Thursday, 23 November 2017

أول استقلال مع «ميشال عون»

روزانا رمّال

نوفمبر 22, 2017

صودف أن عيد الاستقلال في لبنان يتزامن هذه السنة مع أكبر عملية ابتزاز يتعرّض لها، ومع أصعب اختبار دستوري وميثاقي لاستكمال ممارسة مهام المؤسسات العامة، فأحد لم يكن يتوقع بعد كل أيام السنة من الودّ والانسجام السياسي الحاصل جراء الصفقة الرئاسية الحكومية أن يكون حضور الحريري لملئ كرسيّه في جادة شفيق الوزان خلال عرض الاستقلال السنوي هو حدث ينتظره اللبنانيون والمراقبون الدوليون، لم يكن متوقعاً أن يصبح الواجب الوطني مفصلاً من عمر الدولة اللبنانية ولحظة يتنفس فيها الصعداء لبرهة ثم تنحبس الأنفاس حتى يقرّر الحريري اطلاع اللبنانيين على فحوى الابتزاز الذي اتفق عليه المعنيون عبر إرغامه على ما «لا طاقة له به».

إنه أول استقلال مع «ميشال عون» كما يناديه اللبنانيون. هذا الرجل الذي لا يعنيه لقب الرئاسة لأنه مناضل قديم… في أيام الاستقلال يظهر المناضل ميشال عون بشكل واضح او ربما أوضح. في ايام الاستقلال يقول عون للبنانيين والعالم لن أقبل بهذه المهزلة، وقفوا عند مسؤولياتكم، ومستعدّ للتضحية بالرئاسة. يعرف جيداً هذا المناضل أن تحدي المجتمع الدولي، وخصوصاً الدول العربية بقيادة المملكة العربية السعودية يعني «مقتلاً» في هذه الظروف التي تمر بها الرياض. وهي ظروف لا تقبل فيها المملكة المساومة وسط خيارات عمودية بين إقصاء أمراء كبار ورجال أعمال وقطع للعلاقات مع دول جارة مثل قطر، ونسف كل ما يتعارض مع سياستها بضوء أخضر أميركي. يعرف عون جيداً من دون أن يحتاج أحد ليذكره بما جرى سابقاً مع الرئيس اميل لحود عندما تمّ عزله بدعم أميركي مباشر وأول مَن عزلوه هم جزء من اللبنانيين الذين قرروا خوض غمار التجربة الى آخر الطريق فقاطعته الدول الكبرى والصغرى وصار قصر بعبدا خالياً من أي زائر يشير إلى أن الرئيس لا يزال موجوداً يمارس مهامه بشكل طبيعي ما خلا بعض الحلفاء.

القلق لا يزال حاضراً، وعون كما اللبنانيين يترقبون المزيد من الخيارات باتجاه التعاطي مع لبنان، وربما الرئاسة، هو الذي يدرك ان استهداف الحريري هو استهداف للصفقة التي أتت به الى قصر بعبدا. يعرف أن التضحية بهذه الصفقة وارد. وهو بذلك يضع نفسه أمام خيارات صعبة ويعلن استعداده لخوضها، لا يبالي الرئيس اللبناني بمقاطعة الرؤساء العرب والأجانب له. هذا ربما بديهي فقد فهم خصومه قبل حلفائه ذهنيته والخلفية التي ينطلق منها في مواقفه، لكن الأهم هو شيء آخر وفي مكان آخر. الأهم ان الرئاسة اللبنانية لأول مرة من خلال عون استطاعت قلب مزاج المجتمع الدولي والتأثير عليه بتحدّيه وتصلّب موافقه. وهنا لا تتم مناقشة صوابية مواقف عون من عدمها بل تتم الإضاءة على تعاطي الدول الكبرى مع الرئيس اللبناني خلال الأزمة فقد كانت هناك إمكانية غير مسبوقة من حشد اهتمام غربي كثيف، بالرغم من اعتبار خصوم عون انه حليف حزب الله وإيران بمفهوم «التبعية» ما يدحض هذا الكلام جملة وتفصيلاً. فقد بدا ان الأميركيين والفرنسيين وهم أكثر من يمكن ان يقدّموا مؤشراً بديهياً عن الموقف من عون لحظة فشل خطة الاستقالة المفترض أن تخض البلاد والمؤسسات، فقد بدا الرئيس ترامب والرئيس ماكرون بعد أن ضبط عون إيقاع الازمة مجبرين على السير وراء الموقف الرئاسي اللبناني الذي أحرجهم وصار أمام الفرنسيين مسؤولية كبيرة في تلقي الدعوة اللبنانية في التدخل والبحث باسترجاع رئيس حكومة لبنان من منطلق التلويح بتدويلها أولاً وباعتبارها قضية حريات وخرق للدستور اللبناني ثانياً.

تسلّح عون بالشارع الذي التفّ وراءه يقول جزء كبير من اللبنانيين إنها المرة الاولى التي شعر فيها بالاستقلال الحقيقي، لأن رئيسنا استقلالي. ها هو «يخالف» خطط الغرب ولا يقاطعونه ويصادق الإيرانيين ولا يفرضون عليه عدم التعاطي مع المملكة، بل هو زارها فوراً لدى انتخابه رئيساً، بل هو غير مستعدّ لتلبية شروط أحد. ها هو يحالف الشيعي «حزب الله» ويحمي كرامة السنة «تيار المستقبل» وكرسي الرئاسة الثالثة.

الأكبر من الاختبار في زمن الاستقلال هو الشارع اللبناني الذي التفّ حول الرؤساء عون وبري والحريري والتفّ وراء الوحدة الوطنية. وقد اكتشف الكل أن اللبنانيين هم يد واحدة في لحظة صادقة تتعلق بمهابة وكرامة البلاد، وأن اللبنانيين ميالون او تواقون للتمسك بالثوابت الوطنية، إذا لم يتم العبث بأمنهم واستقرارهم وتهديدهم او فرض عليهم رؤساء كرسوا الرئاسة اللبنانية لخدمة مشاريع أو اصطفاف معين بدون التوقف عند مقام الرئاسة.

في زمن الاستقلال صار للرئاسة اللبنانية «قيمة». فبدون مجاملات او جدالات يعرف كل لبناني أنها كانت كرسياً فارغاً حتى ولو تمّ ملؤه فصلاحيات رئيس الوزراء طغت لفترة من الفترات، وتسلّحت بالجو السياسي الإقليمي الملائم. وهناك رؤساء أساؤوا استخدام صلاحيات رئاسة الجمهورية، لكن الأهم أنهم لم يدركوا او يلتفتوا إلى الحفاظ على مهابة هذه الكرسي وحدها أمام المجتمع الدولي.

أما عن خطاب الاستقلال:

فالاستقلال مع ميشال عون هو توضيح كل شيء وليس ترفاً أو عيداً ولا عرضاً عسكرياً.

الاستقلال مع ميشال عون هو وحدة الوطن.

الاستقلال مع ميشال عون هو التصدي لـ «إسرائيل».

الاستقلال مع ميشال عون الابتعاد عن الفتنة.

الاستقلال مع ميشال عون هو حماية الدستور.

الاستقلال هو نصيحة أبوية صادقة.

لبنان مع ميشال عون سيّد، حر، مستقل..


مقالات مشابهة



River to Sea Uprooted Palestinian   
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!

No comments: