لعلّ المتابع يستغرب بشدة الربط بين العاصمة اللبنانية بيروت عام 1982 والعدوان «الإسرائيلي»، بضوء أخضر أميركي عليها، حيث كان الجنرال وليام هيغ رئيساً للأركان المشتركه للجيوش الأميركية، وبين اليمن، وبالتحديد الحُديدة في اليمن، حيث يتمّ تنفيذ هجوم واسع النطاق ضدّ هذه المدينة اليمنية الساحلية من قبل ما يُطلق عليه «التحالف العربي» وبمشاركة أميركية فرنسية «إسرائيلية» مباشرة، وليس كما في الغزو «الإسرائيلي» للبنان عام 1982، أيّ بإعطاء الضوء الأخضر الأميركي فقط.
وبالعودة إلى تشابه الوضع اللبناني، في حزيران 1982، مع الوضع اليمني، في حزيران الحالي 2018، فإنّ نظرة سريعة الى مسرح العمليات على ساحل البحر الأحمر، الممتدّ من ميناء الخوخة وحتى ميناء الحُديدة، يجب أن يسجل الملاحظات التالية:
أولاً: إنّ العقل الذي خطط لاجتياح لبنان، وصولاً إلى عاصمته بيروت، هو عقل عسكري أميركي «إسرائيلي»، تمثل رئيس أركان الجيوش الأميركية، الجنرال ادوارد ماير من 1979 – 1983 ، ورئيس أركان الجيش «الإسرائيلي» رفائيل إيتان من 1978 – 1983 ، وهو العقل نفسه الذي خطط للهجوم الحالي على الحُديدة، أيّ عقل رئيس الأركان المشتركة للجيوش الأميركية جوزيف دانفورد، ورئيس أركان الجيش «الإسرائيلي» الجنرال غابي ايزينكوت.
فقد تمثلت خطة اجتياح بيروت سنة 1982 في القيام بعملية اندفاعة مدرّعة سريعة للوصول إلى بيروت، بغطاء ناري كثيف جوي وبحري وبري، إلى جانب تنفيذ عملية إنزال بحري واسع على شواطئ خلدة، عند مدخل بيروت الجنوبي من جهة المطار.
تركّزت خطة الدفاع، للقوات المشتركة اللبنانية الفلسطينية، بالتعاون مع الجيش السوري الذي كان فوجه 87 ينتشر في التلال المحيطة بخلدة نقول إنّ الخطة قد تركزت على السماح لقوات العدو المدرّعة بتنفيذ اندفاعاتها الكبيرة والسريعة باتجاه خلدة، من الدامور/ الناعمة جنوب خلدة من دون الاشتباك معها. وقد انتظرت القوات المشتركة المنتشرة في المنطقة وصول تلك القوات الى مثلث خلدة، حيث أوقعتها في كمين مضادات للدروع، يوم 9/6/1982، امتدّ على طول ثلاثة كيلومترات، بالإضافة إلى تصدّي سلاحي المدفعية والمدفعية الصاروخية للقوات المشتركة لمحاولة الإنزال البحري.
وقد نجم عن ذلك التصدّي البطولي لقوات الغزو «الإسرائيلية» تدمير لواء مدرّع «إسرائيلي» بشكل كامل، إلى جانب إفشال الإنزال البحري ومقتل وجرح العديد من عناصر البحرية «الإسرائيلية»، أيّ فشل الجيش «الإسرائيلي» في التثبّت في النقاط التي وصل إليها في مناطق جنوب بيروت، من الدامور حتى مطار بيروت الدولي، واستمرار صمود القوات المشتركة اللبنانية الفلسطينية مدة 88 يوماً في وجه أحد أعتى جيوش العالم.
ثانياً: قيام الجيش «الإسرائيلي»، إثر هذا الفشل الذريع، في دخول بيروت من مدخلها الجنوبي، بمناورة التفاف على القوات المشتركة حيث فتح جبهة جديدة في منطقة الشوف اللبنانية، أيّ من الجنوب الشرقي، ليصل لاحقاً بقواته المجوقلة ومن ثم المدرّعة الى منطقة بعبدا وبعض الأحياء الشرقية لبيروت بالتعاون مع القوات العميلة التابعة في حينه لما يُسمّى «الجبهة اللبنانية» وذراعها العسكرية «القوات اللبنانية».
ثالثاً: هذا بالضبط ما يجري منذ ثلاثة أيّام على جبهة الحُديدة، حيث قامت قوات التحالف، وتحت غطاء ناري كثيف جداً من الجو والبحر والبرّ بمحاولة الاقتراب من مواقع قوات الجيش اليمني وأنصار الله في جنوب الحُديدة ومنطقة المطار، حيث سمح لهذه القوات بالتقدّم وتمّ إيقاعها في كمين ضخم لمضادات الدروع مما أدّى إلى تمكّن قوات الجيش اليمني وأنصار الله من إبادة لواء مدرّع بالكامل وقتل وجرح جميع عناصره. في الوقت الذي حاولت فيه قوى العدوان تنفيذ عملية إنزال بحري واسعة على شواطئ غليفقه فجر يوم 14/6/2018، جنوب الحُديدة لتعزيز القوات المدرّعة التي حاولت مهاجمة القوات المدافعة عن المطار. وقد قام سلاح البحرية اليمني بالتصدّي لهذه المحاولة بالصواريخ البحرية مما أدّى الى تدمير بارجة إماراتية وقتل عدد من المرتزقة الذين حاولت تلك البارجة إنزالهم على الشاطئ، وبالتالي تمّ إفشال الهجوم بالكامل.
رابعاً: وكما حصل في المحاولة «الإسرائيلية»، في حزيران 1982، للتثبّت في مثلث خلدة والسيطرة عليه، تمهيداً لدخول بيروت، وقيام الجيش الاسرائيلي بمناورة الالتفاف على القوات المشتركة اللبنانية الفلسطينية، من محاور بيروت الجنوبية الشرقية، نقول كما حصل آنذاك قامت غرفة العمليات الأميركية البريطانية «الإسرائيلية» السعودية المشتركة، التي تقود الهجوم على الحُديدة، بالانتقال الى محاولة الالتفاف على قوات الجيش اليمني وأنصار الله عبر بدء تنفيذ مناورة التفاف عبر الخط الموازي لخط الساحل، أيّ عبر تنفيذ هجمات كبيرة على محور التحيتا/ بيت الفقيه /المنصورية /وباتجاه الدريهمي /الشجيرة، حيث وقعت هذه القوات في مجموعة كمائن لقوات الجيش اليمني وأنصار الله، التي تمكنت من إفشال إقامة رؤوس جسور لهذه القوات في المناطق المذكوره أعلاه، وبدأت التعامل معها بالوسائط النارية المناسبة، الأمر الذي أسفر عن:
ـ محاصرة قوات التحالف في المناطق التي استدرجت اليها وإيقاعها في مصائد دروع لن تخرج منها دبابة واحدة إلا حطاماً.
ـ قطع خطوط إمداد هذه القوات البرية بالكامل والشروع في تنفيذ سلسلة إغارات قاتلة ضدّها، حيث استطاعت قوات الجيش وأنصار الله تدمير ثلاث عشرة دبابة للقوات الغازية هذا اليوم فقط، وذلك على محور الفازة.
ـ نجاح قوات الجيش اليمني وأنصار الله في اتباع تكتيكات عسكرية مبتكرة، أفقدت قوات التحالف ميزة التفوّق الناري بشكل عام والسيطرة الجوية بشكل خاص، بدليل عدم نجاح هذه القوات في الوصول الى محيط مطار الحُديدة وإبقاء وحداتهم، التي وصلت إلى الدريهمي، تحت الحصار وعرضة للعمليات الهجومية النوعية من قبل الجيش وأنصار الله، أيّ فرض حرب استنزاف قاسية على هذه القوات ستؤدّي في أقرب الآجال الى انهيارها الكامل، رغم الغطاء الناري الكثيف الذي توفره لها طائرات التحالف، بما فيها طائرات أف 35 «الإسرائيلية».
خامساً: يُضاف إلى ذلك سلسلة الهجمات المضادّة التي تنفذها قوات الجيش اليمني وأنصار الله، ليس فقط على جميع الجبهات في اليمن، وانما داخل السعودية أيضاً، في جيزان ونجران وعسير، وما ستقوم به القوة الصاروخية اليمنية من ضربات على أهداف هامة لقوى العدوان والتي لن تكون آخرها ضربة صاروخ التوشكا الذي قتل وجرح العشرات من أولئك المرتزقة يوم 14/6/2018.
إنه زمن الأميركي البشع يحاول إعادة الكرة معنا،
لكنه زمن الانتصارات أيضاً الذي تصنعه شعوبنا الحية،
واليمنيون فيه سادة البرّ والبحر وقريباً الجو أيضاً.
بعدنا طيّبين، قولوا الله…
No comments:
Post a Comment