skip to main |
skip to sidebar
هندسة أميركية جديدة لشرق الفرات ـ لماذا؟
أكتوبر 31, 2018
ست سنوات لم تكن كافية للقضاء على منظمة داعش الإرهابية شرق الفرات… بيانات التحالف الدولي بقيادة الأميركيين تؤكد أنه بصدد القضاء على الإرهاب في الشرق والشمال ومعظم أنحاء سورية. وإنّ تراجعه ليس إلا ثمرة أعمالها الجوية والميدانية.
ويتّضح أنّ الدولة السورية بالتنسيق مع الغارات الجوية الروسية 220 غارة منذ ثلاث سنوات وحزب الله والمستشارين الإيرانيين هم الذين قضوا على داعش ومثيلاتها في كامل غرب سورية من الحدود الجنوبية حتى الشمال والشمال الغربي والوسط. فيما لا يزال هذا الإرهاب موجوداً في مواقع في شرق الفرات وحتى ضواحي مدينة حلب.
ما يدفع إلى التساؤل حول صدقية القوات الأميركية في محاربة داعش، وهل البؤر التي يتموضع فيها داعش داخل قاعدة التنف التي يحتلها الأميركيون عند نقطة سورية تربطها بالأردن والعراق.
ولأنّ هذا الانتشار الإرهابي لا يكفي ما يريده الأميركيون كما يبدو، فزعم هؤلاء أنّ سوء الأحوال الجوية في منطقة دير الزور شرق الفرات أتاح لألفي مسلح إرهابي من احتلال الأرياف في مناطق هجين وياغور والسوسة على حساب تراجع قوات سورية الديمقراطية الكردية التي سقط منها مئات القتلى والجرحى وسط حيادية كاملة للتحالف الأميركي… وكأنه لا يرى شيئاً على الرغم من أنّ هذه المعارك تطلبت أياماً طويلة من الاستعداد والتقدّم والهجوم وسط مراقبة دقيقة من الأقمار الاصطناعية الأميركية التي تراقب حتى حركة النبات وصغار الحيوان والحشرات، فكيف بالآليات والمدافع والبشر؟ وما هي الأسباب التي تفرض على القوات الأميركية السماح لداعش بالاقتراب من الحدود السورية العراقية؟
إنها تساؤلات بريئة لمحاولات أميركية ماكرة لها أهداف بعيدة.
في المنطلق، يمكن تأكيد ما يشبه الإجماع أنّ «قسد» الكردية ليست إلا مشروعاً أميركياً يتلاعب بالأحاسيس الوطنية للكرد على جاري عادة المستعمرين.
فاعتقد الكرد أنهم يلبّون بالضرورة حاجة أميركية، إنما من خلال تحقيق مشروعهم بدولة مستقلة لهم في شرق الفرات وشماله، موهمين أنفسهم بإمكانية إنجاز الهدفين معاً. فاستثاروا بذلك غضبين: الأتراك والدولة السورية… لجهة أنقرة فإنّ الكرد وسواس تاريخي كبير لهم لأنهم يشكلون 26 في المئة من سكان تركيا ولديهم مناطقهم المستقلة والجبلية الشديدة الوعورة شرق البلاد.
للتوضيح أكثر فإنّ معظم أكراد سورية هم تركيو الأصل طردهم أتاتورك في 1920 وهجّرهم إلى سورية.
ويصادف أنّ خطوط الاتصال الجغرافي تكاد تكون مفتوحة بين الأكراد في تركيا وسورية والعراق وإيران.. لكن مشكلتهم أنهم لا يملكون سواحل بحرية أو خطوط طيران متصلة مع الخارج، وكما أنّ خطوطهم البرية مقطوعة من العراق وإيران وسورية وتركيا.
لكن الأميركيين أوهموهم باحتمال نجاح كانتون لهم شرق الفرات يسيطر على حقول الغاز والنفط الوفيرة في شرق الفرات. على أن تتولى نقل منتجاتها شركات أميركية تستطيع الاستفادة من سواحل تركيا.
مع عودة كتلة كبيرة من داعش إلى المناطق الشرقية المطلة على حدود العراق ـ يمكن الجزم أنّ الصمت الأميركي عليه ليس بريئاً، بقدر ما يندرج في إطار خطة جديدة تلبّي مستجدات طرأت على حاجات واشنطن في سورية.
الكمين الأميركي في إدلب حيث نجح الضغط الأميركي ـ الأوروبي بإرجاء تحريرها حتى نهاية الوساطات التركية، علماً أنّ هذه المنطقة تسيطر عليها جبهة النصرة وحليفاتها من المنظمات المصنفة إرهابية.
ولأنّ واشنطن تعتبر تحرير إدلب مسألة وقت، سرعان ما يستدير بعدها السوريون والروس وحزب الله والإيرانيون نحو شرق الفرات، فكان أن بدأ الأميركيون بفبركة مزاعم بأنهم يقاتلون الإرهاب في تلك المنطقة.. ما يتطلّب بقاءهم حتى القضاء عليه.. وبما أنّ هذا الإرهاب لم يعد لديه ما يكفي من مناطق خاصة به.. ارتؤي توسيع انتشاره على حساب قسد الكردية.. وبشكل يخدم هدفين: تبرير بقاء الأميركيين في شرق الفرات بالذريعة الإرهابية ووضع داعش ومثيلاتها أمام قوات الحشد الشعبي المنتشرة على حدود العراق مع شرق سورية.. هذا الحشد الذي استشعر منذ شهر تقريباً بمحاولات أميركية لقطع الحدود بين البلدين ومنع أيّ تنسيق بينهما عسكرياً واقتصادياً وسياسياً.
هل تثير هذه الهندسة الأميركية غضب الكرد؟
يملك الأميركيون من الوسائل الكثيرة لإقناع «قسد»، فقد يقنعونها بأنهم يريدون إبعادها عن الصدام مع الجيش العراقي، ومحاولة الحفاظ عليها من إصرار الدولة السورية على رفض الكانتون الكردي.. وبواسطة داعش تصبح الدولة السورية مضطرة إلى تركيز اهتمامها على الإرهاب وتترك الكرد إلى مراحل مقبلة.. وهذه هي الأهداف التي تريدها واشنطن وفي مطلعها إطالة الأزمة السورية.. لأسباب جيوبوليتيكية صرفة، تتعلق بصراعهم الإقليمي مع الروس.
فهؤلاء صاعدون في سياسات الإقليم يبيعون سلاحهم المتقدّم لمصر والهند وقطر والسعودية وسورية وتركيا وأميركا الجنوبية وجنوب شرق آسيا.. وهذا السلاح يحتاج إلى صيانة لمدة سنوات، تربط عادة بين البائع والشاري بالاقتصاد والسياسة.
لذلك فإنّ الإمبراطورية الأميركية المتراجعة في لبنان وسورية والعراق واليمن والعاجزة عن تحطيم إيران، تشعر أنّ رحيلها عن شرق الفرات يعني سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها.. وهذا تفسير واحد وهو أنّ الاستقرار السوري يُمهِّد لروسيا منصة انطلاق قوية نحو الإقليم من العراق إلى اليمن ومصر. وهذا ما يتحاشاه البيت الأبيض.
وهناك في الأفق البعيد حركة أميركية لجذب الأتراك.. فسيطرة داعش على قسم من جغرافية «قسد».. يثير فرح الأتراك وتأييدهم.. خصوصاً أنّ الرئيس أردوغان قال منذ أيام عدة بأنّ قواته ذاهبة في الأيام المقبلة لمحاربة الكرد شرقي سورية. فهل هذه مصادفة.. يهاجم الإرهابيون قسد في الموعد نفسه! وتقصف طائرات تركية مواقع للكرد عند حدود شرق سورية مع شماله.
إنها الهندسة الأميركية التي لا تعمل إلا لمصلحة الجيوبوليتيك الأميركي الكوني الذي يستعمل الكرد والعشائر والمعارضة والإرهاب والدور التركي في سبيل مصالحه العليا.
انظروا إلى حركة التاريخ حتى تتبيّنوا كم مرّة باعت الدول الكبرى الثورة العربية الكبرى والمحاولات الكردية ومعظم الحركات التاريخية مقابل حفنة من البترول والاقتصاد والجغرافيا.
لكن شرق الفرات يرتبط أيضاً بهندسة سورية، روسية، إيرانية، لن تتأخر طويلاً في مباشرة عمليات تحريره وهي التي تؤدّي فعلياً إلى السيادة السورية الكاملة وبدء الروس بتحقيق الجيوبوليتيك الخاص بهم، ونجاح إيران في الخروج من الحصار المفروض عليها منذ ثلاثة عقود ونيّف.
Related Aritcles
No comments:
Post a Comment