السنّية العراقية والهيئة العليا للمفاوضات السوريّة، وقوى سياسيّة لبنانيّة تعمل في خدمة واشنطن منذ… الاستقلال. وللأمانة، فهناك من بدأ ينفّذ أوامرها منذ اتفاق الطائف في 1990.

وجاءت ردّة الفعل اللبنانية على «أمر الانصياع الأميركي» بارتفاع أصوات حزب المستقبل السعودي الهوى، الرافضة للتنسيق مع الجيش السوري. ودعمتها أصوات ناشزة من حزب القوّات اللبنانية قالت برفض أيّ علاقة سياسية أو عسكرية مع سورية، وطالبت برعاية من الأمم المتحدة للنازحين السوريين، ما أدّى إلى صدور سيل من التصريحات المشابهة من فتى الكتائب ومغوار الأحرار وسياسيين مستقلّين وقوى دينية كادت أن تصدر فتاوى دينيّة تحرّم العلاقة مع دمشق، كما أُعيد بعث الخلايا النائمة في وسائل الإعلام الموالية للخليج وواشنطن، فبدأت بالتحريض على الفتنة واستحضار «محشّدين» من الطرفين للتأسيس للتوتّر الداخلي.

أمّا ردود فعل القوى السياسية في جبهة المقاومة، فتجسّدت بثلاث حركات: زيارة الرئيس نبيه برّي إلى إيران للتهنئة في وقت يشتدّ الهجوم اللبناني عليها، وكأنّه يعلن استخفافه بالخطة الأميركية التي ينفّذها سياسيون لبنانيون مأجورون.

والحركة الثانية هي إعلان الحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي يشارك في الحكومة اللبنانية برئيسه الوزير علي قانصو، أنّه يحارب إلى جانب الجيش السوري والمقاومة في معارك الجرود.

وهذا الحزب هو حزب علماني مدني لا ينتمي إلى المحور الشيعي المزعوم، ويجاهد منذ تأسيسه من أجل تحرير كامل سورية التاريخية، بما يدحض كلّ افتراء وتجنٍّ..

لكنّ الحركة الثالثة للوزراء المنتمين لجبهة المقاومة، جاءت لتكرّس انتصار عرسال على شكل مشروع زيارة إلى دمشق للتنسيق في موضوع إعادة إعمار سورية، فاندفعت المرحلة الثالثة من الخطة الأميركية للإعلان عن نياتها، رفضاً من القوى اللبنانية السعودية مع صراخ من جانب حزب القوّات اللبنانية الأميركي السعودي، الذي هدّد بالانسحاب من الحكومة، أيّ تفجيرها باللغة الفعلية، في حال ذهاب الوزراء الوطنيين إلى دمشق بالصفة الرسمية الحكومية، علماً أنّ الجميع يعرف أنّ حزب جعجع محدود الأثر وهامشيّ. وهذا يؤكّد على البعدين السعودي والأميركي لـ «جعجعة» جعجع، ويكشف أنّ هناك محاولات أميركية لتكبيل عهد الرئيس ميشال عون بـ«أغلال مسيحية» إضافية.

هناك دلائل أخرى على هذا الأمر، ظهرت في مقابلة أجراها الإعلامي مارسيل غانم مع النائب السابق فارس سعيد، كشف فيها هذا الأخير أنه مع الكاردينال الراعي الذي كان مطراناً لمدينة جبيل في حينه، تشاركا مع غانم في إعداد وثيقة معاقبة سورية في واشنطن. فهل يشكّل هذا الإعلان المباغت في توقيته خدمة للكاردينال أو توريطاً له بهدف إجهاض دوره الوطنيّ وتقييده ضمن الدور الأميركي السعودي حصراً؟!

ألا تُعتبر دعوة سعيد إلى «الحجّ» إلى القدس في هذا الوقت بالذات انسجاماً مع مشروع إلغاء القضية الفلسطينية؟ وما يؤسَف له، أنّه لم يرَ مشروعاً غربياً يحتلّ منطقتنا منذ آلاف السنين مستكملاً استعماره بالدور الأميركي الجديد… المتجسّد بمئات القواعد العسكرية والاستنزاف الاقتصادي، فلا يلاحظ إلا «ولاية الفقيه» والمشروع الإيراني وحزب الله، فأين الإرهاب في خطابك؟ أين «داعش» و«النصرة» ولماذا لم تحاربها أنت وجماعتك قبل حزب الله عوضاً من أن تتّهم الحزب أنّه يدافع عن القرى ليؤمّن الطريق لولاية الفقيه وسيطرة إيران؟!

إنّ هذه المؤشرات تؤكّد اتجاهاً أميركياً جديداً للتصعيد في لبنان، مستهدفاً مؤسساته الدستورية وشارعه، الأمر الذي قد يطيح بحكومة سعد الحريري محرّكاً الشارع لمصلحة الأصوات السياسية الأكثر شتماً للمقاومة، التي تحرّكت وبدأت بتوتير الشارع تحت راية الفتنة السنّية الشيعية. وإلا كيف نفسّر دعوات الريفي والمشنوق والمرعبي والضاهر وكبارة والسنيورة؟! إنّ هؤلاء يطلقون خطبهم التحريضية لكسب ولاء قوى الإقليم والمرجعيّات الدولية، فيضعونهم احتياطاً لرئاسة الحكومة. بما يؤكّد أنّهم منافسون لسعد الحريري وليس لحزب الله ونبيه برّي.

ويبدو أنّ الخطة الأميركية السعودية تتّجه إلى تعطيل العهد بضرب حركتَيْه الوطنية والسياسية، أيّ نسف محاولات الرئيس عون للانصهار الوطني والاتفاق السياسي، اللذين يؤدّيان إلى تأسيس مرحلة سياسية تعاود البناء الاقتصادي وتضرب الفساد والانصياع، وتمنع بعض السياسيين من تحويل لبنان بؤرة تجارب لمشاريع التفجير… فمَن ينتصر؟ الخطة الأميركية أم حلف عون مع القوى المعتدلة والوطنية من الطوائف كلّها؟

تعرف السياسة الأميركية أنّ وضعها في «الشرق الأوسط» أصبح مأزوماً، لذلك فهي لن تتورّع عن الدّفع بأوراق جديدة تستعملها لوقف انهيارها.

فإذا نجحت قد تكافئها… وإذا خسرت فإنّ واشنطن بصفتها مرجعية دولية تستطيع التصرّف بتفاهمات مع روسيا وحلفائها…

إنّما.. فليقل لنا السيد جعجع: ماذا سيفعل عند إعلان الهزيمة الكاملة للمشروع الأميركي السعودي؟

Related Videos

Related Articles
River to Sea Uprooted Palestinian   
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!

No comments: