Thursday, 9 August 2018

سورية والنصر سياق يتدحرج

2018

ناصر قنديل

– عبثاً ينفق بعض الكتاب حبرهم وبعض السياسيين أصواتهم في كل مكان تصله الدولارات السعودية أو العصبيات الحاقدة أو المشاريع الانتحارية. فزمن التحليل والتوقّع حول سورية قد انتهى وزمن الرهان على تغيير الاتجاه الحاكم لما هو مقبل قد انتهى، وعلى الذين يشعرون بالخسارة من هذا الذي بات محسوماً واسمه انتصار سورية أمراً واقعاً أن يستعدّوا للتساكن والتأقلم مع هذه الخسارة وتجرُّع تبعاتها بمرارة صامتة، لأن الصراخ من الألم قد يجعلهم مصدراً للسخرية، والمشاغبة على النصر ستجعلهم ضحايا ربع الساعة الأخير من الحرب.

– القضية في الحروب لم تعد قضية جيوش وموارد بشرية ومالية وطاقة نارية ولا إبادة خصم وإعلان استسلامه، بل صارت مزيجاً من إيحاءات تستعمل فيها القوة والدماء لخلق سياق يصبح غير قابل للكسر ويثبت أهليته هذه في التكرار والثبات. وهذا ما قالته الحرب السورية عن نمط حروب القرن الحادي والعشرين، وقد نجحت قوى الحرب على سورية في خلق هذا السياق الذي يقول إن زمن الهزيمة السورية آتٍ لا ريبَ فيه وأن المسالة مسألة وقت. وبقيت الإيحاءات المهيمنة على المشهد السوري، بما فيها تلك المستوردة من نمطية ما يجري في جوار سورية من تهاوٍ للأنظمة والرؤساء من تونس إلى مصر فليبيا واليمن، لتقول إن زمن سورية آتٍ، وفقاً لهذا المثال أو ذاك أو ذلك، لكن الأكيد أنه آتٍ، وكذلك الإيحاءات الدبلوماسية الدولية والتي كان يكفي فيها حشد أكثر من مئة دولة في صف الحرب، مقابل حلف خجول في أيام الحرب الأولى، لا تكادُ صفوفُه تضمّ عدداً من الدول بعدد أصابع اليد الواحدة، سقف ما يقوله عن سورية هو الاستغراب والدعوة للرحمة والبحث عن تخفيف عقوبة الإعدام إلى ما يُبقيها على قيد الحياة ولو مشوّهة أو ضعيفة، وكذلك على المستوى العربي والإقليمي بحيث كان السؤال الناجم عن كل الإيحاءات الواردة من اصطفاف الجامعة العربية وإخراجها لسورية من بين صفوفها، ومعها موقف تركيا، المفترضة كصديق لسورية، ليكون الانطباع أن كل شيء قد انتهى، وما بقي إلا صدور بيان النعي وإعلان السقوط، ومثلها الإيحاءات بتموضع الإعلام الذي كان أبرز قنواته الفضائية وأشدّها تأثيراً في بداية الحرب، وهي قناة الجزيرة، الصديق المفترَض لسورية أيضاً، ليحسم الانطباع والإيحاء باكتمال سياق الانهيار السوري. وهذا ما يفسِّر التدحرج العسكري في سنوات الحرب الأولى لصالح حلف الحرب على سورية وأدواته المحلية والمستجلبة، بينما الدولة السورية لا تكاد تلتقط أنفاسها وتستوعب الصدمة، حتى تأتيها صدمة أقوى.

– منذ خمس سنوات تماماً وصلت الأساطيل الأميركية لتطلق رصاصة الرحمة على سورية، وليس لخوض حرب. وعندما تكشَّف الأمر عن مخاطر حرب وانسحبت ولدت فرصة سياق معاكس. فكان هذا السياق بهجوم معاكس بدأ في الميدان وخلق التوازن كمرحلة أولى، وفي نهاية عام 2015 مع التموضع الروسي العسكري كان كل شيء قد بات جاهزاً للهجوم الاستراتيجي المعاكس الهادف لخلق الإيحاءات المعاكسة وصولاً لرسم السياق المعاكس. وها هو بعد ثلاثة أعوام على بدئه قد صار سياقاً غير قابل للكسر وانتهى. فالجماعات المسلحة المحسوبة على حلف الحرب بما فيها تنظيما القاعدة وداعش تتكسّر مهابتها وتتلاشى وحداتها العسكرية في كل معركة مواجهة مع الجيش السوري. وها هي تشكيلات ما سُمّي بالمعارضة السياسية بلا صوت ولا طعم ولا لون ولا رائحة، وها هي دول الحرب تنقسم صفوفها وتتبعثر تحالفاتها، وتنخفض سقوفها وصولاً للبحث عن استراتيجيات للخروج تحفظ ماء الوجه، أو تخفّف منسوب الخسائر. وها هم الذين كانوا يتحدّثون عن الأيام المعدودة للرئيس السوري، قد رحلوا قبله، ومَن خَلَفهم بات يسلّم ببقائه. وقد صارت أبرز مسلّمات التحليلات والمواقف الدولية عن مستقبل سورية عنوانها، انتصار الرئيس السوري، والبحث عن زاوية أخرى غير بقائه لتدوير زوايا الهزيمة التي أصابت أصحاب الحرب ومَن راهن معهم على السقوط.

– الميدان كان يعكس تحوّلات السياق، وليس موازين القوى العسكرية المتقابلة في المرتين، السياق المعادي لسورية، والسياق السوري الذي يُهمين على المشهد الآن، ففي كثير من الأحيان كانت توازنات الميدان تنتج عكس المعارك الدائرة، بقياس حجم الموارد البشرية والعسكرية المرصودة في كل معركة، لكن السياق كان أقوى كريح عاتية جعلت لشراعاته قوة دفع لا تُقاوَم ومَن يعانِد هذه القوة الدافعة تتكسّر أشرعته ويسقط. والمكابرة وحال الإنكار اليوم غباء سياسي لا مثيل له، والحقد موجّه سيئ في السياسة، لا يؤذي مَن يستهدفهم بقدر ما يتسبّب بقصاص غيبي غير مفهوم عبر التاريخ، للذين يركبون رؤوسهم، ويُقصيهم عن المسرح لأنه لا يليق به وقد اكتملت عناصر لوحة جديدة من دون أن تتلوث ببقايا قديم مات ويعاند مراسم الدفن، ولأن الجديد الذي يولد يحتاج ترتيب احتفال الولادة بدون أصوات تعكر أهازيج العرس الجديد.

Related Videos
Related Articles

River to Sea Uprooted Palestinian   
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!

No comments: